أعلنت 3 وزارات في تونس، عزمها "تعقب وتتبع مقترفي الجرائم السيبرانية، ضد المسؤولين، والإضرار بالأمن العام والمساس بمصالح الدولة التونسية"، الأمر الذي أثار غضباً حقوقياً، وسخرية في مواقع التواصل الاجتماعي.
وزارة العدل، ووزارة الداخلية، ووزارة تكنولوجيات الاتصال، جميعها أصدرت تعميماً بإطلاقها "تتبعات جزائية" للكشف عن هوية أصحاب ومستغلي الصفحات والحسابات والمجموعات الإلكترونية التي قالت إنها تبث الشائعات بهدف "الإضرار بالدولة".
وقالت إن القرار بتتبع الأشخاص أمنياً، "يشمل من يتعمّد إنتاج وترويج أو نشر وإرسال أو إعداد أخبار وبيانات وشائعات كاذبة، أو نسبة أمور غير حقيقية، بهدف التشهير وتشويه السمعة أو الاعتداء على حقوق الغير، أو الإضرار بالأمن العام والسلم الاجتماعي والمساس بمصالح الدولة التونسية والسعي لتشويه رموزها".
وحذّرت الوزارات الثلاث من أن "كل من يساهم أو يشارك في نشر محتوى موقع أو صفحة محل تتبع عدلي أو جزائي بأي طريقة كانت، بداخل التراب التونسي أو خارجه، فإنه يُعرض نفسه إلى التتبعات ذاتها".
وأشارت إلى أنه سيتم نشر قوائم الصفحات والمجموعات الإلكترونية محل التتبع بصفة دورية على المواقع الرسمية.
جاء البلاغ إثر اجتماع عقده الرئيس قيس سعيد بالوزراء الثلاثة، إذ أكد لهم أن "هتك الأعراض وبث الشائعات والسب والشتم، لا علاقة له بحرية التفكير ولا بحرية التعبير".
وشدد سعيد على أنه "لا تراجع عن مواجهة هذا الانفلات، الذي يدلّ في أحيان كثيرة على تدبير مسبق، وتخطيط مرتّب تتولاه مجموعات هدفها بثّ الفوضى وزعزعة الاستقرار"، وفق تعبيره.
مخاوف حقوقية
يثير هذا القرار مخاوف حقوقية، باستغلال هذا الأمر في ملاحقة المعارضين، لا سيما أنه خلال الشهور الماضية، جرى اعتقال عدد من المعارضة السياسية لسعيد في البلاد، ووصل عددهم لأكثر من 40 شخصاً حتى الآن، في تهم متعلقة بـ"التآمر على أمن الدولة"، وغيرها.
تطرق الاجتماع الثلاثي مع سعيد، بحسب بيان للرئاسة، إلى "الجرائم السيبرانية وضرورة التنسيق مع عدد من الدول، لوضع حدّ لهذا الانفلات الواقع على صفحات التواصل الاجتماعي".
وعلق ناشطون على ذلك، بأن الهدف منه ملاحقة معارضين تونسيين في خارج البلاد.
من جهتها، اتهمت جبهة الخلاص الوطني المعارضة في تونس، الخميس، السلطة الحاكمة بـ"محاولة يائسة لإخراس أصوات" المنتقدين لأدائها.
ووصفت البيان المشترك للوزارات الثلاث، بأنه "سابقة غير معهودة"، مشيرة إلى أنه "يرتقي إلى مستوى إعلان الحرب على حرية الكلمة والتعبير، في محاولة يائسة لإخراس أصوات المدونين الناقدين لأداء السلطة، والمعبرين عن تنامي التذمر الشعبي في وجه الأزمة المالية والاجتماعية المحتدمة".
وحثت الجبهة، التي تُعد أكبر تجمع معارض في تونس لسعيد، "كل القوى الحية في البلاد للدفاع عن الحريات العامة والفردية وإنقاذ تونس من خطر التفكك والانهيار وفتح الطريق للإصلاح يؤمن لها الاستقرار والنهوض الاقتصادي والاجتماعي".
"لا مرجع قانونياً"
في قراءة قانونية للبلاغ الذي أثار جدلاً واسعاً في تونس، قال الدكتور في القانون شاكر الحوكي لـ"عربي بوست"، إن "هذا البلاغ تجاوز طبيعته التوجيهية والإعلامية إلى النص الترتيبي، نظراً للآثار القانونية المترتبة عليه".
وأوضح أن "البلاغ يخلو من الإشارة إلى أي مرجع دستوري وقانوني يمكن على أساسه تبرير الإجراءات المتخذة في حق الناشطين على السوشيال ميديا".
وتابع بأن "طبيعة البلاغات، وإن لم تكن تحتاج إلى ذكر المستندات والمراجع التي تقوم عليها، فإن خطورة الإجراءات المتخذة في حق الناشطين الفيسبوكيين من الخطورة بمكان أنها لا تتحمل الإشارة إليها في مجرد بلاغ".
واعتبر الحوكي أن حرية الرأي والتعبير "تلقت بذلك مرة أخرى ضربة موجعة في حقها، وأن الرئيس عازم على تمديد نفوذه وتوسيع سلطانه، والمضي قدماً في إرساء نظامه الدكتاتوري"، وفق وصفه.
من جانبه، قال المحامي مختار الجماعي، في حديث مع "عربي بوست": "في الوقت الذي كان التونسيون ينتظرون فيه من الحكومة ضبط خطط تنمية وحلول للأزمة التي تعيشها البلاد في مختلف الأوجه، ينعقد مجلس وزاري مصغر، لتهديد المواطنين والتضييق على حرياتهم في التعبير والتفكير والمشاركة في الشأن العام حتى بإبداء الرأي".
وأضاف: "شخصياً وبحكم نشاطي اليوم في متابعة قضايا الحريات، لم أستغرب صدور هذا البيان، لأنه اعتراف صريح بالممارسة الفعلية التي انتهجتها سلطة ما بعد 25 يوليو في تتبع المدونين ومحاكمة الصحفيين".
وعبّر عن استهجانه بالقول إنه "بهذا السلوك، يحقق سعيد هدفين اثنين، أولهما التخلص من المناوئين وكل رأي معارض، وثانيهما الترهيب وتحقيق الردع".
من الناحية القانونية، أجاب المحامي الجماعي بأن "هذا القرار الإداري باطل، بالرجوع إلى أدنى مبادئ القانون الطبيعي، وكذلك بالرجوع حتى إلى القواعد الدنيا للحقوق التي وضعها قيس سعيد في دستوره الذي فرضه بديلاً عن الدستور الشرعي".
سعيّد والسوشيال ميديا
تحدّث الرئيس التونسي قيس سعيد، في الكثير من المرات في خطاباته، عن "صفحات مشبوهة تنشر الشائعات"، وقام في سبتمبر/أيلول 2022 بإصدار المرسوم عدد 54 لمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال.
تضمن المرسوم الرئاسي 38 فصلاً، وعقوبات مشددة، إذ تنص المادة 24 منه بالسجن 5 سنوات، وغرامة مالية تصل إلى 16 ألف دولار، بتهمة نشر أخبار زائفة أو الإضرار بالأمن العام والدفاع الوطني، أو بث الرعب بين السكان.
لاقى المرسوم رفضاً كبيراً، وتتالت الدعوات من حقوقيين وسياسيين وحتى منظمات وشخصيات دولية بسحبه؛ لما يمثله من قمع للحريات.
سخرية ضد القرار
أثار البلاغ من الوزارات الثلاث، جدلاً كبيراً ورفضاً واسعاً في الأوساط التونسية في مواقع التواصل الاجتماعي، ومن الناشطين والشخصيات السياسية التي عبرت عن غضبها من القرار، ومن آخرين علقوا عليه بالسخرية.
من جهته، علق القاضي التونسي البارز (تم عزله) حمادي الرحماني: "إنما هي صفحاتكم التي تحصّنت بكم وسكتتُم عنها واستفدتم منها… رُدّت إليكم!".
وتساءل القاضي الرحماني، في تدوينة على صفحته الرسمية على فيسبوك: "ألا يعلم رئيس الجمهورية، وكذلك الوزراء، وخاصة وزيرة العدل، بأن هذه الصفحات التي تساند الرئيس منذ سنتين وتتبجح بالقرب منه، احترفت تشويه كل من لا يساند السلطة وخياراتها، واحترفت خصوصاً التشهير بالقضاة والقاضيات المتمسكين باستقلالهم؟".
وأضاف: " أين كانت هذه البيانات طيلة عامين؟ أفلا تعتذروا لضحاياكم وضحايا هذه الصفحات أولاً؟!".
المحامي صابر العبيدي، سخر عبر حسابه في فيسبوك، من بيان الوزارات الثلاث، قائلاً: "يلزمك عملياً يومياً قبل أن تتصفح الإنترنت وصفحات المواقع بتويترها بفيسبوكها بإنستغرامها، أن تتطلع أولاً على القائمة المعدلة للصفحات الممنوعة التي سيتم نشرها في المواقع الرسمية دورياً، وإلا فلك الويل".
أما الصحفي بسام بونني، فقال: "فقط تخيلوها: شخص جديد وافد على الحبس. يسألونه ما سبب سجنك، يقول بسبب منشور فيسبوك".
وتعاني تونس أزمة سياسية منذ أن بدأ سعيد فرض ما أسماها "إجراءات استثنائية" في 25 يوليو/تموز 2021، رفضتها غالبية القوى السياسية والمدنية في البلاد.
وقام سعيد حينها بحل مجلسي القضاء والنواب، وكذلك الحكومة، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وإقرار دستور جديد عبر استفتاء وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة لقيت انتقاداً دولياً.