قرّر رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، تكريم المحافظين الذين أحالهم إلى التقاعد، في مقر الرئاسة بمدينة رام الله، خلال الأيام المقبلة، وفق ما أفادت به وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، في حين أكدت مصادر لـ"عربي بوست"، أن سبب ذلك يعود إلى الضجة التي أثارتها طريقة إقالتهم، إذ إن القرار كان مفاجئاً، ولم يُبلغوا به، بل إنهم عرفوه من خلال الإعلام المحلي الذي كان عنوانه الرئيسي "عباس يقيل المحافظين".
أشارت مصادر "عربي بوست" إلى أن المحافظين كانوا غاضبين من طريقة معرفتهم بالقرار المفاجئ، لا سيما أن هذا الأمر غير معهود بهذه الطريقة، وأن هناك ضغوطاً مورست من أجل تصحيح طريقة إحالتهم إلى التقاعد، فكانت فكرة تكريمهم من رئيس السلطة.
بحسب وكالة "وفا"، فإن عباس "سيكرم المحافظين لمناسبة انتهاء مهامهم، وذلك تقديراً لمسيرتهم النضالية خلال فترة عملهم المتواصل في خدمة أبناء شعبنا، وأهداف وثوابت المشروع الوطني الفلسطيني، وحماية القرار الوطني المستقل على طريق تجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس الشرقية".
وفقا للمصادر، سيكون التكريم بعد أيام قليلة، و"قد يكون سبب ذلك مشاركة الرئيس عباس في القمة المصرية الأردنية الفلسطينية المشتركة يوم الأحد في القاهرة".
تغييرات قادمة
أفادت مصادر أخرى من السلطة الفلسطينية لـ"عربي بوست"، بأن عباس ينوي كذلك مجموعة أخرى من التغييرات "ستشمل دبلوماسيين ووزراء"، وأن القرار ليس متوقفاً فقط على المحافظين، بل سيكون أكبر من ذلك.
عن سبب ذلك، أشارت إلى أنه كانت هناك توصية قبل سنتين تقريباً في يونيو/حزيران 2021، في اجتماع المجلس الثوري لحركة فتح، بتغيير محافظين وسفراء وبإجراء تعديل وزاري، لا سيما ممن تجاوزوا السبعين عاما.
وأوضحت أن رئيس الوزراء الفلسطيني محمود اشتية، هو وراء التعجيل بهذه الإجراءات، إذ إنه يريد تعديلاً حكومياً الآن.
وأفادت بأن التغيير على بعض الوزراء تم طرحه وسط أنباء بتهديد اشتية بالاستقالة، بينما نفت مصادر حكومية صحة ذلك، موضحة أن هناك مؤشرات على تأخير تلك الخطوة من أجل إعطاء فرصة للجنة المنبثقة عن اجتماع الأمناء العامين للفصائل في مدينة العلمين المصرية.
هذه التغييرات التي تشمل أيضا تغييرات في القضاء الفلسطيني واحالة قضاة تجاوزوا سن التقاعد تشير الى جملة من التغيرات التي سوف تشهدها السلطة الوطنية الفلسطينية في الأيام المقبلة.
الوضع الأمني في الضفة
حول الأسباب أيضاً وراء التغييرات في المحافظين، أوضحت المصادر التي فضّلت عدم ذكر اسمها، أن الأحداث الأمنية في الضفة من أسباب إقالة عباس للمحافظين، بسبب تحميلهم مسؤولية أخطاء متعلقة بضعف ضبط الأمن، لا سيما في جنين ونابلس والخليل.
وأكدت أن عباس كان يشعر مؤخراً بالاستياء من أداء المحافظين، وأن الرواية التي يسمعها الجميع الآن أنه يريد "تجديد الدماء، وظهور قادة جدد في السلطة الفلسطينية"، في حين أنه لم يصدر في القرار سبب واضح عند الإعلان عن إحالة المحافظين إلى التقاعد.
ينتمي جميع المحافظين إلى حركة فتح التي يتزعمها عباس، وغالبيتهم من القيادات الأمنية في الحركة.
ولدى السلطة الفلسطينية 16 محافظاً، هم 11 محافظاً في الضفة الغربية، و5 محافظين في قطاع غزة.
وأشارت وكالة The Associated Press الأمريكية إلى أن عباس أقال معظم المحافظين في الضفة الغربية المحتلة، تلبيةً لمطالب طويلة الأمد بإجراء تغيير سياسي، لا سيما في ظل تزايد الإحباط من السلطة الفلسطينية شبه المستقلة.
ولم يتمسك عباس إلا بمحافظي 3 مدن، منها رام الله، التي يقع فيها مقر السلطة الفلسطينية. وقال مكتبه إنه سيشكل لجنة لاقتراح بدائل للمحافظين المعزولين.
تردي شعبية السلطة
أما صحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية فأوردت أن خبراء قالوا إن القرار يدل على إقرار عباس بتردِّي شعبية السلطة، ورغبته في إظهار أنه يستجيب لدعوات التغيير في مواجهة الصعوبات المتفاقمة.
وأضافت نقلاً عن مصادرها، إن هذه القرارات "تعطي السلطة وجهاً جديداً، وهو أمر مهم، خاصةً أن المحافظين هم المسؤولون عن الأمور الأمنية"، لكنها أضافت: "لن تغير أيَّ شيء على الحقيقة، إذ يحاول (عباس) أن يُعيد بناء شيء من الثقة العامة بالسلطة، لكن الأمر يحتاج إلى ما هو أكثر من ذلك بكثير".
وتفاقمت التوترات الداخلية في السلطة الفلسطينية منذ عام 2021، حين أرجأ عباس الانتخابات التشريعية الفلسطينية التي كان من المتوقع أن تتعرض فتح فيها لهزيمة محرجة، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وعلى مدى العامين الماضيين، زاد تصاعد العنف في الضفة الغربية المحتلة من أزمات السلطة.
وأثارت العلاقات الناشئة حديثاً بين نشطاء فتح ومجموعات المقاومة المسلحة -لا سيما في جنين ونابلس- هزةً في المؤسسة الأمنية، وأبرزت الانقسامات الداخلية.
وتقول مصادر حكومية مطلعة لـ"عربي بوست"، إنه "في ظل عدم إجراء الانتخابات العامة الفلسطينية، فإنه لابد من إجراء تلك التعديلات وضخ دماء جديدة إلى المراكز المتقدمة، من أجل تحسين صورة السلطة على المستوى الشعبي وكذلك على المستوى الدولي".
من جهة ثانية، فإن مثل هذه التعديلات أو التغيير "يأتي ضمن الجهود المبذولة لتحسين الأداء الحكومي والرسمي في تقديم الخدمات وديناميكية العمل في المؤسسات الرسمية من خلال تغيير يشمل أيضا تحسين سياسات العمل ولس فقط الأشخاص"، بحسب المصادر ذاتها.
وكلما تمسكت السلطة بالتنسيق الأمني مع إسرائيل تزايد عدد الفلسطينيين المقتنعين بأنها ليست حكومة بقدر ما أنها أداة للتعاون مع الاحتلال الإسرائيلي، وفق تعبير الصحيفة ذاتها.
يضاف إلى أسباب السخط الداخلي الفلسطيني من السلطة تردَّي الخدمات العامة، والإضرابات من أجل تحسين الأجور بين المعلمين والمحامين وغيرهم من موظفي الخدمة المدنية، التي أدت إلى شلِّ أبرز القطاعات الخدمية.
تحرك خارجي
ويأتي التحرك السياسي الحالي متزامنا مع لقاء عمان ما بين عباس والعاهل الأردني عبد الله الثاني واللقاء المزمع الأحد في مدينة العلمين المصرية عقب لقاء للأمناء العامين للفصائل الفلسطينية نهاية يوليو/تموز 2023.
وتقول مصادر "عربي بوست" إن "كل هذه التطورات مرتبطة ببعضها البعض، أولا بإظهار وحدة الموقف الفلسطيني في مواجهة التحديات الإسرائيلية الحالية في ظل حكومة متطرفة من خلال اجتماع الأمناء العامين، وثانيا بأن هناك تغييرات وديناميكية على مستوى المراكز القيادية المتقدمة من محافظين ووزراء وسفراء، وحتى القضاة، في ظل عدم قدرة المجتمع الدولي على إجبار إسرائيل الموافقة على إجراء الانتخابات في مدينة القدس، ترشيحا ودعاية انتخابية، بمعنى تثبيت السيادة والوجود الفلسطيني في مدينة القدس".
عباس يقيل المحافظين
وكان رئيس السلطة الفلسطينية عباس قد أصدر، أمس الخميس، مرسوماً رئاسياً بإحالة عدد من محافظي المحافظات الجنوبية والشمالية للتقاعد.
وكان عباس أحال إلى التقاعد في المحافظات الجنوبية كلاً من محافظ شمال غزة، ومحافظ غزة، ومحافظ خان يونس، ومحافظ رفح.
وأحال في المحافظات الشمالية كلاً من محافظ جنين، ومحافظ نابلس، ومحافظ قلقيلية، ومحافظ طولكرم، ومحافظ بيت لحم، ومحافظ الخليل، ومحافظ طوباس، ومحافظ أريحا والأغوار، للتقاعد.