تشهد الحركة المدنية الديمقراطية، التي تمثل المعارضة المدنية في مصر، نقاشات عديدة للتوافق حول رؤية موحدة بشأن انتخابات الرئاسة المقبلة، في ظل اختلاف وجهات النظر حول هوية من تدعمهم للترشح وكذلك الموقف العام من المشاركة في الانتخابات أو مقاطعتها.
وعلم "عربي بوست" من مصادر تحدثت إليه من أعضاء الحركة، أنهم سيؤجلون موقفها النهائي إلى حين التعرف على مخرجات الحوار الوطني وقياس مدى استجابة الحكومة للإفراج عن دفعات جديدة من سجناء الرأي.
وتواجه الحركة المدنية، التي ينضوي تحتها 12 حزباً وعدد من الشخصيات العامة، هجوماً مضاداً من وسائل إعلام حكومية وكذلك مواطنين عاديين؛ اعتراضاً على صور نشرتها رئيسة حزب الدستور جميلة إسماعيل، لاجتماع عقده قيادات بالحركة بأحد المنتجعات السياحية بالساحل الشمالي.
وخلال هذا الاجتماع تم الإعلان عن إمكانية تشكيل فريق رئاسي للمشاركة في الانتخابات، وهو ما ضاعف الأحداث سخونة، في ظل اعتراضات من شخصيات بارزة بالحركة على إجراء الاجتماع والخروج بصورة أظهرت المعارضة منفصلة عن مشكلات اقتصادية يعانيها المواطنون.
صورة مزيفة عن الأوضاع داخل الحركة
وكشف مصدر مطلع بالحركة المدنية، شريطة عدم ذكر اسمه، أن اجتماع الساحل جرى بالتشاور مع جميع قادة أحزاب الحركة المدنية، وأنه استهدف إرسال صورة عامة، مفادها أن الأوضاع داخلها على ما يرام، وأنه لا وجود لخلافات عميقة، مع إعلان شخصيات عديدة داخلها نيتها الترشح لانتخابات الرئاسة.
وأضاف المتحدث أن الانتقادات الموجهة للحركة لن تثنيهم عن استكمال مسار تشكيل فريق رئاسي يقوده شخصية يتم التوافق عليها لخوض الانتخابات، إذا استجابت الحكومة للضمانات التي أعلنتها الحركة قبل عدة أشهر.
وأعلن رئيس تيار الكرامة سابقاً، أحمد الطنطاوي، ورئيس حزب المحافظين أكمل قرطام، ورئيسة حزب الدستور جميلة إسماعيل، نيتهم الترشح لانتخابات الرئاسة.
كما أن الحزب المصري الديمقراطي لمح مؤخراً إلى إمكانية ترشيح رئيسه فريد زهران للانتخابات ذاتها، ويفكر عدد من الشخصيات العامة، وقادة الأحزاب في اتخاذ القرار ذاته أو دعم مرشحين آخرين من الحركة أو خارجها.
وطرحت الحركة حزمة من الضوابط والمعايير، تضمنت 14 ضماناً لإجراء أوسع نقاش حولها بين جميع فئات الشعب وممثليهم السياسيين ومؤسسات الدولة المعنية، وتضمنت حرية وسائل الإعلام بمختلف أنواعها.
أيضاً تضمنت إتاحة فرص متكافئة لجميع المترشحين، وحياد مؤسسات الدولة ووقوفها على مسافة واحدة من كافة المرشحين طوال العملية الانتخابات، وضمان سلامة المرشحين ومساعديهم ومندوبيهم والناخبين، والتزام المرشحين باحترام المدد الرئاسية التي ينص عليها الدستور وهي مدتان متتاليتان فقط.
وأضاف المصدر ذاته، أن المقترح بتشكيل فريق رئاسي يعد إحدى أبرز السبل التي يمكن من خلالها التغلب على مشكلة تعدد المرشحين من داخل الحركة المدنية.
وأشار إلى أن الوصول إلى برنامج موحد أعلنت عنه الحركة في مجالات سياسية واقتصادية واجتماعية وتقديمه للحوار الوطني يمكن البناء عليه لصياغة برنامج موحد لخوض انتخابات الرئاسة.
وقال مصدر "عربي بوست" إن الاجتماع الذي جاء بدعوة من رئيس حزب المحافظين أكمل قرطام، في منطقة الساحل الشمالي، هدفه الاستماع إلى آراء مختلفة بشأن كيفية تشكيل الفريق وقيادته.
وبخصوص التفاهمات يقول المصدر نفسه إنه من المقرر أن تتم خلال الأسابيع المقبلة، للاتفاق على شخصية من الممكن أن تقود الفريق، ويعد ذلك أمراً محورياً في الاستمرار نحو اتخاذ خطوات أبعد من ذلك أو إغلاق الباب أمام التطرق مرة أخرى إلى الفكرة من الأساس.
أما حضور رئيس حزب تيار الكرامة السابق أحمد الطنطاوي للاجتماع، فقال مصدر "عربي بوست" إن الهدف منه استطلاع رأيه في الفكرة، وإن الأحزاب من المتوقع أن تشهد أروقتها نقاشات عديدة بشأن تكوين الفريق من عدمه.
تباين حول الترشح لمنصب الرئيس
وكان مقرراً أن تعقد الحركة المدنية اجتماعاً السبت الماضي، ضمن أجندته التطرق إلى مسألة انتخابات الرئاسة، التي لم يتم تحديد موعدها بعد، ومن المتوقع أن تُجرى بداية العام المقبل، غير أن بعض الأحزاب طلبت إفساح المجال أمام إجراء مشاورات داخلية قبل انعقاده، ما تسبب في إرجاء الاجتماع إلى الخميس القادم.
وبحسب مصدر تحدث لـ"عربي بوست" داخل الحركة المدنية، فإن هناك مساحات كبيرة من الخلاف بين أحزاب الحركة بشأن ملف انتخابات الرئاسة، وإن هناك تياراً يرى ضرورة الإعداد المبكر للانتخابات والتوافق حول مرشح بعينه ودعمه بشكل كامل.
أما التيار الآخر، حسب المتحدث، فيرى أن المعارضة ليست لديها فرصة للحصول على أصوات تؤهلها للوصول إلى المنصب الرئاسي، والأفضل التركيز على قضايا الحريات العامة وتوفير الضمانات التي تساعد على حرية عملها السياسي في الداخل.
ويضيف المصدر أن تلك التباينات دفعت نحو إرجاء الحديث عن موضوع الانتخابات في اجتماعات سابقة عديدة وارجائها إلى حين التعرف على مدى إمكانية المشاركة فيها وفقاً للأجواء السياسية المتاحة، أم أنه من الأفضل الاتجاه نحو المقاطعة.
وأشار مصدر "عربي بوست" إلى أن إعلان أحمد الطنطاوي نيته الترشح للانتخابات دون التوافق مع الحركة أحدث شرخاً داخلها، وبدا كأنه فرض نفسه لدعمه من المعارضة، وكان ذلك سبباً في إعلان آخرين عن إمكانية ترشحهم أيضاً.
وكانت الأشهر الماضية شاهدة على كثير من المقترحات بشأن الموقف النهائي من الانتخابات، وفقاً للمصدر ذاته، الذي شدد على أن أقطاباً داخل الحركة فتحت نقاشات مع شخصيات سياسية من خارجها للتعرف على إمكانية دعمه.
غير أن تلك الاتصالات، حسب مصدر "عربي بوست"، توقفت أخيراً مع إعلان بعض هذه الشخصيات عدم رغبتها في الترشح، إلى جانب عدم التوافق داخل الحركة على دعم أسماء أخرى.
يلفت المصدر ذاته إلى أن الأحزاب داخل الحركة المدنية مقتنعة بأنه من حق أي شخص أن يقدم نفسه مرشحاً للانتخابات، طالما يرى في نفسه الجدارة التي تؤهله للمنصب، وأنه في حال لم يتم التوافق على مرشح بعينه لدعمه بشكل كلي من الحركة، فإن ذلك يجب أن لا يكون سبباً في أن تدب الخلافات داخلها، وأن المهم أن تحافظ الحركة على تماسكها بما يدعم قوتها السياسية.
ويعتبر القيادي ذاته أن المحددات التي وضعتها الحركة في السابق بشأن المشاركة في الانتخابات أو اتخاذ قرار المقاطعة يجب أن تكون الفيصل في أي قرار داخلي، وطالما حصل توافق عليها من الأحزاب فإن من السهل التوافق حول اتخاذ قرار إما أن يقضي بتشكيل فريق رئاسي على رأسه أحد المرشحين، وإما السماح للأحزاب بأن تشارك في الانتخابات بشكل فردي دون دعم الحركة المدنية، أو اتخاذ قرار المقاطعة.
ووجّه رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، فريد زهران، انتقادات عديدة لوسائل إعلام محسوبة على الحكومة، هاجمت ظهور قيادات الحركة بملابس صيفية أثناء اجتماع الساحل.
وكانت رئيسة حزب الدستور قد أعلنت عبر فيسبوك، الجمعة، عن اجتماع انعقد في الساحل الشمالي، بدعوة من رئيس حزب المحافظين، أكمل قرطام؛ لمناقشة مبادرة تكوين فريق رئاسي من المرشحين المحتملين في الأحزاب المدنية للانتخابات الرئاسية المقبلة.
وحضر الاجتماع المرشح المحتمل أحمد الطنطاوي، ورئيس حزب التحالف الشعبي، مدحت الزاهد، والمنسق السابق للجمعية الوطنية للتغيير، عبد الجليل مصطفى، والباحث السياسي، عمار علي حسن، والمتحدث السابق باسم الحركة المدنية، يحيى حسين عبد الهادي.
تكرار الأخطاء
ولدى قيادي آخر من داخل الحركة المدنية الديمقراطية، تحدث لـ"عربي بوست"، قناعة بأن مسألة تشكيل فريق رئاسي بحاجة إلى نقاشات أوسع داخل الحركة، بغرض الاستقرار على مرشح واحد.
وأضاف المتحدث أن المعارضة لن تقدم بدائل غير قانونية وليس منصوصاً عليها في الدستور، ومن المتوقع أن يتكون الفريق من رئيس ونائب رئيس وعدد من المستشارين في مجالات مختلفة.
وكشف القيادي أن اجتماع الخميس سيتطرق إلى ملف انتخابات الرئاسة والاستماع إلى الآراء شبه النهائية للأحزاب بشأن المقترح، ومناقشة العرض الذي تقدم به أكمل قرطام بأن يقود فريقاً رئاسياً بصحبة عدد من رؤساء الأحزاب والنائب السابق أحمد الطنطاوي.
كما أن الاجتماع سيتطرق أيضاً إلى تقييم تجربة المشاركة في الحوار الوطني، وكذلك التعرف على أساليب الضغط على السلطة المصرية بشأن الإفراج عن مزيد من الدفعات من المحبوسين السياسيين بعد وعود تلقاها عدد من رؤساء الأحزاب بإحداث طفرة في هذا الملف خلال الأيام المقبلة.
وتقيّم الحركة المدنية ما توصل إليه الحوار الوطني من توصيات صدرت عن جلساته التي انطلقت قبل 100 يوم تقريباً، وذلك في ثلاثة محاور رئيسية سياسية واقتصادية واجتماعية، وذلك بانعقاد نحو 60 جلسة نقاشية علنية، انطلقت أولاها في 15 مايو/أيار الماضي.
وتنتظر الحركة إحداث تغييرات في قوانين انتخابات البرلمان وإجراء انتخابات المجالس المحلية، وتعديل قانون الحبس الاحتياطي، والقوانين المقيدة للحريات وتحمل تهم الإرهاب.
حالة من الضبابية
وعلى مدى خمسة أسابيع من جلسات المحور السياسي، كرر ممثلو المعارضة مطلب الإفراج عن جميع المحبوسين في قضايا الرأي، والعفو عن عدد من السياسيين.
وخلال الجلسة الأولى ساد خلاف في شأن نظام انتخابات البرلمان، إذ أيد معظم ممثلي المعارضة اعتماد نظام القائمة النسبية على خلاف مؤيدي نظام القائمة المطلقة المغلقة.
وبحسب مصدر مسؤول، فإن حديث المعارضة عن الانتخابات دون أن تتضح معالمها أو يتحدد موعدها حتى الآن يعد بمثابة تخلٍّ عن واجباتها الرئيسية تجاه قطاعات شعبية تعول عليها للضغط على الحكومة المصرية نحو تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الراهنة.
وأضاف المتحدث أن الحركة المدنية خسرت تعاطفاً شعبياً خلال الأيام الماضية، بعد أن ظهرت كطرف يخطط للوصول إلى السلطة دون أن يمهد الطريق أولاً نحوها.
وأضاف المصدر لـ"عربي بوست"، أن المعارضة تعيد تكرار الأخطاء التي وقعت فيها خلال الاقتراحات السابقة التي شاركت فيها، وتتجه نحو عدم اتخاذ موقف واحد سواء من خلال المشاركة أو المقاطعة.
وأشار المتحدث إلى أن تعدد الشخصيات الساعية للترشح من المتوقع أن يفضي في النهاية إلى ترشح بعضها بشكل فعلي وانسحاب آخرين مع إتاحة الحرية لكل حزب من أجل تحديد موقفه، وفي تلك الحالة فإن الحديث عن المقاطعة لن يحقق أهدافه السياسية، وسوف تسير الانتخابات في طريق لا يخدم المعارضة.
ولفت إلى أن الحركة المدنية لا تملك القدرة على توجيه الدفة الشعبية نحو أهدافها، وفي حال اتخذت قراراً بالمشاركة فإن ذلك لا يؤثر على النتيجة النهائية للانتخابات وستكون أقرب للمشاركة الشرفية، وفي حال الانسحاب فإن ذلك لن تكون له نتائج تُذكر على المستوى السياسي ولن يشكل ضغطاً حقيقياً على الحكومة.
وذكر أن حالة الضبابية التي تهيمن على مواقف الحركة المدنية تهدد بانقسام، على المدى القريب، لأن ذلك يبرهن على وجود خلافات عميقة في الداخل، وأن رغبة بعض القيادات داخلها في أن تظهر في صدارة المشهد دون أن يؤدي ذلك إلى مكاسب حقيقية للمعارضة والفئات الشعبية التي تدعمها ستكون بمثابة سوس ينخر في جسدها.
“لماذا المصادر مجهولة في هذه القصة؟
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر والتي تأكدنا من مصداقيتها، لكننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى.
نحن ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، لكن لدينا قواعد وإجراءات لمعالجة هذه المخاوف، منها أنه يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر، ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة. نحن نتفهم حذر القراء، لكن يجب تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية، وسلامتها.”