تتواصل الاحتجاجات الشعبية لليوم السابع على التوالي، في محافظة السويداء، جنوب البلاد، ومناطق أخرى في الساحل السوري غرباً تعد من أكثر المناطق الموالية له، في حين يبدو النظام حذراً في التعامل معها، مقارنة مع ما قام به في مناطق المعارضة، إذ أرسل وساطة إلى الطائفة الدرزية للتوصل إلى حل يوقف المظاهرات.
وكشفت مصادر خاصة لـ"عربي بوست"، عن إرسال النظام السوري وساطة إلى الطائفة الدرزية ووجهاء منطقة السويداء، من أجل التوصل إلى حل يفضي إلى وقف الاحتجاجات والمظاهرات التي بدأت منذ 19 أغسطس/آب 2023، في محافظة السويداء متأثرة بدعوات أطلقت في 10 من الشهر ذاته.
إرسال وساطة إلى الطائفة الدرزية
وقالت المصادر، طالبة عدم ذكر اسمها، إن"محافظ السويداء بسام بارسيك قام بزيارة إلى الرئيس الروحي للطائفة الدرزية حكمت الهجري وعدد من وجهاء المحافظة في منطقة القنوات بريف السويداء، كوسيط من النظام السوري، وجرى ذلك الخميس 24 أغسطس/آب، لبحث سبل التهدئة ووقف الاحتجاجات الشعبية التي تشهدها المحافظة عامةً، وحالة الإضراب العام للدوائر الرسمية".
لكن جهود الوساطة إلى الطائفة الدرزية وفقاً للمصادر "لم تُثمر، على الرغم من تقديم الوسيط عرضاً حول الواقع الاقتصادي والمعيشي، وتلبية جملة من المطالب الشعبية، التي قابلها الهجري بالرفض، محملاً محافظ السويداء رسالة للنظام السوري".
وكشف عن أن الرسالة أفادت بأن "الاحتجاجات الشعبية لا تحتاج لوساطات ولا اتصالات، وإن مطالب الشارع معروفة، ولا داعي لشرحها، وإنه لن يكون هناك أي تواصل مع أحد من رموز النظام، قبل تحقيق مطالب الشارع"، لتعكس فشل الوساطة إلى الطائفة الدرزية التي أرسلها النظام السوري
وقال سعد الشوفي، وهو أحد النشطاء في السويداء، تعليقاً على ذلك، بأنه "قوبلت الوساطة إلى الطائفة الدرزية بنزول أعداد إضافية من أهالي المحافظة إلى الساحة المركزية (ساحة السير) وسط المدينة، للتأكيد على المضي بالاحتجاجات والإضراب العام، حتى تلبية مطالب المتظاهرين".
وأوضح لـ"عربي بوست" أن في مقدمة المطالب في السويداء: "الإفراج عن المعتقلين من السجون، والرضوخ للقرار الأممي 2254، الذي يفضي إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية، وإجراء انتخابات رئاسية برعاية أممية، ومحاكمة النظام على جرائمه التي اقترفها بحق الشعب السوري على مدار 12 عاماً".
ولفت إلى مشاركة العشائر العربية في مظاهرات السويداء، الذين حملوا لافتات طالبوا فيها بإسقاط النظام السوري، ورددوا شعارات منها: "الشعب السوري واحد واحد" و"عاشت سوريا ويسقط بشار الأسد" و"بالحق بالدين بدنا المعتقلين".
وشارك في المظاهرات قائد تجمع أحرار جبل العرب سليمان عبد الباقي، مخاطباً الجموع: "لا بدنا اجتماعات ولا بدنا تواصل، مطلب أهالي السويداء إنهاء حكم المجرم بشار".
من جانبها، حذّرت "مضافة الكرامة" في السويداء، التي يمثلها الشيخ ليث البلعوس وهو ممثل حركة "رجال الكرامة" العسكرية، النظام السوري، في بيان، "من المساس بأمن الشعب والمتظاهرين".
وقال: "إننا في مضافة الكرامة، نؤيد مطالب الشعب المحقة، وندعم موقفه لإعلاء كلمة الحق في وجه هذه الطغمة الحاكمة التي حاربت أبناء شعبنا بكل السبل والإمكانيات المتاحة لها، ونعلن أننا على الجاهزية التامة لرد أي اعتداء على الشعب الثائر، بكل ما أوتينا من قوة، والذود عن حياض أهلنا وكرامتنا".
النظام يتجنّب قمع الاحتجاجات
رغم أسلوب القمع الذي انتهجه النظام السوري منذ 2011، إلا أنه بدا حذراً هذه المرة في تعامله مع الاحتجاجات في مناطقه الموالية له، التي من بينها مسقط رأس بشار الأسد نفسه، في القرداحة في اللاذقية على الساحل السوري.
ناشطون أوضحوا أن تعامل النظام السوري مع الاحتجاجات منذ أن بدأت بتجنب قمعها، ولكنه قام بملاحقة ناشطين في الحراك الأخير بمناطق الساحل والسويداء واعتقلهم، من خلال العمليات الأمنية الخاطفة والسرية.
وقال منير ديب، وهو أحد أبناء طرطوس، لـ"عربي بوست"، إنه في غضون أقل من أسبوع، وبالتزامن مع الاحتجاجات الشعبية العارمة في السويداء، اعتقل النظام أكثر من 30 ناشطاً علوياً في محافظات اللاذقية وطرطوس الساحليتين، بتهمة "التآمر على البلاد والمساس بأمن الدولة".
وأضاف أن "نشاط المعتقلين كان يتلخص فقط في المطالبة بإصلاحات اقتصادية وحكومية من شأنها تحسين الوضع المعيشي لدى المواطنين، خاصة مصابي الحرب والجرحى والعائلات الفقيرة التي فقدت أبناءها في صفوف قوات النظام السوري بالحرب مع قوى المعارضة على مدار 12 عاماً سابقة".
عمر حاج سعيد، وهو ناشط في دمشق، قال لـ"عربي بوست": "النظام لن يجرؤ على اقتحام محافظة السويداء أو القضاء على الاحتجاجات الشعبية التي تشهدها تلك المحافظة مدينة وريفاً، ففي حال قيامه بهذه الحماقة، لن يقتصر الأمر على اشتعال ما تبقى من سوريا فحسب، ولكن ستطال الأحداث مناطق لبنانية (درزية) وستدخل لبنان على خط الصراع والاحتجاجات، وهذا ليس بصالح النظام ولا لبنان".
ولفت إلى أن هناك "أصواتاً مناهضة للنظام بدأت ترتفع في المناطق العلوية التي كانت من أبرز المناطق ولاءً له على مدار 12 عاماً سابقاً في حربة ضد السوريين وقوى المعارضة، وهو لا يريد أن يخسر ولاءها".
وقال إن بشار الأسد "يخشى خسارة الطائفة العلوية الموالية له، التي لطالما قدمت له أبناءها للدفاع عن حكمه ونظامه في سوريا".
وبالعودة إلى ديب، فقد أوضح أن "ما أجّج الوضع في مناطق الساحل السوري ودفع بقسم كبير من أبنائه، لتأييد الاحتجاجات الحاصلة في السويداء ودرعا ومناطق أخرى في سوريا مناهضة للنظام، تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في تلك المناطق، وإهمال قرابة 18 ألف جريح (عسكري) دون عناية أو اهتمام أو حتى رواتب ومعاشات أو أي ميزات".
أضاف إلى ذلك أن هناك "ما يقرب من 130 ألف عائلة فقدت اثنين أو 3 من أبنائها في الحرب السورية إلى جانب النظام، فكان ذلك دافعاً رئيساً في تحريك الشارع بمدن الساحل السوري، ولم يعد يعنيهم النظام إن كان علوياً أو سنياً أو درزياً بقدر ما تعنيهم مواصلة الحياة والعيش بأمان من الموت إما جوعاً أو مرضاً".
خشية خسارة ولاء ضباط في الجيش
ولفت ديب إلى أن النظام السوري يخشى أيضاً، انشقاق عدد من ضباط جيشه العلويين والدروز، وهو الأمر الذي يجعله حذراً في التعامل مع الاحتجاجات الجارية.
وأفاد بأن هناك عدداً من الضباط العلويين في صفوف قوات النظام، الذين انحازوا سراً بالفعل إلى مطالب المحتجين، فيما بدأ بعضهم بتنظيم أنفسهم ضمن تكتلات عسكرية منها "حركة الضباط العلويين الأحرار"، التي بدأت تفضح النظام السوري وتكشف عن حجم تورط الأخير بصفقات اقتصادية مع روسيا وإيران.
وأشار إلى أن النظام السوري عادة ما يختار ضباطه من مناطق الساحل ومن الطائفتين العلوية والدرزية.
وفي أحدث نشاط لحركة "الضباط العلويين الأحرار" في مناطق الساحل السوري، كشفت خلاله عن 5 مواقع عسكرية سرية إيرانية في جبال العلويين ومناطق الساحل غربي سوريا، بينها مصانع كبتاغون وصواريخ وطائرات مسيرة تتبع للحرس الثوري الإيراني، ومواقع وأنفاق جبلية في منطقة جبلة قريبة جداً من القاعدة العسكرية الروسية "حميميم" بريف اللاذقية، وفق فيديو نشره موقع بلدي السوري.
أسلوب حذر
بالمقارنة بين تعامل النظام السوري مع احتجاجات 2011 التي واجهها بالحديد والنار منذ الأيام الأولى على انطلاقها في درعا، واحتجاجات اليوم في السويداء ومناطق الساحل السوري، قال محمود العلي، وهو ناشط حقوقي وسياسي سوري، إنه "من الواضح تماماً الأسلوب الحذر الذي يتعامل فيه النظام السوري مع احتجاجات السويداء ودرعا وحلب ودير الزور".
وقال لـ"عربي بوست" إن "جهود النظام السوري تصب الآن في خانة الدبلوماسية والوساطة عبر الدفع برموزه للتوسط بين الرموز الشعبية والشخصيات الدينية للسيطرة على زمام الأمور".
ويرجع العلي أسباب حذر النظام بالتعامل بالقوة مع الاحتجاجات الحالية في محافظة السويداء أو محاولة قمعها بالسلاح، لجملة من الأسباب والحسابات المناطقية والمذهبية.
وأوضح أن "هناك خصوصية لمحافظة السويداء، فهي مثل الجسد الواحد، التي يعتنق أبناؤها مذهباً واحداً هو المذهب الدرزي، ويتبعون رموزهم الدينية والشعبية، وهذا يضع النظام أمام تحدٍ كبير، فمجرد مواجهته لأهالي السويداء بقمع الاحتجاجات بالقوة، هذا يعني أنه أصبح بمواجهة فعلية مع طائفة كاملة".
وأشار في هذا الصدد إلى أن النظام لا ينسى ما حصل مع الرئيس السوري الأسبق أديب الشيشكلي، "عندما قصف في خمسينيات القرن الماضي جبل العرب وعاصمته السويداء بالمدافع والطائرات، بحجة التآمر على نظام الحكم في سوريا، ولكنه اغتيل بعدها على يد أحد أبناء الطائفة الدرزية في مكان إقامته في البرازيل في 1964، انتقاماً لقصف المدنيين الدروز في السويداء".
وتابع أن "السبب الآخر الذي يمنع النظام من ارتكاب أي حماقة أو مواجهة مع المحتجين بالسلاح، هو غياب المقومات والإمكانات الاقتصادية والبشرية التي تمكنه من خوض معركة جديدة ضد الشعب السوري تحت أي حجة".
وأشار إلى أن النظام لا يمكنه تكرار ما فعل في 2011، فهو حينها كان بقوته العسكرية والاقتصادية ونفوذه الكامل على سوريا ومؤسساتها، وقام وقتها باجتياح محافظة درعا في ثالث يوم على انطلاق الاحتجاجات الشعبية فيها، دافعاً حينها بعدد كبير من القطعات والوحدات العسكرية إلى درعا البلد، وواجه بجنوده وشبيحته المتظاهرين بالنار وقذائف الدبابات".
لكنه أشار إلى أن جيش النظام السوري لم يعد كما كان سابقاً قبل عام 2011، وهو يعاني على جميع الأصعدة من العدد والعتاد والانتشار والقوة العسكرية.
الضابط المنشق عن قوات النظام "أحمد الحسن"، قال لـ"عربي بوست"، إن "النظام السوري اليوم فقد حاضنته الشعبية ومؤيديه وحتى الطائفة العلوية الموالية له بعد 12 عاماً من الحرب، التي فقد فيها ما يقرب من 120 ألف شاب علوي حياته في المعارك ضد فصائل المعارضة، لصالح النظام".
وأضاف أنه مع تدهور الوضع الاقتصادي في سوريا، وعجز حكومات النظام السوري عن إنقاذه، تدهور الوضع المعيشي عند 90% من السوريين، من بينهم العلويون، الذين فقدوا أبناءهم ومعيليهم، ولقوا إهمالاً شديدا من النظام لاحتياجاتهم.
أما عن صرف رواتبهم، فأكد أنها "غير قادرة على تأمين الحد الأدنى من متطلباتهم المعيشية، فضلاً عن الإهمال الشديد لأبنائهم الجرحى، فكان كل ذلك أسباباً رئيسية دفعت العلويين الموالين للنظام السوري إلى توجيه انتقادات لاذعة ضده، وسرعان ما تطورت إلى احتجاجات صريحة، ونداءات لناشطين من الطائفة العلوية تطالبه بالتنحي".
وأكد خشية النظام السوري الانزلاق إلى مرحلة جديدة من الصراع المسلح مع القوى الشعبية، كما حدث في احتجاجات 2011، بعد تحذيرات لناشطين ورموز شعبية "درزية وعلوية" بالثأر من أي اعتداء يطال المحتجين في الساحات.
يشار إلى أن مناطق سورية عدة، في مقدمتها محافظتا درعا والسويداء في جنوب البلاد، خرجت في احتجاجات منذ أسبوع، بعد قرار النظام السوري رفع أسعار الوقود في 16 أغسطس/آب الجاري.
وتشهد مناطق الساحل السوري داخل اللاذقية وطرطوس (غرباً) وكل من محافظات إدلب وحلب (شمالاً) ودير الزور والحسكة والرقة (شرقاً) ودرعا والسويداء (جنوباً) مظاهرات ضد نظام بشار الأسد.