اضطر محمد سعيد، وهو ولي أمر طالب بالصف الثاني الابتدائي، أن يجوب الأسواق الشعبية المنتشرة بمناطق متفرقة بوسط العاصمة المصرية القاهرة، بحثاً عن أسعار الكتب الخارجية المناسبة له.
يقول سعيد، وهو شاب في الخامسة والثلاثين من عمره، ويعمل بأحد المصانع الخاصة، لـ"عربي بوست" إنه وجد ارتفاعاً غير مسبوق هذا العام في أسعار الكتب الخارجية، وكان بحاجة إلى أربعة كتب وصل سعرها إلى 600 جنيه.
ولم يجد المتحدث سبيلاً سوى الحصول عليها مستعملة لتوفير باقي نفقات الدراسة، وأنه حصل عليها بمبلغ 120 جنيهاً فقط، لكن المشكلة أنه سيكون بحاجة إلى مسح كثير من إجابات التدريبات الموجودة بالكتاب حتى يكون الكتاب صالحاً للاستخدام الدراسي.
وكان متوسط أسعار الكتب الخارجية العام الماضي يتراوح ما بين (200 إلى 300 جنيه) على أقصى تقدير، كما أن أسواق بيع الكتب المستعملة في منطقة السيدة زينب والعتبة والفجالة شهدت توافداً كثيفاً من أولياء الأمور هذا العام، وهو ما تسبب في نفاد كثير من الكتب.
وبحسب سعيد، فإنه اضطر لأن يجوب الثلاث أسواق حتى يتمكن من تجميع الكتب التي يحتاجها، كما أنه في المقابل قام ببيع الكتب الخارجية التي استخدمها ابنه العام الماضي لأحد جيرانه بمقابل زهيد، ولم يكن يدري حجم الأزمة التي يواجهها سوق الكتب الدراسية المستعملة هذا العام.
ويرى المواطن الذي تحدث لـ"عربي بوست" أن مصروفات الفصل الدراسي الأول في مدرسة ابنه لم تتجاوز 500 جنيه، ووجد أنه بحاجة لأكثر من هذا السعر لشراء الكتب الخارجية.
وكانت أسعار الكتب الخارجية مثار جدل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر خلال الأيام الماضية، بعد أن تضاعفت أسعارها، خاصة بالنسبة لكتب المرحلة الثانوية بعد أن تخلت وزارة التربية والتعليم في مصر عن طباعتها.
وساهم الأمر في وصول سعر الكتاب المجمع لمادة الرياضيات والذي يحتوي على ثلاثة أفرع إلى 800 جنيه، وكتاب اللغة العربية إلى 450 جنيهاً، ووجد أولياء الأمور أنفسهم مرغمين على الشراء مع انطلاق الدروس الخصوصية مبكراً قبل أكثر من 40 يوماً على بدء الدراسة بشكل فعلي في المدارس.
لماذا ترتفع أسعار الكتب الخارجية في مصر؟
اللجوء إلى الكتب المستعملة يعد بديلاً لدى الأسر التي لديها أكثر من طالب بمراحل التعليم المختلفة، وهو ما يتماشى مع وضعية فاطمة حسن، ولية أمر لثلاثة تلاميذ في مراحل التعليم المختلفة.
قالت فاطمة لـ"عربي بوست" إنها كانت بحاجة لميزانية لشراء الكتب الخارجية للفصل الدراسي الأول فقط تصل إلى 2000 جنيه لتلميذتين بالمرحلة الإعدادية، وثالثة بالمرحلة الثانوية، وسيكون عليها توفير ما يقرب من 5000 جنيه لشراء كتب العام الدراسي بأكمله، مع توقعات باستمرار ارتفاع الأسعار.
وأضافت المتحدثة أن ميزانية الكتاب الخارجي لم تكن ضمن حسابات الأسر المصرية في السابق، وكان من الممكن شراء كتب العام الدراسي بأكمله لأكثر من طالب بمبلغ لا يتجاوز 500 جنيه والآن تضاعف الرقم.
وأشارت ولية الأمر أن معلمي الدروس الخصوصية أصبحوا يلحّون على شراء الكتب الخارجية، لتكون بديلاً مناسباً للكتاب المدرسي الذي تقدمه الحكومة مجاناً للطلاب في المدارس الحكومية.
وحول أسباب ارتفاع أسعار الكتب الخارجية تقول فاطمة إن وجود عناوين جديدة لم تكن موجودة من قبل ساهم في زيادة الأسعار، لأنه في السابق كان هناك عنوانين أو ثلاثة على الأكثر، والآن هناك ما لا يقرب خمسة أو ستة عناوين.
"تحديداً في المرحلة الإعدادية لم يكن أحد يسمع عنهم من قبل دور نشر مختلفة وهناك زيادة واضحة في أسعارهم، وأن إقبال أولياء الأمور الذين يجدون أنفسهم مضطرين للشراء يساهم في ارتفاع الأسعار مع زيادة الطلب عليها"، تضيف المتحدثة.
وبخصوص مبادرة تبادل الكتب الخارجية بين أولياء الأمور، تقول فاطمة إنها لم تأتِ بنتائج، لم تأت بثمارها المرجوة؛ لأنه مع تعدد عناوين الكتب الموجودة في السوق أيضاً، تعددت مطالب المعلمين بشراء كتب بعينها، وفي الأغلب لا تتوافق رغبات أولياء الأمور.
ويكون البديل في تلك الحالة -حسب المتحدثة- إما سوق الكتب المستعملة أو اللجوء إلى تصوير الكتاب الخارجي بدلاً من شرائه، وإن كان ذلك لا يوفر كثيراً أيضاً مع ارتفاع أسعار الورق الأبيض المستخدم في عملية التصوير، وكذلك ارتفاع أسعار الأحبار.
مبادرات لتقليص الأزمة
وتتعدد المبادرات التي أطلقها أولياء أمور وجمعيات خيرية تعمل في مجال التعليم للتخفيف من حدة أزمة الكتب الخارجية التي تنشب سنوياً في مثل هذه الأيام مع بدء طرحها بالأسواق.
ومن بين ذلك مبادرة تحمل عنوان (سيب الكتاب القديم وخذ الكتاب الجديد بالمجان)، والتي شهدت تفاعلاً من بعض أبناء قرى محافظة المنيا، وتهدف إلى مساعدة الطلاب وتدوير الكتب الخارجية بالمجان، من خلال استلام الكتب من الطلاب بعد الانتهاء من العام الدراسي السابق ويأخذ الكتب الخارجية للمرحلة الدراسية القادمة الجديدة بالمجان.
مصدر مطلع بشعبة الأدوات المكتبية التابعة للغرفة التجارية بالقاهرة قال لـ"عربي بوست"، إن الكتب الخارجية ارتفعت أسعارها هذا العام بمعدل يتراوح ما بين 50 إلى 60% عن العام الماضي.
وأضاف المتحدث أن الأمر يرجع إلى زيادة سعر الورق المستورد من 12 ألف جنيه مع بداية العام 2022، ووصلت إلى 55 ألف جنيه بعد أن أوقفت الحكومة المصرية أوامر الاستيراد من الخارج.
ورغم تراجع أسعار الورق خلال الشهرين الماضيين ليصل إلى 30 ألف جنيه، غير أن شركات الطباعة قامت بشراء الأوراق وفقاً لأسعار مرتفعة مع استمرار أزمات شح الورق لأشهر طويلة.
ولفت إلى أن الزيادات تعود بالأساس إلى تراجع قيمة الجنيه وزيادة معدلات التضخم، والتي انعكست على كافة أنواع المواد الخام المستخدمة في الطباعة، مثل الأحبار وقطع غيار ماكينات الطباعة.
إلى جانب ارتفاع أسعار الخدمات المرتبطة بتجارة الكتب الخارجية مثل النسخ المجانية والتجريبية المقدمة إلى المعلمين والمهتمين بالعملية التعليمية التي تضاعفت تكلفتها بسبب ارتفاع الخامات إلى جانب ارتفاع تكلفة الدعاية وحقوق التأليف.
ويرى المتحدث أن الطلب على الكتب الخارجية تزايد هذا العام، وأن المطابع ضاعفت من احتياجاتها السنوية من الورق المستخدم فيها، والأمر يرجع لتزايد أعداد المعلمين ودور النشر الذين حصلوا على تراخيص خلال العام الماضي لتقديم الكتب الخارجية.
وأشار المصدر نفسه في تصريح لـ"عربي بوست" إلى أن دار نهضة مصر للطباعة والنشر وكذلك شركة سلاح التلميذ مسؤولتان عن غالبية الكتب الخارجية الموجودة في الأسواق حالياً.
أسعار الكتب الخارجية في البرلمان
وتقدم عدد من نواب البرلمان بمجلس النواب بأسئلة موجهة إلى وزير التربية والتعليم رضا حجازي، بشأن أسباب لجوء الطلاب وأولياء الأمور للكتب الخارجية وهجرة كتب الوزارة.
وقال النائب محمد زين الدين إن كتب الوزارة شهدت خلال الفترة الأخيرة إهمالاً كبيراً من جانب الطلاب، الأمر الذي تسبب في استغلال دور نشر هذه الكتب في زيادة أسعارها بشكل مبالغ فيه، حتى تجاوز سعر الكتاب الواحد نحو 700 جنيه في العام الحالي.
ووفقاً لتقديرات ذكرها النائب، فإن الحكومة تتكلف بطباعة الكتب المدرسية بقيمة مليار و550 مليون جنيه سنوياً، وهذه التكلفة قابلة للزيادة خلال العام الدراسي الجديد مع مطالبة المطابع بالزيادة، لاسيما في ظل ارتفاع تكاليف الطباعة وفي مقدمتها الأوراق، والتي يتم الاعتماد فيها على الاستيراد من الخارج بشكل كبير.
وتابع: إذا كانت كل هذه المخصصات المالية تذهب لطباعة الكتب المدرسية فلماذا يذهب الطلاب إلى الكتب الخارجية؟ هل أصبحت وزارة التربية والتعليم عاجزة عن طباعة كتب مدرسية تغني الطالب عن الكتب الخارجية من حيث المحتوى والشرح والتوضيح؟
وقال النائب البرلماني في سؤاله الذي اطلع عليه "عربي بوست" لماذا لا تستعين وزارة التربية والتعليم بخبراء الكتب الخارجية في تطوير مناهج الوزارة على النحو الذي يؤدي لاعتماد الطلاب عليها؟
للإجابة على تلك الأسئلة تحدث "عربي بوست" إلى مصدر مطلع بوزارة التربية والتعليم المصرية، رفض الكشف عن هويته لحساسية منصبه، وكشف عن أن الوزارة مسؤولة بشكل مباشر عن أزمة ارتفاع أسعار الكتب الخارجية.
وأضاف المتحدث أن الوزارة لم تضع معايير واضحة للتأليف يلتزم بها مركز تطوير المناهج الحكومي التابع لها ودور النشر الخاصة، ورغم أنها دشنت تعاوناً مع تلك الدور في تأليف بعض الكتب الدراسية بينها دار نهضة مصر.
وأشار المتحدث إلى أن وجود عدد من المسؤولين لديهم مصالح خفية مع دور النشر تسبب في أن تخرج الكتب المدرسية بشكل ممل وغير جاذب للطلاب في حين تتوفر كافة عوامل الجذب في الكتب الخارجية.
وقال المصدر إن وزير التربية والتعليم السابق طارق شوقي كان قد اتخذ قراراً بوقف منح التراخيص لدور النشر لطباعة الكتب الخارجية لمناهج منظومة الصفوف الأولى والتي بدأ تطبيقها في العام 2018، على طلاب مراحل رياض الأطفال والصفوف من الأول إلى الثالث الابتدائي.
وبالفعل حسب المتحدث، خلال العام الأول جرى الالتزام بقرار الوزير، لكن بعد أقل من عامين اختلف الوضع تماماً مع تدخل جهات حكومية طالبت الوزير بالسماح بتأليف الكتب الخارجية الجديدة لطلاب المرحلة الابتدائية دون أن يعرف أحد من له مصلحة في ذلك.
وكانت وزارة التربية والتعليم المصرية قد أقرت تطويراً لمنظومة الصفوف الأولى ترتب عليها إدخال تغييرات شاملة في مناهج المرحلة الابتدائية، ووصلت إلى الصف السادس الابتدائي مع بداية العام الدراسي الجديد.
هذا الأمر ترتب عليه تأليف كتب مدرسية جديدة تحظى بكثير من عوامل الجذب للطلاب، مع سماح الوزارة بتأليف كتاب خارجي فقط يخاطب المعلمين للاستفادة من بعض التدريبات التي يمكن إفادة الطلاب بها.
مصدر "عربي بوست" قال إن غياب الرقابة على أسعار الكتب الخارجية وعلى محتوى الكتب الموجودة في الأسواق يقود إلى حالة من الفوضى، إذ إن دور النشر عليها أن تحصل على تجديد لتراخيص التأليف بشكل سنوي، وفي بعض الأحيان لا تحظى بالمتابعة العلمية المطلوبة.
كما أن دور النشر الصاعدة حديثاً لا تولي اهتماماً بمسألة الحصول على ترخيص من عدمه؛ لأن العقوبة تصل فقط إلى 500 جنيه بالإضافة إلى مصادرة الكتب، لكنها في الأغلب تتمكن من بيع محتوياتها بأساليب ملتوية.
غرامة ضئيلة
ونصت تعديلات أقرها مجلس النواب المصري في سبتمبر/أيلول الماضي على قانون العقوبات بشأن طباعة المناهج التعليمية بدون الحصول على ترخيص بذلك من الجهة المختصة.
وجاء في العقوبة أنه "كل من طبع أو نشر أو باع أو عرض للبيع كتاباً أو مصنفاً يحتوي على كل أو بعض المناهج التعليمية المقررة في المدارس التي تديرها أو تشرف عليها وزارة التعليم أو إحدى هيئات الإدارة المحلية قبل الحصول على ترخيص بذلك من الجهة المختصة يعاقب بغرامة لا تجاوز 500 جنيه وبمصادرة الكتاب أو المصنف".
ويقول خبير تربوي إن سياسة وزارة التربية والتعليم تخدم الكتب الخارجية، لأنها توقفت عن طباعة كتب المرحلة الثانوية، دون أن تطور المناهج التعليمية ودون أن تدخل تعديلاً على طرق التعلم الحديثة بحيث يكون الطلاب قادرين على البحث والاستنتاج بشكل أكبر.
وأضاف المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست" أن إتاحة المناهج على التابلت المدرسي والذي لا يستخدمه أحد وليس له وجود داخل أروقة الفصول المدرسية يدفع الطلاب بشكل مباشر لاقتناء الكتب الخارجية.
وأشار المصدر نفسه إلى أن ميزانية طباعة الكتب المدرسية تراجعت إلى النصف تقريباً خلال العامين الماضيين بالرغم من تراجع قيمة الجنيه وزيادة معدلات التضخم بشكل غير مسبوق، إذ كانت تصل إلى ثلاثة مليارات جنيه.
وقال إن ذلك ضمن خطة لتوفير النفقات والاعتماد على الوسائل التكنولوجية الحديثة دون الاهتمام بالكتب الورقية، وهي سياسة تجد صعوبات عديدة في التطبيق على أرض الواقع مع سوء خدمات الإنترنت في كثير من القرى والنجوع.