أثار التراشق اللفظي بين علاء مبارك، نجل الرئيس الأسبق حسني مبارك، وضياء رشوان رئيس الهيئة العامة للاستعلامات والمنسق العام للحوار الوطني، جدلاً واسعاً في مصر، حول إمكانية ترشح جمال مبارك للانتخابات الرئاسية القادمة.
وكان ضياء رشوان قد طرح سؤالاً استنكارياً، عندما حلَّ ضيفاً على مقابلة تلفزيونية مع فضائية قناة العربية السعودية، قال فيه: "لماذا لا يعلن السيد جمال مبارك الترشح للرئاسة إذا كان يريد الترشح ليحسم الشعب أمره؟".
وقال رشوان رداً على تساؤل بشأن احتمالات ترشح جمال مبارك للانتخابات الرئاسية، إن "الأمر يجب أن يُنظر إليه من الزاوية القانونية، بشأن حظر ترشح أي شخص مدان في جريمة ولو رد إليه اعتباره".
كلام ضياء رشوان ردَّ عليه علاء مبارك، الابن الأكبر للرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، في تغريدة على حسابه الرسمي في تويتر، طالبه فيها بعدم التدخل في مسألة ترشح جمال مبارك في الانتخابات الرئاسية.
أما بخصوص القانون الذي يمنع أي شخص "عليه حُكم جناية أو جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة ولو كان قد رُد إليه اعتباره"، فقد علق عليه علاء قائلاً: "جهزوا لها تخريجة فعايزين يخلصوا بسرعة".
ويأتي الحديث عن ترشح جمال مبارك قبل أشهر قليلة من فتح باب الترشح لانتخابات الرئاسة المصرية، خلال فترة أقصاها مطلع ديسمبر/كانون الأول 2023، على أن تجرى الانتخابات ويتم الإعلان عن نتيجتها قبل مطلع أبريل/نيسان 2024.
فهل يرغب جمال مبارك في الترشح للانتخابات الرئاسية المصرية القادمة بالفعل؟ وهل يستطيع ذلك في ظل الحكم الصادر ضده؟ هذه الأسئلة يجيب عنها "عربي بوست"، الذي تواصل مع مصادر مطلعة على هذا الملف، بينها مصادر مقربة من أسرة الرئيس المصري الأسبق مبارك.
نزاعات سياسية مع مؤسسات الدولة
تحدث "عربي بوست" مع مصدر مطلع من دوائر صنع القرار بنظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، والذي أوضح أن مسألة إعلان ترشح جمال مبارك للانتخابات الرئاسية "مستبعدة"، بغض النظر عن التفسيرات والتأويلات القانونية المتناقضة.
وقال المصدر المقرب من أسرة مبارك: "من الناحية السياسية، فإن أسرة مبارك ليس لديها الرغبة حالياً في الدخول في نزاعات سياسية مع مؤسسات الدولة المصرية، التي سيكون لها رأي رافض لعودتهم في ظل وجود الرئيس عبد الفتاح السيسي على رأس السلطة".
وأضاف المصدر أنه رغم عدم نية جمال مبارك الترشح حالياً، فإنه قد يكون ترشحه متاحاً في ظروف مختلفة. مؤكداً أن الوضع الحالي يشير إلى أن أسرة مبارك تحافظ على علاقات قوية مع دوائر سياسية في الداخل والخارج، دون أن يكون ذلك هدفه الترشح لانتخابات محسومة تقريباً من وجهة نظرهم.
وأكد المصدر أن اللغة التي تحدث بها علاء مبارك في تغريدته، توضح أن أسرة الرئيس الأسبق "لن تكون لقمة سائغة"، فهو يرسل إشارات على أن أخاه بإمكانه التحرك نحو الترشح إذا كانت لديه رغبة في ذلك.
واعتبر علاء مبارك- بحسب مصدر "عربي بوست"- أن شقيقه جمال قد يحظى بدعم داخلي وخارجي إذا أراد الترشح، وأن الصمت والابتعاد عن ممارسة السياسة بشكل علني ومباشر لا يعني أن يذهب أحد أبرز رموز النظام الحالي لاستفزازه وإظهاره كشخص ملفوظ شعبياً.
وأعلن حتى الآن أربعة أسماء نيتهم الترشح لخوض الانتخابات الرئاسية العام المقبل، وهم: المعارض أحمد طنطاوي، ورئيس حزب الوفد الليبرالي عبد السند يمامة، ورئيس حزب الشعب الجمهوري حازم عمر، ورئيس حزب السلام الديمقراطي أحمد فضالي.
رد علاء مبارك
أدت الأزمة الاقتصادية في مصر إلى المقارنة بين عهد مبارك والأوضاع الحالية، وهناك متغيرات تظهر بوضوح في حديث رشوان عن ترشح مبارك، وهي المرة الأولى التي يتحدث فيها مسؤول رسمي عن إمكانية هذا الترشح، وكذلك الرد الخشن لنجل الرئيس الأسبق.
ويرى النظام الحالي- بحسب مصدر حكومي مطلع- أن إمكانية ترشح جمال مبارك هي آلية للضغط عليه من دول خليجية وغربية، عبر التأكيد على أن الشعب مازال يحن إلى الحقبة التي سبقت ثورة يناير، وفي الوقت ذاته فإن رد علاء يشير إلى أن الشعب ذاته لن يمانع عودتهم للسلطة مرة أخرى.
وقبل أشهر، قال موقع "أفريكا إنتليجنس" المقرب من الاستخبارات الفرنسية، إنّ الأزمة الاقتصادية التي تعيشها مصر، تغذي طموح جمال مبارك، نجل الرئيس المصري الراحل حسني مبارك، لمنافسة الرئيس عبد الفتاح السيسي على الرئاسة.
وكشف الموقع عن لقاء سري عقده جمال مبارك مع السفير الأمريكي في مصر، وأبلغه بنيته الترشح للانتخابات الرئاسية المصرية المقبلة، كما أنّه في بداية أزمة النقص في العملة الأجنبية في مصر أخبر نجل مبارك الولايات المتحدة بشأن احتمال ترشحه.
وفي أبريل/نيسان 2022، رفعت محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي العقوبات المفروضة على عائلة مبارك، فأنهت بذلك إجراءات التجميد لأصولهم، والحظر الذي كان مفروضاً على دخول مواطني الاتحاد الأوروبي في معاملات مالية مع المقربين من الرئيس الراحل.
توتر في الداخل المصري
سياسي مصري مقرب من النظام المصري قال لـ"عربي بوست"، مشترطاً عدم ذكر اسمه، إن جمال مبارك كان قريباً لسنوات قبل ثورة يناير من دوائر غربية عديدة، وإنه يوظف ذلك في الوقت الحالي للتسويق لنفسه مجدداً.
وأضاف المتحدث أن "فرص ترشح جمال مبارك تبقى منعدمة، لأن خوضه الانتخابات وفوزه قد يترتب عليه توتر داخلي، في وقت تسعى دول كبرى لأن تحافظ على قدر من الهدوء والاستقرار في المنطقة، يدعمه وجود الرئيس عبد الفتاح السيسي على رأس السلطة".
وأوضح أن طريقة تعامل شقيق جمال مبارك مع أول تصريح شبه رسمي عن احتمالات ترشحه تستهدف التضخيم من مسألة إمكانية ترشحه، وتهيئة الرأي العام لهذا حال اختلفت الظروف الراهنة، وحال وجدت الفرصة المواتية التي تدعم عودة أسرة مبارك للسلطة مجدداً.
ظهور جمال مبارك، الذي لم يعتَد الظهور الإعلامي الرسمي، ولا يشتبك على مواقع التواصل الاجتماعي، تأخذ- حسب السياسي- الطابع الرسمي الذي يتماشى مع فكرة كونه رجل دولة، حتى بعد رحيل والده عن السلطة.
وأشار المصدر إلى أن الفراغ السياسي الحالي يجعل طموح أتباع مبارك منطقياً، لأن أحزاب المعارضة المدنية ليس لديها ثقل يذكر في الشارع، كما أن جماعات الإسلام السياسي وعلى رأسهم تنظيم الإخوان لم يعد لديهم وجود على الساحة.
وحسب المتحدث فإن النظام الحالي يبقى وحيداً، ما يجعل هناك تيارات تسعى لشغل هذا الفراغ، بينهم محسوبون على الرئيس الراحل حسني مبارك، كانوا قد فقدوا مواقعهم في السلطة، ويرون أنهم بديل جاهز.
هل "رد الاعتبار" يعيد أبناء مبارك؟
قبل شهر ونصف الشهر تقريباً تصدّر هاشتاغ #جمال مبارك مواقع التواصل الاجتماعي، حينما تحدث علاء مبارك بشكل مفاجئ عن تفاصيل صادمة، تتعلق بمنع شقيقه جمال مبارك من الترشح لانتخابات الرئاسة المصرية، وقال إن مسألة انتظار جمال مبارك حتى انتخابات 2030 ليستطيع الترشح أمر غير صحيح.
وفتح التصريح الباب أمام إمكانية تحضير جمال مبارك مفاجأة بشأن مشاركته في الانتخابات الحالية، وسط آراء متعارضة حول حقه القانوني في الترشح من عدمه، بعد أن قضت محكمة مصرية بإدانته في قضية القصور الرئاسية.
وطبقاً للقانون المصري، فإن الحكم يدخل في باب الجرائم المخلة بالشرف، وبالتالي فإنه لا يحق له ممارسة حقوقه السياسية قبل مرور 5 سنوات على انقضاء الحكم، إلا أنّه حتى بعد انقضائه يظلّ عليه تقديم ما يُعرف بـ"طلب رد اعتبار" لممارسة العمل السياسي، واكتساب حقوقه السياسية وتولي مناصب عامة.
والآن، وبعد انتهاء السنوات المقررة في القانون، يتبقى فقط حصول علاء وجمال مبارك على حكم "رد الاعتبار" من المحكمة، ليستطيعا مباشرة حقوقهما السياسية، وهو أمر متروك لتقدير المحكمة.
خبير قانوني قال لـ"عربي بوست" إن ترشح جمال مبارك لا يتوقف قانونياً فقط على مسألة رد الاعتبار، لأن قانون الانتخابات الرئاسية يشير في مادته الأولى إلى أنه على المرشح "ألا يكون قد حُكم عليه في جناية أو جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة ولو كان قد رُد إليه اعتباره"، وهو ما يعني أن اكتساب الحقوق السياسية شيء، والترشح لانتخابات الرئاسة أمر آخر مختلف.
وحسب المتحدث، الذي فضل عدم ذكر اسمه لحساسية الأمر، فإن ترشح جمال مبارك للانتخابات الرئاسية 2023، وفق القانون المصري، لا يمكن أن يحدث إلا في حالة تعديل قانون الانتخابات أو إلغائه.
وأضاف أن قانون مباشرة الحقوق السياسية الذي ينص على "الحرمان من الحقوق السياسية لمدة خمس سنوات فقط"، يختص فقط بالحق في التصويت بالانتخابات، وليس الترشح لها، وأن جمال مبارك إذا أراد الترشح لانتخابات الرئاسة سيكون عليه الطعن بعدم دستورية قانون الانتخابات الرئاسية، حتى يتمكن من الترشح للانتخابات الرئاسية.
لكن هناك من يرى أن هذا التشريع القانوني يتعارض مع المادة "92" من الدستور المصري لعام 2014 وتعديلاته في العام 2019. ووفقاً للخبير القانوني، فإن المادة تنص على أن "الحقوق والحريات اللصيقة بشخص المواطن لا تقبل تعطيلاً ولا انتقاصاً، ولا يجوز لأي قانون ينظم ممارسة الحقوق والحريات أن يقيدها بما يمس أصلها وجوهرها".
هذا الأمر تسبب في حالة من الجدل القانوني والدستوري حول أحقية جمال مبارك في الترشح، وإمكانية الطعن على القانون طبقاً للدستور المصري.
وكان علاء مبارك قد تفاعل مع تغريدة تحدثت عن شروط الترشح، معلقاً عليها بقوله: "هو في فقرة ناقصة عشان تبقى محبوكة كويس "ألّا يكون اسمه جمال"، في إشارة لوجود تعنت من جانب الحكومة المصرية لمنع أخيه من الترشح.
ترشح جمال مبارك جس للنبض
رئيس أحد الأحزاب المصرية المعارضة قال لـ"عربي بوست"، شريطة عدم ذكر اسمه، إن المشهد العام في مصر يتسم بالارتباك، وهو ما يمنح الفرصة للحديث عن ترشح جمال مبارك الذي ثار الشعب المصري ضد توريث السلطة إليه قبل عقد أو أكثر.
وأضاف المتحدث أن عدم وجود مرشحين يمكن أن يشكلوا منافسةً حقيقية أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي، يجعل هناك رغبة في أن يكون اسم جمال مبارك مطروحاً، ليس تأييداً له، بل رغبةً في إجراء انتخابات حقيقية وقوية، خلاف ما جرى في عامي 2014 و2018.
وأكد أن الوضع العام يشير إلى أن انتخابات الرئاسة المقبلة لن تختلف عن سابقتها، لكن تبقى المفاجآت واردة، وأن ما يحدث من جانب أسرة جمال مبارك بمثابة جس نبض شعبي، خاصة أن ظهور جمال وأخيه في مناسبات عامة وخاصة سابقة كان محل ترحيب من المواطنين العاديين.
وحسب المتحدث فإن جمال مبارك ليس لديه حظوظ تذكر أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي، كما أنه في حال أعلن أي من الشخصيات التي لديها قبول في المجتمع ترشحها، فإن جمال مبارك أيضاً لن يستطيع المنافسة.
ولفت إلى أن إعلان شخصيات مؤيدة للرئيس المصري ترشحها أمر لا يخدم العملية الانتخابية، ولن يخدم الحياة السياسية بوجه عام، في ظل الحاجة لأن تمنح الانتخابات المقبلة شرعية للفائز بها، تمكنه من مجابهة الأزمات الاقتصادية، وفي حال كان هناك إحباط سياسي فإن الحنين يتزايد إلى حقبة مبارك.
وتتولى الهيئة الوطنية للانتخابات إدارة شؤون ومراحل الانتخابات المصرية، وهي المنوط بها الإعلان عن فتح باب الترشح، وتحدد المادة 142 من الدستور المصري الشروط اللازمة للترشح للرئاسة.
ومن بين هذه الشروط يجب أن "يزكي المرشح 20 عضواً على الأقل من أعضاء مجلس النواب، أو أن يؤيده ما لا يقل عن 25 ألف مواطن ممن لهم حق الانتخاب في 15 محافظة على الأقل، وبحد أدنى ألف مؤيد من كل محافظة منها. وفي الأحوال جميعها لا يجوز تأييد أكثر من مرشح، وذلك على النحو الذي ينظمه القانون".
وبحسب التعديلات الدستورية التي أقرها مجلس النواب المصري في 2019، تنتهي الفترة الرئاسية الحالية للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في عام 2024، بدلاً من 2022، ويحقق له الترشح لفترة رئاسية ثالثة مدتها 6 سنوات.