حددت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) موعد "يوم الزحف" وفق تعبيرها، بشأن التدخل العسكري في النيجر، المحتمل، بهدف "استعادة النظام الديمقراطي" فيها، كخيار ثانٍ إذا فشلت الجهود الدبلوماسية، دون أن تكشف عن توقيت ذلك، ما يثير تساؤلات حول تداعيات هذا الأمر في حال حدوثه.
تناول موقع "عربي بوست" مع عدد من المحللين المختصين في الشأن الإفريقي، التداعيات المحتمَلة للتدخل العسكري في النيجر، والسيناريوهات المتوقعة في حال حدوث ذلك، على هامش ورشة عمل أقامعها منتدى الشرق، حول "الأزمة السياسية في منطقة الساحل الإفريقي وتداعياتها الإقليمية والدولية".
حرب طويلة
من جانبه، يرى الأكاديمي النيجري حبوبكر الحاج، في حديثه مع "عربي بوست"، أنه "في حال حدث تدخل عسكري في النيجر بالفعل، فإن الحرب ستكون طويلة، ومتسمة بالفوضى والبلبلة الكبرى دون نتيجة، ولن تُحسم بسرعة".
لكنه أوضح أن هناك عقبات أمام التدخل العسكري في النيجر للإيكواس، "أولاً، أن التحالف الإقليمي بين انقلابيي النيجر والدول المجاورة: مالي، وبوركينا فاسو، وغينيا، بالإضافة إلى موقف الجزائر الرافض للتدخل العسكري".
أما ثانياً، "التدخل الروسي المتوقع حدوثه في حال التدخل العسكري في النيجر من قبل إيكواس"، مضيفاً أن "القوة المساندة للانقلابيين من روسيا وحلفائها يمكن من خلالها تحقيق صد دفاعي، كعقبة أمام التدخل العسكري".
ورأى أن فرنسا وحلفاءها وراء هذه القرارات الصادرة من "إيكواس"، قائلاً: "في الحقيقة إن التلويح بالتدخل العسكري في النيجر من تدبير فرنسا عبر واسطة إيكواس؛ ومن مؤشرات ذلك ظهور رؤوس فرنسية في جلسات إيكواس، بالإضافة إلى تصريحات الرئيس الفرنسي ماكرون منذ وقع الانقلاب في النيجر".
وأكد أنه يمكن القول إن "أكثر الأزمات والمشاكل والانقلابات، هي من تأثيرات الاستعمار الفرنسي سواء القديم أو الحديث، وفرنسا لها يد مباشرة وغير مباشرة في هذه التحركات غير الآمنة".
وقال: "يمكن الإشارة إلى أنه حتى هذا الانقلاب الراهن في النيجر، فإن فرنسا قد يكون لها يد فيه، إلا أنه أتى بنتائج عكسية لسوء تفاهم ما، بالإضافة إلى أن التأييد من فئات من الشعب النيجري للانقلابيين، وتصريحاتهم المطالبة بطرد فرنسا وإنهاء الاتفاقيات معها أتى بشكل يعاكس مصالحها".
عن النفوذ الفرنسي في إفريقيا ككل، اعتبر حبوبكر أنه يتراجع، وأن باريس تعاند ولا ترضى بهذا الواقع وبخسارتها للنيجر، لا سيما أن الأخيرة مكان استراتيجي وغني بالمصادر المعدنية، ويتوسط دولاً شبيه بها، ولها نفوذ قوي".
وعند مقارنة النفوذ الفرنسي بالروسي، أوضح أن "فرنسا وحلفاءها أقوى نفوذاً في المنطقة، ولكنه عما قريب، بحسب ما ينبئ الحال والرغبات، فإن روسيا ستتغلب على كل قوى نافذة في غرب إفريقيا، خاصة إذا نجحت روسيا في التمركز والاستقرار في النيجر".
فرنسا تفضل التفاوض مع الانقلابيين
من جهته، خالف مدير المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية، شريف عبد الله، ما ذهب إليه حبوبكر، بشأن دعم فرنسا للتدخل العسكري في النيجر، معتبراً أنها تفضل التفاوض مع الانقلابيين هناك.
وقال لـ"عربي بوست": "لا أعتقد أن فرنسا سيكون لها دور في قرار التدخل العسكري في النيجر للإيكواس، وذلك لأنها تبحث عن صيغة تفاوضية مع الانقلابيين في النيجر، بحيث تضمن مصالحها ووجودها والاحتياج الأساسي لها، وهو اليورانيوم، وضمان ملفي مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية".
وأضاف: "أعتقد أن هناك صيغة تفاوضية براغماتية، يريد من خلالها الغرب وخصوصاً فرنسا وأمريكا أن تضمن مصالحها، لا سيما لاستمرارية وجودها في النيجر اقتصادياً أو كمركز أمني عملياتي".
لكنه أشار أيضاً إلى أن "فرنسا أمام تحدٍّ كبير الآن، فهي في طور الاضمحلال والبعد عن دورها الأساسي الذي كان في إفريقيا"، مؤكداً أنها "لن تستطيع أن تستمر في كونها منافساً قوياً، خصوصاً اقتصادياً أمام القوى مثل الصين وأمريكا وروسيا، التي لديها اقتصاديات أكبر من فرنسا، ولديها القدرة أكثر على التأثير في الوقت الحالي".
ولفت إلى أن الشعوب الإفريقية هناك "وعت أن هناك استغلالاً من فرنسا على مدار أكثر من 250 سنة لإفريقيا، حتى أن المرحلة التاريخية الحالية مهيأة لظهور قوة ثانية جديدة في إفريقيا، سيكون لها دور في العقود القادمة لتغيير خارطة المستعمرات السابقة في هذه المنطقة".
حول السيناريوهات المتوقعة للأزمة، رأى عبد الله أن "الانقلابيين بظني سينجحون في النيجر، كما حدث ويحدث في منطقة إفريقيا. والمجتمع الدولي كله يتعامل معهم".
وقال حبوبكر إن "المجتمع الدولي يعرف أن أي حرب تحدث الآن في المنطقة ستكون تداعياتها على مستوى الإرهاب، وعلى مستوى الهجرة غير الشرعية وتجارة المخدرات، وكل ذلك يمثل خطراً على جنوب أوروبا، ما سيفاقم الأمور بالنسبة له".
أما عن سيناريو الحرب، فقال إنه "إذا ما حصلت حرب، فلن يتم حسمها بسرعة، فالإيكواس نفسه منقسم على نفسه، فهناك 3 دول مساندة للانقلابيين في النيجر وهي بوركينا فاسو ومالي وغينيا، وحتى إفريقيا الوسطى وليبيا بحكم التواجد العسكري الروسي فيهما".
وهناك دول مثل نيجيريا التي تُعد الأقوى في هذه المنطقة، بالإضافة إلى حلفائها، وهي ترفض الانقلاب، وبالمناسبة فإن "الجيش النيجيري مدرب من القوات الخاصة الأمريكية، ولكن اللهجة النيجرية بالتدخل في النيجر بدأت تخفت"، وفق تقدير عبد الله.
وشدد على أن "الحرب لن تكون سريعة وليست سهلة، وستدخل المنطقة بفوضى عارمة".
لكنه أصرّ على استبعاد التدخل العسكري في النيجر من "إيكواس" رغم تصاعد لهجتها مؤخراًبالتهديد، مشيراً إلى تجربة 7 انقلابات سابقة خلال السنوات الماضية، تؤكد التدخل العسكري في النيجر لن يكون، بحسب رأيه.
وقال إن "العقبات أمام إيكواس، تتلخص بالتردد الحاصل، والضعف الاقتصادي الذي تعاني منه المنظمة، وأن معظم الدول المنضوية داخلها تعاني من مشاكل اقتصادية مشغولة بها، وليس لديها القدرة على تحمل ضريبة الحرب".
ولخص أنه بالنظر إلى الجانب الاقتصادي والعملياتي والخوف من الفوضى في إفريقيا، فإنه لا مصلحة للدول الأفريقية بأن يكون هناك تدخل عسكري في النيجر.
وتابع بأن "المنظمات في إفريقيا مثل إيكواس، ومنظمة العالم الإسلامي، وتجمع سين صاد (تجمع دول الساحل والصحراء في إفريقيا)، كلها منظمات ضعيفة على المستوى الإجرائي والتنفيذي والتفعيلي لبعض قراراتها، بالتالي من ينقلب ويصل إلى السلطة صعب جداً أن تُنزع منه إلا من خلال انقلاب آخر فقط".
وشدد على اعتقاده بأنه "التدخل العسكري في النيجر من إيكواس لن يكون، لعدة أسباب، أولاً لأن المجتمع الدولي لن يحتمل مشكلة جديدة وحرباً جديدة لن تعرف لها المنطقة حدوداً، لأننا نتكلم عن منطقة فيها كثافة سكانية تعاني من مشاكل اقتصادية، وتعاني من انقلابات في المنطقة، وتضارب مصالح، ومستوى معيشي للمواطن ضعيف جداً".
وسبق أن صدر تحذير أممي الأربعاء، 16 أغسطس/آب 2023، من أن تؤدّي الأزمة في النيجر إلى مفاقمة انعدام الأمن الغذائي في الدولة الفقيرة، كما أنها تُعدّ من بين أفقر دول العالم، وتحلّ بشكل دائم في مرتبة متأخّرة في مؤشّر التنمية البشرية التابع للأمم المتحدة.
وعن السيناريو الأقرب باعتقاده لما سيحصل في النيجر، قال: "أعتقد أن الانقلابيين سيستمرون بالحكم، وسيصلون إلى صيغة تفاوضية تضمن التواجد الفرنسي والأمريكي، ولكن ربما مع تقليص هذا الوجود عبر تفاهمات بين هذه الأطراف".
يشار إلى أنه في 26 يوليو/تموز 2023، نفذ عناصر من الحرس الرئاسي بالنيجر انقلاباً على الرئيس محمد بازوم، وأعلنوا تعليق العمل بالدستور وتشكيل مجلس وطني، وحكومة تضم مدنيين وعسكريين.
وسبق أن نجا بازوم من محاولتي انقلاب، قبل أن تتم الإطاحة به في خامس عملية استيلاء على الحكم من الجيش تشهدها النيجر.
لماذا التدخل العسكري في النيجر ؟
للإجابة عن لماذا تم توجيه تهديد بالتدخل العسكري في النيجر تحديداً على الرغم من وجود أنظمة عسكرية في دول إفريقية أخرى حالية قامت على انقلابات عسكرية مثل بوركينا فاسو ومالي وغينيا؟ قال الكاتب السياسي ورئيس الاتحاد العام للصحفيين السودانيين، الصادق الرزيقي، إن النيجر تعد من أكبر مصدري اليورانيوم في العالم.
وأضاف أن النيجر لها موقع استراتيجي في إفريقيا، فهي على خط الساحل الإفريقي، وكذلك لها مساحة كبيرة وهي في قلب الصراع النفطي بالقارة، خصوصاً أن موقعها مهم لنقل النفط والغاز من شمال إفريقيا إلى جنوبها.
وأشار كذلك إلى أن أكثر التدريبات العسكرية الدولية لمكافحة الإرهاب كانت في النيجر، وأن مجموعات مسلحة مختلفة كانت تتنقل من خلالها، إضافة إلى كونها مرتبطة أيضاً بالهجرة غير الشرعية إلى ليبيا والجزائر.
وكان مفوض الشؤون السياسية والسلم والأمن بالجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، عبد الفتاح موسى، أكد الجمعة، 18 أغسطس/آب 2023، أن القوة التابعة للمنظمة "مستعدة للتدخل" في النيجر بمجرد أن يصدر زعماء دول غرب إفريقيا الأمر بذلك.
وحدد قادة جيوش دول "إيكواس" تفاصيل التدخل العسكري في النيجر، المحتمل لإعادة بازوم إلى السلطة، لكنهم أكدوا مجدداً أنهم يفضلون سلوك طريق الحوار.