أثار حكم محكمة الأمور المستعجلة في مصر برفع التحفظ على أموال 146 شخصاً، تساؤلات حول أسباب القرار غير المسبوق، وإن كان هدفه سياسياً أم اقتصادياً، لا سيما أن غالبيتهم ممن يمارسون النشاط الاقتصادي والتجاري، الذين سبق التحفظ على أصولهم بقرار من "لجنة التحفظ على أموال جماعة الإخوان المسلمين والإرهابيين والكيانات الإرهابية".
قرار المحكمة، جاء برفع التحفظ عن كافة الأموال العقارية والسائلة والمنقولة وكافة الحسابات المصرفية والودائع والخزائن والأسهم والسندات الخاصة.
قانونيون وسياسيون علقوا في تصريحات لـ"عربي بوست"، على قرار رفع التحفظ على أموال 146 شخصاً، معتبرين أن الأسباب تتلخص أولا بسبب اقتصادي يتمثل بضغوط من صندوق النقد الدولي لتحسين مناخ الاستثمار، بالإضافة إلى سبب آخر سياسي هو قرب موعد الانتخابات الرئاسية، إلى جانب سبب أمني أيضاً بأن التحريات الأمنية الخاصة بالـ146 شخصاً برّأتهم من ارتكاب جرائم، وبوجود تغيّر في الرؤية الأمنية تجاه التعامل مع الأشخاص الذين لديهم أنشطة اقتصادية.
ضغوط من صندوق النقد
عن السبب الأول، قال محللون مصريون فضلوا عدم نشر أسمائهم، إن القرار برفع التحفظ على أموال 146 شخصاً "يعبّر عن استجابة مصرية لضغوط مارسها صندوق النقد الدولي لتحسين مناخ الاستثمار، ومراجعة الأحكام ذات الأبعاد الاقتصادية، التي تتضمن الحجز على الأموال والممتلكات، بما يشجع رجال الأعمال المصريين والأجانب على التوسع في أنشطتهم الاستثمارية".
وأضافوا أن مثل هذه القرارات "تعود إيجاباً على الاقتصاد المصري الذي يسير وفق خطة إصلاحية توافقت عليها الحكومة مع الصندوق منذ مطلع العام الجاري".
لفتوا أيضاً إلى أن هذا القرار برفع التحفظ على أموال 146 شخصاً، قد يكون بداية للإفراج عن رجال أعمال آخرين، بهدف الاستجابة للضغوط المتعلقة بالتشجيع على الاستثمار في مصر، وإعطاء تطمينات مناسبة بهذا الخصوص.
وأفادوا بأن صدور أحكام جماعية يضع في الاعتبار الخصوصية القانونية المرتبطة بمن صدرت بحقهم الأحكام السابقة، وأن الجديد هذه المرة أنها لم تصدر بشكل فردي، إذ إن بعض الأحكام صدرت في وقت سابق بحق أشخاص بعينهم وليس أعداداً تصل للمئات.
اعتبروا أن ذلك يشير لوجود رغبة في تصفية ملفات بعض رجال الأعمال أو ممن لديهم أنشطة اقتصادية، ومن المتوقع صدور أحكام أخرى بحق آخرين خلال الفترة المقبلة، إذا ما كانت هناك رغبة في تهيئة مناخ الاستثمار.
يذهب محلل سياسي على صلة بدوائر الحكم، إلى تأكيد أن الحكم الأخير ليس لديه دلالة سياسية، بل اقتصادية ظاهرة، "لأنه يأتي بعد شهر من صدور حكم آخر برفع التحفظ عن أموال رجل الأعمال صفوان ثابت، بالتالي فإن الأمر لا يرتبط بالتصالح مع تنظيم الإخوان، بقدر كونه استجابة للشروط التي وضعها صندوق النقد الدولي قبل توقيع الاتفاق الأخير مع مصر".
وأكد أن "الاشتراطات مع صندوق النقد، تضمنت عدم اتخاذ إجراءات تقييدية بحق أي أشخاص لم يثبت أنهم تورطوا في أعمال عنف".
وكشف لـ"عربي بوست" عن أن حملات الضغط الخارجية التي تمارسها منظمات حقوقية وبعض الدول الأوروبية، دفعت إلى جانب دوائر رجال الأعمال ممن لديهم رغبة بالتوسع في استثماراتهم، ولديهم خشية من أن تطالهم قرارات ترتبط بالتضييق على أنشطتهم الاستثمارية، نحو صدور الحكم الأخير.
وقال إن الدولة المصرية هدفت لإرسال إشارات على أنها تحترم المعايير والضوابط الدولية، وأنها ليس لديها مشكلة في التراجع عن أي قرارات أو توجهات لا تتماشى مع المعايير الدولية.
بحسب وسائل إعلام مصرية، فإن لجنة التحفظ وإدارة أموال الإخوان في مصر، أكدت أن إجمالي أموال الجماعة التي تم التحفظ عليها، منذ تشكيل اللجنة في يناير/كانون الثاني 2014 وحتى الآن، بلغ 5 مليارات و556 مليون جنيه مصري (نحو 695 مليون دولار)، تنوعت بين أرصدة لشخصيات في الجماعة، ومدارس، ومستشفيات، وجمعيات خيرية.
تجدر الإشارة كذلك، إلى أنه منذ إنفاذ هذا القانون، تحفظت الحكومة المصرية على أكثر من 350 شركة و1125 جمعية أهلية تابعة للجماعة، وأموال 2100 شخص، من بينهم 19 شركة صرافة، بحسب تقديرات وبيانات لجنة التحفظ.
التحريات الأمنية حول أموال 146 شخصاً برّأتهم
يقول ناشط حقوقي ومحامٍ على صلة وثيقة بقضايا مرفوعة ضد عناصر تنظيم الإخوان، إن صدور حكم جماعي ضد عدد كبير ممن صدر بحقهم أحكام بالتحفظ على أموالهم وممتلكاتهم، يشير إلى أن التحريات الأمنية الخاصة بهؤلاء برّأتهم من ارتكاب جرائم عنف، وأنهم لم يوظفوا ممتلكاتهم في إثارة العنف والشغب، بالتالي تصدر توصيات برد الأحكام الصادرة سابقاً.
يكشف المحامي لـ"عربي بوست"، أن "الأحكام الأخيرة تشي بوجود تغير في الرؤية الأمنية تجاه التعامل مع الأشخاص الذين لديهم أنشطة اقتصادية، وأن بعض من صدر بحقهم الأحكام الأخيرة هم بالأساس رجال أعمال، ولديهم أنشطة صغيرة، ولديهم معلومات بأن الفترة المقبلة ستشهد مزيداً من تهيئة الأجواء التي تساعد على إنجاح المشروعات الاستثمارية بما يخدم الاقتصاد المصري المأزوم".
ويؤكد المصدر ذاته أن الأشخاص الصادر بحقهم الأحكام الأخيرة كان قد صدر بحقهم أحكام التحفظ على ممتلكاتهم وأموالهم في العام 2018، بتهمة الانتماء ودعم تنظيم الإخوان المصنف إرهابياً في مصر، وأنه ليس من المعروف ما هي الأسانيد التي جرى على أساسها اتخاذ قرار التحفظ وما هي دوافع الحكم الأخير بالتحفظ عليها، وهو ما يعزز من فرضية دفع جهات أمنية بتقديم طلبات تشير إلى أن هؤلاء لم تثبت عليهم أحكام التحفظ السابقة.
وبحسب ما نشرته وسائل إعلام محلية، فإن المحكمة رأت أن المركز القانوني للمدعي عليهم قد تغيّر، وزالت معه أسباب وضعهم تحت التحفظ، ومن ثم فقد قامت حالة الاستعجال والخطورة التي تبرر للقضاء المستعجل التدخل ليحكم بصفة مستعجلة ما يزيل ذلك الخطر وما يترتب عليه من ضرر بالمدعي عليهم.
دعوى قضائية
من جانبه، أوضح مصدر قضائي لـ"عربي بوست"، أن اتخاذ قرار رفع التحفظ على أموال 146 شخصاً، جاء بناء على دعوى قضائية أقامها "رئيس لجنة إجراءات التحفظ والإدارة والتصرف في أموال الجماعات الإرهابية والإرهابيين"، مشيراً إلى أن ذلك "يعد شكلاً قانونياً باعتباره المنوط به، وفقاً للقانون والدستور، بطلب رفع التحفظ عن الأموال، كما أن هذا الشخص هو الوحيد الذي لديه المعلومات الخاصة التي دفعته نحو إصدار قرار التحفظ في المرة الأولى".
وأعطى قانون "تنظيم إجراءات التحفظ على أموال الجماعات الإرهابية" الذي صادق عليه عبد الفتاح السيسي في أبريل/نيسان 2018، الحق للجنة التحفظ أن تتقدم بطلب إلى رئيس محكمة جنوب القاهرة مرفقاً به المستندات، ليصدر الأخير أمراً وقتياً بالتحفظ على أموال الأشخاص الذين ترى اللجنة أنهم إخوان، بدون عقد جلسة أو الاستماع إلى دفاع المتهمين، والأمر ذاته في حال كان هناك قرار مماثل برفع التحفظ، بحسب ما أكده المصدر ذاته.
وأوضح أن صدور الحكم الأخير بحق أعداد كبيرة من المتحفظ على أموالهم سببه مراجعات حكومية لملف التحفظ على أموال رجال الأعمال ممن تقول إنهم ينتمون إلى تنظيم الإخوان، وأن تلك المراجعات تتماشى مع أخرى على المستوى الحقوقي، تتمثل في الإفراج عن عدد كبير من المحبوسين على ذمة قضايا رأي وبينهم عناصر من تنظيم الإخوان.
وبدأت إجراءات التحفظ على أموال أعضاء تنظيم الإخوان عقب قرار محكمة الأمور المستعجلة الصادر برقم 2315 لسنة 2013 باعتبار الجماعة منظمة إرهابية، وبعدها مباشرة شكلت وزارة العدل لجنة لتحديد الأشخاص والكيانات التي سيطبق عليهم هذا الحكم، غير أنها واجهت شبهات عدم الدستورية، الأمر الذي جعل الأحكام الصادرة في ذلك الحين قابلة للطعن عليها أمام القضاء الإداري، وكان كثير منها يُلغى لعدم ثبوت الجدية أو لعدم اكتفاء الأدلة.
وقبل 5 سنوات، صادق البرلمان المصري على قانون تنظيم إجراءات التحفظ على الأموال وينص على "إنشاء لجنة مستقلة ذات طبيعة قضائية، تختص دون غيرها باتخاذ الإجراءات المتعلقة بتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة باعتبار جماعة أو كيان أو شخص ينتمي إلى جماعة أو جماعات إرهابية".
وجاء الحكم الجديد برفع التحفظ على أموال 146 شخصاً، بناءً على دعوى قضائية أقامها رئيس لجنة "إجراءات التحفظ والإدارة والتصرف في أموال الجماعات الإرهابية والإرهابيين"، طالبت برفع التحفظ عن كافة الأموال والممتلكات الخاصة بعدد من المتحفظ على أموالهم بقرار من اللجنة، وذلك بعد انتفاء أسباب التحفظ على أموالهم وممتلكاتهم، وفقاً لقرارين صادرين عن اللجنة؛ جاء الأول بتاريخ 1 مارس/آذار 2023، والثاني بتاريخ 31 مايو/أيار 2023.
وكانت محكمة مصرية قد قبلت في يناير 2021، دعوى أقامها رئيس لجنة التحفظ على أموال الإخوان، لنقل أموال وممتلكات 89 من قيادات "الجماعة" لخزانة الدولة، بينهم أعضاء بمكتب الإرشاد إضافة إلى ورثة الرئيس الراحل محمد مرسي؛ وزوجته وأولاده الأربعة.
"لا جديد في العلاقة مع الإخوان"
بدوره، لفت قيادي حزبي مقرب من الجهات الأمنية إلى أن "علاقة العداء بين النظام المصري وتنظيم الإخوان لم يطرأ عليها أي تطور".
وأضاف أن "الأشهر المقبلة قبل انتخابات الرئاسة المصرية قد تشهد مزيداً من التضييق على عناصر التنظيم"، وفق تقديره.
وقال إن "فكرة مهاجمة التنظيم قائمة منذ عام 2013، ومن المستبعد أن تتغير، حتى وإن صدرت أحكام بحق أشخاص غير معروفين، ولا ينتمون إلى قيادات الصفين الأول والثاني في الجماعة".
من وجهة نظر السياسي المصري، الذي فضَّل عدم ذكر اسمه، فإن مثل هذه الأحكام تؤكد أن "النظام المصري يعمل بشكل مستمر على إرسال إشارات متضاربة، بما لا يدعم اتهامات يوجهها الإخوان للقضاء المصري بصدور أحكام مسيسة، وفي الوقت ذاته يشي بأن قناعاته قد تكون قابلة للتغير في حال اقتضت الحاجة إلى ذلك، غير أن الوضع السياسي الحالي لا يؤشر في كل الأحوال على إحداث أي تغيير يذكر".
وبالتزامن مع صدور قرار رفع التحفظ على الممتلكات، نشرت جريدة الوقائع المصرية، الخميس، قرار إدراج 16 من قيادات تنظيم الإخوان على قوائم الإرهابيين، وأنه جاء بناءً على أحكام قضائية صادرة عن محاكم الجنايات وجنايات أمن الدول العليا في مصر، وقانون تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين وتعديلاته.
وضمت القائمة مرشد الجماعة محمد بديع، ونائب المرشد خيرت الشاطر، وقيادات مكتب الإرشاد ومجلس شورى الجماعة (محمد سعد الكتاتني- محمد البلتاجي- سعد الحسيني- حازم محمد فاروق عبد الخالق منصور- عصام الحداد).
وشدد السياسي المصري على أن الأحكام القضائية التي صدرت بحق عدد من رجال الأعمال على رأسهم صفوان ثابت، أرسلت إشارات سلبية للخارج بأن مناخ الاستثمار ليس آمناً في مصر، وهو ما ترتب عليه عدم قدرة الحكومة المصرية على توظيف تراجع قيمة العملة المحلية في جذب الاستثمارات، الأمر الذي تطلب معه صدور أحكام بالإفراج عنه وكذلك الإفراج عن آخرين، بينهم رجل الأعمال الشهير رجب السويركي، بحسب قوله.
وفي يونيو/حزيران 2023، سبق أن أفرجت السلطات المصرية عن رجل الأعمال الشهير رجب السويركي مالك سلسلة محلات التوحيد والنور، وذلك ضمن قائمة العفو الرئاسي التي ضمت 32 شخصاً، بعد أن أُلقي القبض عليه مطلع ديسمبر/كانون الأول عام 2020، بتهمة دعم وتمويل الإرهاب، حيث خضع لعدة تحقيقات وواجه اتهامات بتمويل جماعة الإخوان المسلمين والانتماء إليها.
قبل انتخابات الرئاسة
في حين يرى ناشط حقوقي أن صدور أحكام بالتحفظ على الأموال دون انعقاد جلسات يجعل هناك شبهات تحوم حول أهدافها، وأن هناك محاولة تحسين للسجل الحقوقي والقانوني.
وأضاف أنه من المتوقع أن تذهب الحكومة باتجاه اتخاذ مزيد من الإجراءات التي تؤشر على إحداث إصلاحات داخلية قبل إجراء انتخابات الرئاسة.
وأكد أن "تراجع العمليات الإرهابية، واستقرار الأوضاع الأمنية في الداخل، يشجع على اتخاذ مزيد من الإجراءات التي بمقتضاها يتم الإفراج عن بعض المحبوسين، وكذلك إيجاد مساحات حركة للمعارضة في الداخل".
يُشار إلى أن محكمة الأمور المستعجلة في مصر، قضت بجلسة 25 يوليو/تموز 2023، برفع التحفظ عن كافة الأموال العقارية والسائلة والمنقولة وكافة الحسابات المصرفية والودائع والخزائن والأسهم والسندات الخاصة بـ146 شخصاً، كان قد سبق التحفظ عليها بقرار من "لجنة التحفظ على أموال جماعة الإخوان المسلمين والإرهابيين والكيانات الإرهابية"، بحسب ما نشرته وسائل إعلام مصرية.
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة للمعلومات التي تأكدنا من مصداقيتها من خلال مصدرين موثوقين على الأقل. يرجى تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو سلامتها.