يتعرض أحد أكثر أشكال التعاون العلمي إنتاجية في القرن الحادي والعشرين للانهيار، وذلك بعد تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، بحسب ما رصدته صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية، الأربعاء 16 أغسطس/آب 2023.
وهذا الانفصال الذي بدأ في السنوات الأخيرة، يتسارع مع تصاعد التوترات بين القوتين العظميين، والآن يسعى بعض المشرعين الأمريكيين لإنهاء اتفاق تاريخي للتعاون بين البلدين في مجال العلوم والتكنولوجيا، وُقع عام 1979 ويتجدد تلقائياً من حينها.
وبَنت الصين لنفسها مكانة قوية في البحث العلمي خلال العقود الأخيرة، بمساعدة أمريكية جزئياً، ويخشى كثيرون في واشنطن أن تكتسب الصين ميزة أمنية وعسكرية ما لم تتخذ الولايات المتحدة خطوات حاسمة لقطع التعاون في البحث العلمي.
ورغم أن الولايات المتحدة لا تزال القوة العلمية الأبرز في العالم، أصبح البحث العلمي غير مقيد بالحدود في عصر العولمة، تماماً مثل التجارة. وأكثر من 40% من الإنتاج العلمي الأمريكي، الذي يُقاس بعدد الأبحاث عالية الجودة التي ينتجها العلماء المقيمون في الولايات المتحدة، ينطوي على تعاون مع باحثين من الخارج، وفقاً لشركة Clarivate، وهي شركة بياناتٍ مقرها لندن تتعقب البحث العلمي العالمي.
والصين والولايات المتحدة هما الشريك الأول لبعضهما في إنتاج البحث العلمي، والأبحاث التعاونية بينهما من أكثر الأبحاث التي يُستشهد بها باستمرار في المجالات المختلفة، وفقاً لتحليل أجرته كارولين فاغنر، أستاذة السياسة العامة بجامعة ولاية أوهايو.
من الخاسر؟
وقالت ديبورا سيليكسون، الأستاذة المساعدة في العلوم السياسية بجامعة فيلانوفا والمستشارة السابقة في مجال البيئة والعلوم والتكنولوجيا والصحة بسفارة الولايات المتحدة في بكين: "أظن أن المسؤولين التنفيذيين في الولايات المتحدة لا يدركون من المستفيد من التعاون مع الصين".
وتعتمد الولايات المتحدة على الصين بدرجة أكبر من اعتماد الصين عليها في بعض المجالات الاستراتيجية، فوفقاً لتحليل أجرته Clarivate لدراسات في مجلات مرموقة واطلعت عليه صحيفة وول ستريت جورنال حصراً، بين عامي 2017 و2021، كان التعاون بين الولايات المتحدة والصين يمثل 27% من الأبحاث عالية الجودة للعلماء المقيمين بالولايات المتحدة في علم النانو، و13% فقط للعلماء المقيمين بالصين. والفجوة في أبحاث الاتصالات أكثر اتساعاً، حيث شكّل التعاون 10% من إنتاج الصين، لكنه شكَّل أكثر من 33% من الإنتاج الأمريكي.
وتحدث أكثر من عشرة علماء أمريكيين أجرت معهم صحيفة The Wall street Journal مقابلات، عن التعاون المثمر مع المختبرات الصينية وكيف أنها توفر مجموعة من الموارد المفيدة، من ضمنها فرق كبيرة من طلاب الدراسات العليا، ومجموعات بيانات ضخمة وفريدة ومعدات متطورة. وقالوا إن العلماء الصينيين باتوا يتوصلون إلى بعض أكثر الأفكار والأساليب إبداعاً في حل المشكلات العلمية.
وقد تعاون تيان شيا، أستاذ الطب بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، مع العلماء الصينيين في عشرات الأبحاث عن الكيفية التي قد تلحق بها الجسيمات النانوية المجهرية الضرر بجسم الإنسان. وقال إنه في مجال يتطلب اختبار أعداد كبيرة من الجسيمات، يفيد العلماء الصينيون من امتلاك مختبرات كبيرة وممولة بسخاء، إضافة إلى الأفكار الجديدة.
وكان من ضمن الأبحاث المشتركة طلاء مضاد للبكتيريا يشيع استخدامه على الألعاب وأدوات الزينة وأواني الطبخ، اكتشف هو وباحثون آخرون أنه قد يسبب تشوهات خلقية. ووجد الباحثون أيضاً أن الجسيمات المستخدمة في عقاقير السرطان ضارة في حد ذاتها، وهذا أدى في النهاية إلى التوقف عن استخدامها تدريجياً.
ومعظم هذه الأبحاث توقفت، وانفصل شيا عن زملائه المقيمين في الصين منذ أن بدأت الولايات المتحدة في التحقيق مع العلماء الذين تربطهم علاقات بالصين قبل خمس سنوات. وفي الأثناء، تسعى الصين إلى دخول مجالات جديدة في علم السموم النانوية من خلال الأبحاث التي لا تعتمد على الشراكات الأجنبية بدرجة كبيرة.