دفعت حالة الجمود التي تمر بها العلاقات بين المغرب على خلفية قضية الصحراء، 94 نائباً في البرلمان الفرنسي إلى مطالبة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون باتخاذ موقف واضح من هذه القضية.
وأشارت الرسالة التي صاغتها مجموعة الصداقة الفرنسية المغربية، إلى "تردد فرنسا بشأن قضية الصحراء، في ظل دعم كل من إسبانيا وألمانيا لمبادرة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب لإنهاء نزاع الصحراء".
هذا الموقف الجديد الذي تم التعبير عنه في رسالة مفتوحة وجهت للرئيس الفرنسي على خلفية تخبط السياسة الفرنسية في العديد من الدول الإفريقية، اعتبرته العديد من الأوساط المغربية مقدمة لخطوات أخرى، هدفها دفع الرئيس ماكرون إلى إعلان موقف أكثر وضوحاً من قضية الصحراء وتجاوز المنطقة الرمادية.
موقف تم التمهيد له منذ سنتين
لم يكن الموقف الذي عبر عنه 94 نائباً فرنسياً بشأن قضية الصحراء، مبادرة خاصة دون تنسيق مع الجانب المغربي، بل إن هذه الخطوة تم التمهيد لها منذ سنتين، بحسب محمد زيدوح، رئيس مجموعة الصداقة المغربية الفرنسية بمجلس المستشارين المغربي.
وقال محمد زيدوح إن "إن لجنة الصداقة الفرنسية المغربية في مجلس الشيوخ الفرنسي، التي يترأسها كريستيان كومبون، أعدت رسالتها بتنسيق مع مجموعة الصداقة المغربية الفرنسية في البرلمان المغربي".
وأضاف المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست": "نحن نشتغل من أجل تقوية العلاقات بين المغرب وفرنسا، لكن على فرنسا أن تغير موقفها من قضية الصحراء، التي تعتبر قضية إجماع وطني".
وتابع: "نريد أن تعرف فرنسا أن موقفها يجب أن يكون واضحاً، خاصةً أن ملف الصحراء شهد متغيرات كثيرة في السنوات الأخيرة، بعد اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، الشيء الذي جعل من غير المقبول بقاء فرنسا على الحياد".
ولم يستعبد زيدوح أن يقوم البرلمانيون الفرنسيون بخطوات أخرى في المستقبل القريب، من أجل دفع الرئيس الفرنسي إلى اتخاذ موقف داعم لسيادة المغرب على الصحراء، مبرزاً أن البرلمانيين المغاربة في تنسيق دائم مع نظرائهم الفرنسيين الداعمين للموقف المغربي.
وبينما تؤكد فرنسا أن موقفها بشأن الصحراء الغربية ثابت، وأنها تدعم التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم ويقبله الطرفان ويتماشى مع القرارات الصادرة عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
بإضافة إلى ذلك تعتبر فرنسا أن خطة الحكم الذاتي المغربية تمثل أساساً جدياً يتسم بمصداقية للمحادثات، ويرى المغرب أن هذا الموقف لم يعد كافياً بعد الاعتراف الأمريكي والإسباني والألماني والإسرائيلي.
ومنذ الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء في ديسمبر/كانون الأول 2020، اتخذ المغرب موقفاً أكثر تشدداً مع الدول الأوروبية بخصوص هذا الملف، ومارس ضغوطاً كبيرة على إسبانيا، التي اضطرت إلى إعلان دعم خطة الحكم الذاتي.
هذه الصرامة عبّر عنها الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب لسنة 2022، بقوله: "إن ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم والمعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات"
وأكد أنه "ينتظر من بعض الدول، من شركاء المغرب التقليديين والجدد، التي تتبنى مواقف غير واضحة بخصوص مغربية الصحراء، أن توضح مواقفها، وتراجع مضمونها بشكل لا يقبل التأويل".
هل يحل تحرك البرلمان الفرنسي الأزمة؟
تاريخياً، تعتبر فرنسا هي المستفيد الأول من الاستثمارات في المغرب، كما تهيمن اللغة الفرنسية على الاقتصاد والإدارة، إلا أن عدم تغيير موقفها من قضية الصحراء دفع العديد من الأوساط السياسية والمجتمعية إلى مراجعة هذه العلاقات معها، كما تراجعت زيارات المسؤولين الفرنسيين للمغرب عكس ما كان عليه الأمر في عهد الحكومات السابقة.
من هنا، يبدو أن الرسالة التي وجهها 94 نائباً فرنسياً إلى الرئيس إيمانويل ماكرون تهدف إلى استعادة بريق العلاقات بين البلدين.
في هذا الصدد، يرى نبيل الأندلوسي، المختص في العلاقات الدولية ورئيس المركز المغاربي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية، ونائب سابق لرئيس لجنة الخارجية بمجلس المستشارين المغربي، أن "هذا التحرك البرلماني الفرنسي سيحرك المياه الراكدة بين المغرب وفرنسا".
واعتبر الأندلوسي أن هذه المبادرة مهمة لإنهاء الأزمة الصامتة بين الرباط وباريس، كما أنها دعوة صريحة للرئيس ماكرون لتغيير سياسته تجاه المغرب وتجاه إفريقيا، بعدما أكدت الأحداث تراجع النفوذ الفرنسي بالقارة السمراء وخسارة عدد من الحلفاء التقليديين، وعلى رأسهم المغرب.
وفي قراءته لدلالات هذه الرسالة، قال الخبير المغربي في تصريح لـ"عربي بوست"، إن هذه الرسالة وقعها برلمانيون من انتماءات سياسية مختلفة، وهذا في حد ذاته يحمل عدة دلالات أبرزها:
- ضغط البرلمان الفرنسي يدل على رفض جزء مهم من النخبة السياسية الفرنسية، بتوجهاتها المختلفة، مواقف قصر الإليزيه بشأن مغربية الصحراء الغربية، وسيادة المملكة المغربية على كامل ترابها الوطني، والمتسم إلى حدود الآن بالغموض والتردد.
وفي تفسيره للتردد الفرنسي بشأن قضية الصحراء، اعتبر الأندلوسي، أن فرنسا استحلت منذ سنوات، سياسة الغموض واللعب على الحبلين فيما يتعلق بملف السيادة المغربية على الصحراء.
وأضاف: "إلى تاريخ قريب كانت هذه السياسة مجدية وفعالة بالنسبة للجانب الفرنسي، وقوّت فرنسا من خلاله دورها بالمنطقة عبر استثمار هذا الموقف سواء في علاقتها بالمغرب أو الجزائر، فاللاموقف كان يخدم قصر الإليزيه بشكل فعال".
وأشار المتحدث إلى أن الموقف المغربي، وإعلان الملك محمد السادس أن وضوح الموقف من السيادة المغربية على الصحراء هو المنظار والأساس الذي يقيم به المغرب علاقاته الدبلوماسية وشركاته الاقتصادية، قلبا كل الموازين وأسسا لمقاربة جديدة للموضوع، تستدعي من الجانب الفرنسي الوضوح
أوراق المغرب للضغط على فرنسا
تؤكد فرنسا أن موقفها من قضية الصحراء لم يتغير، وأنها دعمت مخطط الحكم الذاتي وحدها في مجلس الأمن.
هذا ما عبرت عنه وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا، في زيارتها في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، لكن هذا الموقف لم يعد يرضي المغرب، الذي يتطلع إلى موقف أكثر تقدماً.
في هذا الصدد، يرى نبيل الأندلوسي، أن التحول الدولي بشأن هذا الموضوع واعتراف دول وازنة بمغربية الصحراء، والمصالح الاقتصادية لفرنسا بالمغرب، فضلاً عن الفرص التي يوفرها هذا الأخير للشركات الفرنسية، التي تشرف على إنجاز مشاريع كبرى، والشراكة العسكرية والتعاون الثقافي واللغوي كلها أوراق تخدم مصلحة المغرب.
وتعد فرنسا ثاني أكبر شريك تجاري للمغرب، بعد إسبانيا، كما أن المغرب الوجهة الأولى للاستثمارات الفرنسية في إفريقيا، كما تدير العديد من المشاريع الكبرى، أبرزها مشروع القطار فائق السرعة الرابط بين طنجة والدار البيضاء.
وتسعى فرنسا للاستحواذ على صفقات مماثلة لهذا المشروع، إلا أن توتر العلاقات بين الجانبين قد يصب في مصلحة شركات صينية أو أمريكية.
من جهة أخرى، يرى نبيل الأندلوسي أن اقتناع جزء من النخبة الفرنسية بمصداقية وجدية الطرح المغربي، كلها أوراق تصب في مصلحة المغرب، ويمكن أن تدفع قصر الإليزيه لتبني موقف واضح وداعم للسيادة المغربية على الصحراء