حين كانت كارين كينسل، وزيرة خارجية النمسا في عام 2018، أثارت الدهشة بين المتابعين لدعوتها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى حفل زفافها، ثم زادتهم حيرة لما راحت ترقص معه، وانحنت تقديراً لمهارته في الرقص، ثم قبلت هدية الزواج منه، وكانت عبارة عن قرطين من الياقوت بلغت قيمتهما نحو 55 ألف دولار أمريكي.
لكنّ ولع وزيرة خارجية النمسا السابقة كارين بروسيا يبدو أنه قد جعل الإعجاب يتحول إلى ما هو أبعد من ذلك، فالسيدة التي تبلغ من العمر 58 عاماً، والتي تركت منصبها في عام 2019، ظهرت الأسبوع الماضي بقرية صغيرة في قلب الريف الروسي، وادعت أنها أُجبرت على الانتقال إلى روسيا بسبب آرائها المؤيدة للكرملين، وفق تقرير لصحيفة The Times البريطانية نُشر الأحد 13 أغسطس/آب 2023.
إقامة وزيرة خارجية النمسا السابقة
المنزل الجديد للوزيرة السابقة يقع في بتروشوفو، على بعد 320 كيلومتراً جنوب شرقي موسكو، ويختلف بشدة عن القصر الكبير الذي يعود إلى حقبة آل هابسبورغ بمنطقة مينوريتنبلاتز في فيينا والتي كان لها نفوذ كبير في أروقته ذات يوم.
لكن يبدو أن وزيرة خارجية النمسا السابقة أنِست بموطنها الجديد، فقد ظهرت في مقطع فيديو على موقع إخباري روسي للحديث عن معرض صيفي، وأخذت تخبر السكان المحليين المرتبكين بصوت متردد ولكْنة روسية ثقيلة، بأنها "مرتاحة هناك"، و"عندما أنظر إلى الدجاج والبط والماعز في الشارع، أحس بأن هذا العالم مألوف لي أيضاً، لأنني كنت أعيش في قرية صغيرة بالنمسا".
لما سُئلت عما إذا كان انتقالها إلى بتروشوفو، التي يقطنها بضع عشرات من الأشخاص، انتقالاً طويل الأمد، قالت: "لقد حجزت هنا شهراً آخر، ثم سنرى ما سيحدث". ويقال إنها تقضي وقتها في القرية في تأليف كتاب عن الوضع السياسي الحالي بأوروبا.
حسب الصحيفة البريطانية، ربما تنوي كارين أن تقيم إقامة دائمة في روسيا، فقد قالت في يونيو/حزيران أثناء حضورها المنتدى الاقتصادي الدولي في سانت بطرسبرغ، إنها "تفكر بجديةٍ في الانتقال إلى روسيا"، وقد تترأس مؤسسة فكرية جديدة مقرها في المدينة اسمها "مركز غوركي"، اختصاراً لـ"المرصد الجيوسياسي للقضايا الرئيسية في روسيا". وادعت أنها رأت بوتين آخر مرة في عام 2019.
مواقفها المنتقدة للاتحاد الأوروبي
تعتبر وزيرة خارجية النمسا السابقة أكاديمية وصحفية سابقة متخصصة بالقانون الدولي وشؤون الشرق الأوسط وسوق الطاقة، وقد اشتهرت في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين بهجماتها على الاتحاد الأوروبي وسياسة الهجرة الليبرالية، ما أكسبها التأييد في أوساط "حزب الحرية" اليميني المتشدد.
فيما انضم الحزب إلى الائتلاف الحكومي في عام 2017 بقيادة سيباستيان كورتس، من "حزب الشعب" النمساوي المحافظ، ورُشحت كارين لتولي منصب وزيرة الخارجية. لكن الائتلاف انهار في عام 2019 بعد تورط حزب الحرية في فضيحة مالية مرتبطة بروسيا، ورجع الحزب إلى صفوف المعارضة.
خلال فترة ولاية كارين في الحكومة، أقام حزب الحرية علاقات جيدة مع الكرملين، وأشادت به الرئاسة الروسية لأنه -حسب وصفها- حصن ضد الليبرالية الأوروبية الغربية، وأرسل الحزب بعض أعضائه في رحلة رسمية إلى شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا من أوكرانيا في عام 2014، رغم أن الاتحاد الأوروبي رفض الإقرار بهذه الخطوة.
تقول وزيرة خارجية النمسا السابقة على موقعها الإلكتروني، إنها غادرت وطنها قسرياً في سبتمبر/أيلول 2020، بسبب "التهديدات المتواصلة بالقتل" و"الحظر الفعلي المفروض على عملها في النمسا"، واستقرت بمزرعة صغيرة في فرنسا "لتبدأ بداية جديدة مع حيواناتها" . لكن "التحريض الإعلامي من النمسا" وصل إليها هناك أيضاً، فقررت في يونيو/حزيران 2022، أن تنتقل إلى لبنان.
في غضون ذلك، زاد ارتباط وزيرة خارجية النمسا السابقة بروسيا، وكتبت مقالات لوكالة "روسيا اليوم" الحكومية، ثم انضمت في عام 2021 إلى مجلس إدارة شركة الغاز الحكومية الروسية "روسنفت"، لكنها استقالت من المنصب في مايو/أيار 2022، بعد 3 أشهر من الغزو الروسي لأوكرانيا.
النمسا محايدة رسمياً، لكن لا يزال التعاطف مع روسيا قوياً بين كثير من النمساويين العاديين، خاصةً مؤيدي حزب الحرية. وقد استعاد الحزب عافيته، وصار أكثر الأحزاب شعبية بحصوله على ثلث الأصوات في الانتخابات الأخيرة، وترجع معظم أسباب ذلك إلى غضب النمساويين من سوء تعامل الحكومة مع التضخم وأزمة غلاء المعيشة.
لم يدعم الحزب الغزوَ الروسي، لكنه انتقد رد الفعل الغربي ووصف أوكرانيا بأنها دولة فاسدة. وحين ألقى رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي، كلمة أمام البرلمان في مارس/آذار، انسحب أكثر من 20 نائباً من حزب الحرية؛ احتجاجاً على ما زعموا أنه انتهاك لحياد بلادهم.