جاء إعلان المصرف المركزي الليبي عودته ليكون مؤسسة سيادية موحدة بعد سنوات من جهود بهذا الإطار، إلا أن توقيته أثار تساؤلات حول هذه الخطوة التي بقيت متعثرة لمدة 9 سنوات، وما هي خلفيات هذا الأمر، وتداعياته الاقتصادية والسياسية.
إعلان المصرف المركزي الليبي جاء الأحد 20 أغسطس/آب 2023، وسط ترحيب كبير من الأطراف السياسية في ليبيا كافة، بعد انقسامه إلى مصرفين ومحافظين بين الشرق والغرب، ما أدى إلى ارتفاع سعر الدولار ونقص حاد في السيولة النقدية في البنوك العاملة في البلاد.
إيجابيات القرار
من جهتها، قالت عضو مجلس النواب الليبي أسماء الخوجة، لـ"عربي بوست"، إن هذه الخطوة "جاءت نتاج خطوات ونقاشات وتوافقات بين أطراف سياسية كانت من المفترض أن تكون أبكر من ذلك"، لكنها أضافت: "أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي".
وشددت على أن "هذه خطوة في الاتجاه الصحيح، تُسهم في تسوية الديون وحل الأزمات".
وتابعت بأن "هناك مصارف تجارية تعاني من مشاكل عدة، فرضت عليها من المصرف المركزي الليبي، مثل عمليات التحويل المالي والمقاصة وغيرها"، ولكنها تعتقد أن هذه المصارف ستعمل وفق منظومة واحدة، بالتالي ستكون هناك فائدة كبيرة للمواطن الذي عانى ويلات هذا الانقسام".
عن موقف مجلس النواب قالت: "بكل تأكيد، فإن المجلس سيرحب بهذه الخطوات الإيجابية، وتقول إنها لا تتحدث بالإنابة عن بقية الأعضاء، ولكن لا أحد يختلف على مثل هذه الخطوات"، وفق قولها.
أما فيما يخص مخرجات لجنة 6+6 وقرب وجود حكومة جديدة، فشددت على أهمية حدوث تغييرات في رؤساء وممثلي الهيئات والمؤسسات التي تتبع مجلس النواب، مثل المصرف المركزي الليبي والمؤسسة الوطنية للنفط وهيئة مكافحة الفساد والهيئات الرقابية.
وأشارت إلى أنه "يجب أن تكون هناك منظومة جديدة لكي نصل إلى الهدف المنشود، وذلك بتبني حكومة جديدة، هذه المهام تسهم في صنع التغيير".
من جانبه، قال المحلل السياسي محمد أمطيريد، إن هذا التوحيد "يأتي في صالح المؤسسة المصرفية من جوانب عدة أهمها توحيد العملة، والعمل الحقيقي على خفض سعر الدولار في السوق".
وأضاف لـ"عربي بوست": "كنا نتمنى هذا الأمر منذ فترة، وربما هذا الأمر مؤشر لتوحيد باقي المؤسسة، على غرار توحيد مؤسساتها السيادية والتنفيذية، وربما نحن نقترب من الانتخابات البرلمانية والرئاسية"، وفق قوله.
وحاول "عربي بوست" أخذ تعليق من المصرف المركزي الليبي، إلا أنه لم يتلقَّ رداً حتى الآن.
عقبات أمام توحيد المصرف المركزي الليبي
يعتقد أمطيريد بأن "التوحيد لا يمكن أن يكون سبباً في تغيير مجلس الإدارة والشخصيات الجدلية فيه، لأن التوحيد تم بنفس الشخصيات الحالية".
وأكد أنه "سيكون هناك جدل حولهم، لأن مجلس النواب الذي يعد الجهة التشريعية كان قد حجب الثقة عن المحافظ الحالي الصديق الكبير، إلا أن التوحيد الحقيقي يجب أن يتم بموافقة مجلس النواب، كونه الجهة التشريعية المخولة بذلك".
أوضح كذلك أن "الفساد مستشرٍ في المصرف المركزي"، معتقداً أن "خطوة التوحيد ربما ستقنن منه، وتحد منه"، مشيراً إلى أنه "عند توحيد المصرف سيعزز ذلك عمل الجهات الرقابية بين الشرق والغرب، المعنية بمراقبة المصروفات بشكل أسهل عن السابق، لأن التوتر بسبب الانقسام أدى إلى صعوبة في عمل الجهات الرقابية".
وقال إن "الأطراف المتلاحمة عليها شبهات كبيرة وقضايا فساد، وربما ستتم التضحية ببعض الأسماء التي شاركت مع أطراف معينة في النزاع" داخل البلاد.
أشار أيضاً إلى أن سبب التوحيد ربما يأتي بعد الضغوطات الدولية، أبرزها البعثة الأممية.
وأكد أن الاجتماعات الحالية بين القوى الليبية، وأبرزها اللقاء الذي عقد بمدينة بنغازي بين رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، وقائد قوات الشرق الليبي اللواء المتقاعد خليفة حفتر، عكست يقيناً منهم بأن "القوى المتنازعة في العاصمة لن تأتي بأي سلام قادم، وربما ستستعى للاقتتال من جديد".
وقال إنهم جرى بينهم الاتفاق على توحيد بعض النقاط المعلنة، والتي طرحتها لجنة 6+6، والعمل فيها مع تعديل بعض القوانين، والعمل على توحيد المؤسسة المالية.
"جدية مؤقتة"
بدوره، أبدى الأكاديمي الليبي فوزي الحداد، استغرابه من هذه الخطوة في هذا الوقت بالنظر إلى الأوقات السابقة التي كانت سانحة لذلك.
وقال لـ"عربي بوست": "لم يحدث فيها هذا الأمر على سبيل المثال، عندما تسلمت حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة توحدت كل المؤسسات ما عدا الجيش والبنك المركزي، فلماذا لم نرَ التوحيد في تلك الفترة الممهدة في ذلك الوقت.
وأضاف: "لا أتصور جدية هذا الأمر في ظل الجمود السياسي، وتمسك كل طرف بمكانه، وفي ظل وجود حكومتين، لذلك تفاجأنا بهذا الأمر، إلا إذا كانت هناك خطوات ملموسة في هذا السياق".
وتابع بأن "التغيير الحقيقي في المصرف المركزي يحتاج لتوافق بين المجلسين، النواب والأعلى للدولة، وأن أغلب الإجراءات متوقفة بعد انتخاب تكاله رئيساً للمجس الأعلى للدولة، وأن أي اتفاق ربما سيأخذ وقتاً طويلاً".
وقال إن "الأولوية ستكون للقوانين الانتخابية المنتظرة في ظل مسألة تعطل مسألة المناصب السيادية بين المجلسين والتجاذبات الكبيرة"، مستبعداً أي تغيير في مجلس إدارة المركزي في وقت قريب.
وعبر الحداد عن تشاؤمه بما يتعلق بسعر الصرف وأزمة السيولة، قائلاً إنهما لن يتغيرا، وذلك لاعتبارات عدة، "أبرزها الجمود السياسي الذي يطبق على الجميع، ووجود حكومتين، وكل منهما تحتاج لميزانية وترتيبات".
أضاف إلى ذلك: "كما أن المؤسسة الأمنية في الشرق والغرب غير موحدة، فهي ستسير على ماهي عليه، وإن طرأ أي تحسن فسيكون تحسناً طفيفاً على صعيد المقاصة المعطلة، لذلك فإن المشكلة قد تتحسن قليلاً".
مخاوف من الفساد
من جهته، وصف المحلل السياسي جمال الفلاح، في حديثه لـ"عربي بوست"، خطوة توحيد المصرف المركزي، بـ"خطوة إيجابية"، لكنه قال: "لا نتفاءل بها، بسبب أن نفس الوجوه التي قامت بهذه الخطوة هي المسيطرة في الشرق والغرب".
وتابع بأن توحيد المصرف المركزي "خطوة إدارية ممتازة، ولكنها لا تعدو كونها صفقة سياسية وتقاسماً لإيرادات الدولة والنفط"، لذلك رأى أنها خطوة "غير جدية"، في ظل وجود حكومتين ودولتين بين الشرق والغرب.
وقال إن "عملية ارتفاع سعر الدولار في البلاد لا ترتبط بمسألة توحيد المصرف المركزي على الإطلاق"، وفق تقديره، موضحاً: "إنما هي مرتبطة بمصروفات ضخمة تنفقها هذه الحكومات على مصروفاتها، ومرتبطة بمنظومة فساد كبيرة".
وأكد أن "على الحكومات والأجسام السياسية الحالية تقليص تلك المصروفات الضخمة والرواتب الكبيرة، فجميعها مرتبطة بمنظومة فساد أكثر من كونها مرتبطة بسعر صرف رسمي"، على حد وصفه.
وعلَّل كلامه بالقول: "هذه القيمة التي يتم تحصيلها كضرائب من سعر الدولار تذهب إلى رفاهية المسؤولين ومصروفات أخرى".
وختم بالقول إن "هذه الصفقة لن تحدث أي تغيير إداري، وإن الشعب لن يستفيد من هذه الخطوة".
يشار إلى أن المصرف المركزي كان منقسماً إلى اثنين، الأول يعمل من طرابلس برئاسة الصديق الكبير، والثاني من مدينة البيضاء، قبل أن ينتقل إلى بنغازي برئاسة علي الحبري، الذي أقاله مجلس النواب نهاية 2022.
ومنذ سنوات، ترعى بعثة الأمم المتحدة حواراً اقتصادياً يهدف إلى توحيد المؤسسات المنقسمة، وعلى رأسها المصرف المركزي.