تتجاوز علاقة المغاربة بالسكر حدود مطبخ العائلة ومائدة الأكل والشرب ليصير عنواناً يكرّس اللحمة الاجتماعية المتأصلة في أعماق التاريخ، خاصة حين يتعلق الأمر قالب السكر، الذي يتفرد به المغرب، والذي يرتبط استهلاكه بلحظات هامة في حياة كل مواطن مغربي.
يتم إهداء قالب السكر في كل المناسبات الاجتماعية، سواء كانت سعيدة أو حزينة، يتقاسم خلالها المغاربة حلاوته دلالة على عربون محبة وتضامن، حتى إنهم يختصرون القيمة التي يحتلها لديهم، بقولهم إنه المساند الرسمي للمواطن المغربي في كل المناسبات.
قالب السكر وهو سكر ذو شكل هرمي مخروطي يزن كيلوغرامين ونصف، كما يتميز عن بقية الأنواع بطعمه الفريد وحلاوته التي تضيف على الشاي طعماً خاصاً، لم يكن استخدام قالب السكر في التجمعات المغربية حديث الصدفة، بل إنه يعود إلى ثقافات تعاقبت على المغرب منذ قرون من الزمن، جعلت المغاربة يتشبثون بهذا السكر إلى اليوم.
تاريخ قالب السكر.. مركز الصناعة والتصدير العالمي
حسب موقع "ناشيونال جيوغرافيك" عرفت زراعة السكر في المغرب خلال أواخر القرن التاسع عشر، إلا أن ازدهار إنتاجه وتصديره إلى مختلف الدول العربية خاصة بدأ بين القرنين 16 و17 أي في عهد السلطان السعدي المنصور الذهبي بين سنة 1578 و1603.
أصبح المغرب في ذلك الزمن مَركزاً مهماً لإنتاج مادة السكر وتصديرها على الصعيد العالمي، إذ كان السعديون يصدرونه إلى الإنجليز والفرنسيين مقابل الأسلحة. لكن هذا الازدهار تراجع كثيراً فيما بعد لأسباب كثيرة ومعقدة، لعل أبرزها الثورات الاجتماعية التي قام بها عمال السكر في المزارع والمصانع.
هذه الثورات تسبب في فقدان المغرب الصدارة في إنتاج هذه المادة فحسب آخر الإحصائيات يستورد المغرب في اليوم الحالي قرابة 55% من حاجياته من السكر من الخارج، لكن رغم ذلك ظلت العادات المغربية المرتبطة بالسكر وخاصة قالب السكر متجذرة في الثقافة إلى اليوم.
أنواع السكر والاستهلاك المغربي
توجد في المغرب العديد من الأنواع المختلفة من السكر سواء على شكل بودرة سكر أو كما يسمى في المغرب "سكر الصقيل" أو سكر حبيبات، بالإضافة إلى نوعين مختلفين من السكر المكعبات أحدها مخصص للحليب أو القهوة والآخر خاص في الشاي "أتاي".
إلا أن أشهر الأنواع هو قالب السكر الذي يعرفه المغاربة والشهير بغلافه الورقي الأزرق لا يُقتنى فقط بغاية الاستهلاك ولكنه أيضاً يقتنى لتقديمه كـ"هدية" في العديد من المناسبات السعيدة، إلى جانب أنه يحضر أيضاً في المناسبات الحزينة، إذ ألف المغاربة عند تعزية أحدهم تقديم قوالب السكر.
حسب موقع "maghrebvoices" المغربي تعود تسميته بالقالب إلى ذلك الوعاء أي القالب الذي يوضع فيه السكر ويتخذ شكله المخروطي فيه، كما تشير بعض البحوث التي تعود إلى فترة الاستعمار الفرنسي أن هذا النوع من السكر لم يتغير شكله منذ القدم، إذ عثر على قالب طيني خاص بصناعته يشبه شكله الموجود حالياً.
أما بخصوص تقديمه هدايا في الثقافة المغربية فيعود إلى القدم، إذ كان السكر مثل الذهب يمكن استبداله بالسلع، يقوم المغاربة بتبادل قالب السكر لإمكانية تبديله بالنقود في المحلات التجارية المنتشرة في جميع أنحاء المملكة المغربية.
قالب السكر من شروط قبول العريس
في كل المناسبات الاجتماعية سواء عقيقة أو خطبة أو إلى القدوم من الحج بالإضافة إلى التعزية تجد قالب السكر حاضراً، ببياضٍ ناصع يسرُّ الناظرين، وطلعةٍ بهية تضفي الصفاء على الأجواء وتحلي الأذواق وترضي الخواطر وتمحو الضغائن وتشد الوثاق بين الأهل والجيران والأحبّاء.
فقد جرت العادة أنه عندما يقصد رجلٌ ما بيتَ فتاة طلباً لخطبتها، فلا بد أن يقتني هدية رمزية عبارة عن قالبين اثنين أو بضعة قوالب من السكر، يُعدّ قبولها من طرف أهل الفتاة قبولاً مبدئياً بزوج ابنتهم في المستقبل.
وقُبيل حفل الزواج، ينتصب قالب السكر من دون كساء في وسط الهدايا التي تُنقل أمام الملأ من بيت العريس إلى بيت العروس، ومعها كيس أو أكياس من القنب يحمل كل منها 32 قالباً. إذ يُقاس مدى تشريف العروس وإعلاء شأنها بكمية السكر المهداة لها.
كما يُوضع قالبان أو ثلاثة دون كسوة في صينية أمام العريس أو العروس خلال طقس الحناء. ويُحِيل حضور السكر، في بعده الرمزي، إلى الفأل الحسن واليمن والأماني للعرسان بحياة هانئة وحلوةٍ بحلاوةِ السكر.
وفي المقابل، يحدث أن تنشب خلافات بين الأهل أو الجيران أو حتى بين قبيلة وأخرى، يستخدم قالب السكر لكظم الغيظ وتُحقن الدماء بين المتخاصمين. فترى أحد الطرفين يدفع بالتي هي أحسن ويبادر بزيارة الطرف الآخر في بيته حاملاً معه قوالب سكر تكون خير مُعبِّر عن الاعتذار، ببيـاضها الذي يرمز إلى السلام والتسامح ونقاء السرائر.