لا تزال تثير حادثة "الكحالة" في لبنان اهتماماً واسعاً وتساؤلات متعلقة بتداعياتها، وتفسيرها، أبرزها "هل خسر حزب الله الغطاء المسيحي"؟
وكان حزب الله متحالفاً مع التيار الوطني الحر، الذي يمثل طيفاً واسعاً من الطائفة المارونية المسيحية، إلا أنه بعد استقالة الرئيس السابق ميشال عون، وذهاب البلاد إلى فراغ رئاسي، لم يتوافق الحزب والتيار على مرشح رئاسي حتى الآن، بل ظهرت خلافات متكررة بينهما، أدت إلى دعم كل منهما مرشحاً مختلفاً، وصولاً إلى حادثة الكحالة، التي ترى فيها مصادر تحدثت مع "عربي بوست"، أنها قد تسبب خسارة الحزب للغطاء المسيحي الذي كان متوافقاً معه.
وقعت الاشتباكات في 10 أغسطس/آب 2023، بين أعضاء من حزب الله وسكان بلدة مسيحية في لبنان، تدعى "الكحالة"، تلت حادثة انقلاب شاحنة تابعة لحزب الله تحمل ذخيرة، ما أسفر عن سقوط قتيلين، أحدهما عضو في "حزب الله"، والثاني مواطن مسيحي.
خسارة حزب الله الغطاء المسيحي
بحسب مصادر لبنانية مسيحية، فضّلت عدم ذكر اسمها، فإن ما جرى في الكحالة منذ يومين "محاولة مسيحية للقول لحزب الله إنهم لن يسمحوا بأن تكون مناطقهم مساحة مفتوحة لنقل السلاح والعتاد لخصومهم".
من جانبه، قال النائب عن حزب الكتائب (أحد المكونات المسيحية الرئيسية في لبنان) إلياس حنش، لـ"عربي بوست"، إننا "سنقوم بمناقشة خارطة طريق مع الشركاء في المعارضة (معارضة حزب الله) للبدء بمسيرة التخلص من سيطرة الحزب، خاصة أن الأخير بدأ يشعر بغياب الغطاء الذي حظي به مسيحياً ولبنانياً خلال المراحل السابقة".
وأكد أن خسارة حزب الله الغطاء المسيحي بدأت بالفعل، "بسبب تململ الأطراف من أدائه العدواني"، وفق تعبيره.
وأوضح حنش، أن حزبه "يعتبر لبنان مخطوفاً، واللبنانيين رهينة بيد حزب الله، وأن كل الاستحقاقات الدستورية أصبحت أيضاً رهينة إرادته، وذلك أثبت بالتعطيل ومنطق الفرض"، بحسب قوله.
وقال: "إننا لم نعد في لحظة سياسية تقليدية، فعلى حزب الله أن يقرر إذا كان يريد العيش مع باقي اللبنانيين تحت سقف الدستور والمساواة أم لا، أما نحن، فنعتبر أن لا فائدة من جميع النقاشات السياسية التقليدية التي تحولت إلى ملهاة عن القضية الأم، وهي استعادة قرار اللبنانيين ودولتهم".
وأضاف: "سنعمل على تجميع القوى للصمود داخلياً والمطالبة دولياً بإيجاد حل جذري لمشكلة السلاح، مستعملين جميع الأدوات السلمية الموجودة بين أيدينا، لأننا لا نؤمن بالعنف لحل النزاعات، ولكن للنضال السلمي".
"الانفصال" عن حزب الله
وفقاً لمصدر حكومي لبناني رفيع تحدّث مع "عربي بوست"، فإن خسارة حزب الله الغطاء السياسي لا ينفصل عن التطورات السياسية، موضحا أنه "بعد الانهيار الشامل الذي حدث بعد انتفاضة 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، بدأ غالبية المسيحيين، ولا سيما الطائفة المارونية، يرون أن هناك ضرورة للاستعداد الدائم والعلني للذهاب إلى الانفصال عن الدولة التي بات حزب الله يتحكم بمفصالها".
وأضاف أنهم باتوا كذلك "متسلحين بتجاربهم القتالية منذ الحرب الأهلية والصراع مع منظمة التحرير الفلسطينية والنظام السوري، بالإضافة الى أنهم أصبحوا يرددون مطالب الانفصال على ألسنة الكثير من المسيحيين شعبياً وسياسياً، وصولاً إلى الوضع المحتقن الذي نجمت عنه حادثة الكحالة".
بحسب المصدر الحكومي، فإن "الحكومة باتت تناقش منذ مدة تطورات الواقع الداخلي والدعوات الجارية من الأطراف المسيحية للانفصال والفيدرالية، وهذا السياق لا يمكن فصله عن واقع المنطقة وتطوراتها، في ظل تعزيز الأمريكيين لقواتهم في الشرق الأوسط، وسعيهم إلى قطع الطريق على الإيرانيين في المنطقة"، وهم حلفاء حزب الله في لبنان.
وقال إن "هذا المسار يكرّس لدى الأطراف المعارضة لحزب الله في لبنان، فكرة إمكانية مواجهته والانفصال عنه جغرافياً، في ظل حالة التوتر بين إيران والدول الإقليمية الأخرى"، ما يعني في النهاية تزايد مخاوف خسارة حزب الله الغطاء المسيحي والسني وغيرها.
خسارة التوافق مع باسيل
من جانبه، اعتبر المحلل السياسي اللبناني ربيع دندشلي، أن "المعركة التي حدثت في منطقة "الكحالة" في جبل لبنان، كشفت أن حزب الله خسر الغطاءين السني أولاً عبر خروج سعد الحريري من السلطة، والمسيحي ثانياً".
وأضاف أن "هذا ما ظهر بمواقف كل القوى السياسية المسيحية، وخاصة التيار الوطني الحر الذي سارع لشجب ما افتعله الحزب".
والتيار الوطني بحسب دندشلي، "كان يسعى إلى إعادة إجراء اتفاق مع حزب الله، ولكنه الآن قد يعيد النظر بكل هذا التقارب، فإذا تطورت الأمور بينهما فسيكون ذلك محرجاً للتيار مع الشارع المسيحي، وثانياً مع الكنيسة المارونية".
وقال المحلل اللبناني إن "ما جرى قد يكون جزءاً من استهداف هذا التقارب بين باسيل وحزب الله، لأن أي توتر أو اشتباك مسيحي – شيعي سيؤدي إلى توقف هذا المسار، في ظل تنامي جو مسيحي عارم مناهض لحزب الله".
ويعتقد دندشلي أن التيار الوطني الحر قد يلجأ إلى استخدام علاقته بحزب الله لفرض شروط على الحزب تعيد تهدئة الأوضاع، إذا قرر الأخير التجاوب مع مساعي التهدئة الداخلية.
حزب الله يشعر أنه "مستهدَف"
مصادر مقربة من حزب الله اللبناني، قالت لـ"عربي بوست"، إنها "ليست المرة الأولى التي يستشعر فيها الحزب أنه بات مستهدفاً، وأنه هدف لحملة ضغوط داخلية وخارجية تُشن ضده من أكثر من جهة، وذلك بغية إحكام حلقات الحصار عليه بهدف شل حركته السياسية والعسكرية، وصرف قوته لملفات هامشية".
وأشارت إلى أن حزب الله شهد تطورات أمنية عدة مؤخراً على صعيد مختلف جغرافياً، بداية من قرية "القرنة السوداء" شمال البلاد، مروراً بأحداث مخيم عين الحلوة واغتيال القيادي في القوات اللبنانية الياس الحصروني عين إبل في الجنوب، وصولاً الى اشتباك الكحالة، وإصابة سيارة وزير الدفاع موريس سليم بأعيرة نارية، وكلها جرت بشكل متلاحق.
وأكد المصدر أن حزب الله يلاحظ أن "منسوب الهجوم عليه ارتفع خلال الأسابيع الماضية، وتنوعت أساليبه، تحديداً بعد عودة العلاقة بينه وبين حليفه جبران باسيل، بعد أن توترت بسبب تصويت الأخير مع المعارضة في الجلسة الأخيرة لانتخاب رئيس للجمهورية في مجلس النواب".
يرى حزب الله، أن الجلسة الأخيرة الـ14 في البرلمان للتصويت على اختيار رئيس الجمهورية، رغم أنها فشلت في انتخابه، فإنها "نجحت في فرض المشروع الأمريكي، من خلال استقطاب جبران باسيل للمربع المعارض، وفرض تصويت أعلى للمرشح جهاد أزعور في وجه مرشح الحزب سليمان فرنجية"، وفق المصادر ذاتها.
وقالت إنه بالنسبة إلى حزب الله، فإن "ما حصل في الكحالة يندرج ضمن مسار الاستهداف المستمر الذي تعرض له الحزب سابقاً في مناطق شويا وخلدة والطيونة مع البيئات السنية والدرزية والمسيحية، بغية استدراجه الى مواجهة داخلية وحَرف سلاحه عن وجهته الأصلية ضد إسرائيل، وخاصة في حالة التوتر الجارية مؤخراً على الحدود"، على حد قولها.
لكنها قالت أيضاً إن "حزب الله لا يزال يشعر باطمئنان، بأن زمام المبادرة لم تخرج من بين يديه لتصبح في يد الخصوم. وعليه، فإن الحزب لا يستشعر خطراً وشيكاً، بل يتعاطى مع التطورات بعيداً عن ردود الفعل".
وأوضحت أن "الحزب مصرّ على المضي قدماً في حواره مع التيار الوطني الحر، وبذل أقصى الجهود للخروج من حال التأزم إلى حال الاستقرار وانتظام عمل المؤسسات".
يشار إلى أن الاشتباكات اندلعت على طريق بلدة الكحالة شرق العاصمة بيروت، عقب انقلاب شاحنة (تابعة لحزب الله) تحمل ذخيرة، ما أسفر عن سقوط قتيلين.
وخلال تشييع قتيل حزب الله، حذّر مسؤول قسم التبليغ والأنشطة الثقافية في الحزب، علي فحص، من الانجرار وراء "فتنة طائفية"، مبيناً أن الواقعة بأكملها "بين أيدي القوى الأمنية المختصة".
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة للمعلومات التي تأكدنا من مصداقيتها من خلال مصدرين موثوقين على الأقل. يرجى تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو سلامتها.