كشفت مصادر عراقية لـ"عربي بوست"، عن كواليس تشكيل تحالف "الحسم الوطني"، الذي يضم العديد من الأحزاب والقيادات السنية في العراق، برئاسة وزير الدفاع الحالي ثابت العباسي، وذلك استعداداً لدخول انتخابات مجالس المحافظات (المحلية)، المقرر إجراؤها في 18 ديسمبر/كانون الأول المقبل.
العباسي شخصية تركمانية تنحدر من بلدة تلعفر في محافظة نينوى (مركزها الموصل)، كان يرأس حركة "الحسم للإصلاح" التي فازت في الانتخابات البرلمانية عام 2021، بثلاثة مقاعد، وكانت أحد مكونات تحالف "العزم" السني بقيادة السياسي العراقي مثنى السامرائي.
يضم "تحالف الحسم الوطني" شخصيات سنية بارزة، منها: أسامة النجيفي رئيس البرلمان الأسبق أسامة (الأمين العام للتحالف الجديد)، ورافع العيساوي نائب رئيس الوزراء ووزير المالية الأسبق، وجمال الكربولي زعيم حزب "الحل"، ووزير التخطيط الأسبق نوري الدليمي، وعدد من النواب والوزراء السابقين.
الجدير بالذكر بهذا الصدد، أنه يتنافس في الساحة السنية 4 تحالفات انتخابية حتى الآن، وهي: "تحالف الحسم الوطني" برئاسة ثابت العباسي، و"تقدم" بقيادة محمد الحلبوسي، و"السيادة" بزعامة خميس الخنجر، و"العزم" الذي يقوده مثنى السامرائي.
استعادة قيادة المكون السني
المصادر المقربة من "الحسم الوطني"، التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، أكدت لـ"عربي بوست" أن "التحالف الجديد توسيع لتحالف الأنبار الموحد المناوئ لرئيس البرلمان محمد الحلبوسي، وامتد إلى المحافظات بغداد وصلاح الدين ونينوى وديالى وكركوك بشكل أساسي".
فكرة تحالف الحسم الوطني الأساسية، حسبما تؤكد المصادر، أنها "بنيت على جمع خصوم الحلبوسي في كيان واحد، وخوض انتخابات مجالس المحافظات بشكل موحّد، واستعادة قيادة المكون السني الذي يهيمن عليه الأخير بشكل كامل، ويرفض مشاركة الحرس القديم معه".
لكن، بحسب المصادر، فإن رئيس تحالف "العزم" مثنى السامرائي، اشترط أن يكون الكيان الجديد تحت راية "العزم" أو لا يدخل فيه، ولذلك انسحب، وانحاز إليه في ذلك نهرو محمد، زعيم الطريقة "الكسنزانية" (جماعة دينية متصوفة)، ولم ينضم أيضاً إلى التحالف الجديد قبل إعلانه.
في حديث لـ"عربي بوست"، رفض مصدر من تحالف "العزم" بزعامة مثنى السامرائي التعليق على موضوع أسباب عدم دخوله ضمن "الحسم الوطني" بعدما كان أحد أبرز مكوناته قبل الإعلان الرسمي عنه.
كذلك كان من المقرر قبل إعلان "تحالف الحسم الوطني"، انضمام جمال الضاري، رئيس حزب "المشروع الوطني" العراقي، ليكون زعيماً للتحالف الجديد في بغداد، بالإضافة إلى مباحثات مع رئيس البرلمان السابق، سليم الجبوري، للدخول في التحالف، ولا تزال هناك جهود تبذل لضمهما، وفق المصادر ذاتها.
أما ما يتعلق بعلاقة "تحالف الحسم الوطني" مع تحالف "السيادة" الذي يقوده خميس الخنجر، فأوضحت المصادر أنهما لا يتقاطعان في المشروع، لكن الأخير لا يزال بعيداً عن التحالف، وربما يجري الالتئام معه في الانتخابات البرلمانية في 2025، ولكن ليس في انتخابات مجالس المحافظات المقبلة.
عند هذه النقطة تحديداً، يقول النائب في البرلمان العراقي عن تحالف "السيادة" يوسف السبعاوي، إن "السيادة لم يعرض عليه الدخول في تحالف الحسم الوطني، ولن ينضم حتى لو عرض عليه ذلك في الوقت الحالي، وذلك لأسباب عدة أتحفظ على ذكرها".
عن مدى الاندماج في الانتخابات البرلمانية 2025، قال السبعاوي لـ"عربي بوست" إنه "لا مشكلة لدينا مع رئيس "الحسم الوطني" ثابت العباسي، لكن مع وجود شخصيات بعينها داخل التحالف. أعتقد أنه لا يمكننا التوحد ضمن قائمة واحدة في المستقبل".
أهداف تحالف الحسم الوطني
قال كريم عفتان، وزير الكهرباء الأسبق، القيادي في تحالف "الحسم الوطني" لـ"عربي بوست"، إن "هناك فسحة كبيرة لانضمام الكثير من الحركات السياسية التي ترغب في الدخول ضمن تحالفنا، ولاسيما تلك التي تنسجم تطلعاتهم مع تطلعاتنا".
وأضاف: "تحالف الحسم ليس موجهاً ضد شخصية سياسية معينة، سواء في الأنبار أو غيرها، ولكن لدينا مبادئ عامة داخل التحالف، هي: تقوية الدولة ومكافحة الفساد ومحاربة السلاح المنفلت، وعودة النازحين إلى مناطق سكناهم، لكن من كان فاسداً فهو بالتالي ضدنا".
وأكد عفتان أن "الشخصيات المنضوية ضمن "الحسم الوطني" معظمها ليس عليها مؤشرات أو ملفات فساد، وتاريخها السياسي طيب، لهذا نحن من القوائم الجيدة في الساحة".
وتابع: "دخول 18 كياناً ضمن تحالف الحسم الوطني يعد لملمة لأطراف المكون السني وليس تشظية لها".
من بين هذه الكيانات، (حركة حسم للإصلاح، وجبهة الإنقاذ والتنمية، وحزب الحل، والحزب الإسلامي ، وائتلاف العراقية الحرة، وحركة العدل الإحسان، وائتلاف الوفاء للأنبار، وحركة العمل والوفاء).
عند سؤاله حول عدم انضمام سليم الجبوري وجمال الضاري وآخرين للتحالف، قال عفتان إن بعض المعوقات حالت دون ذلك، فهم أشاروا إلى أن لديهم أموراً فنية، وفي حال الانتهاء منها فسوف ينضمون إلينا، ولا يزال باب التحالفات للتسجيل بالمفوضية العليا للانتخابات مفتوحاً".
وشدد عفتان على أن "تحالف الحسم الوطني ليس لديه أي تواصل في الوقت الحالي مع العزم للدخول معه، لكن الشخصيات والحركات الأخرى لديهم تواصل معنا للانضمام إلينا، فنحن لم نخلق قطيعة مع أحد"، وفق قوله.
علاقات داخلية وإقليمية واسعة من بينها تركيا
بخصوص أسباب تولي ثابت العباسي رئاسة "الحسم الوطني"، قالت المصادر من التحالف السني الجديد، إنه يعتبر بمثابة "العصب المالي" للتحالف، فهو لديه علاقات خارجية، و"يحظى بدعم سياسي إيراني، وكذلك يتمتع بعلاقة وثيقة مع السلطة القضائية".
كذلك أكدت المصادر أن العباسي (تركماني) يحظى بعلاقة جيدة مع الجانب التركي، لاسيما الرئيس رجب طيب أردوغان، وهو أيضاً قيادي سابق في جبهة إنقاذ التركمان في العراق، إضافة إلى كونه زعيم إحدى أكبر قبائل التركمان في قضاء تلعفر في الموصل.
وبيّنت أن "رافع العيساوي، وزير المالية الأسبق، مهندس التحالف الجديد، الذي جمع الفرقاء السياسيين السنة تحت عنوان واحد، وسيكون له مركز متقدم في العملية السياسية خلال المرحلة المقبلة".
على مستوى القوى الشيعية والتعاطي مع التحالفات السنية، تؤكد المصادر أن "إقالة الحلبوسي من منصب رئيس البرلمان أصبحت أمراً بحكم المحسوم بالنسبة لها، لكن الشيعة يريدون أن يحصل ذلك عن طريق القوى السنية، وأن يأتي بديل عنه بعد انتخابات مجالس المحافظات".
أشارت إلى أن عملية إضعاف الحلبوسي من الشيعة ظهرت بخطوات رئيس الوزراء محمد شياع السوداني الأخيرة، ضد المقربين منه، خصوصاً في الأنبار، عن طريق اعتقال مسؤولين متنفذين قريبين وإظهار فسادهم، وذلك وفق ما رصده كذلك تقرير سابق لـ"عربي بوست".
السوداني بدأ حملته بإعفاء محمد هاشم العاني، رئيس صندوق إعادة إعمار المحافظات المتضررة من الإرهاب شمالي وغربي العراق، في 25 يونيو/حزيران 2023، وتبعه بعدها بيومين اعتقال مدير هيئة التقاعد في الأنبار، أنس ياسين عبد الهادي، ووجهت لهما تهم بالفساد والتلاعب بالمال العام، وكلاهما شخصيتان قريبتان من رئيس البرلمان، وسط تزايد الخلاف بين الحلبوسي والسوداني في العراق.
حزبا "تقدم" و"عزم"
في المقابل، قال مصدر مقرب من حزب "تقدم" برئاسة محمد الحلبوسي لـ"عربي بوست"، إن "أكثر الشخصيات في تحالف الحسم الوطني خاضت الانتخابات البرلمانية في 2021، ولم تحصل على شيء، لا سيما في محافظة الأنبار".
وأوضح المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أن "تقدم" حصل على 14 مقعداً من أصل 15 في الأنبار وحدها، "بالتالي هذه الوجوه ليس لها حضور لدى الناخبين، خصوصاً في المناطق المحررة من الإرهاب (المدن السنية)"، بحسب تعبيره.
وأضاف أن "حزب الحلبوسي صاحب تجربة فريدة في إدارة الأنبار وغيرها من المدن، لذلك لديه قبول في الشارع، فهو ماضٍ بمشروعه وسيحقق مقاعد في انتخابات مجالس المحافظات، لكن التحالف "الجسم الوطني" شكلته شخصيات أغلبها خاسرة، بالتالي لن تؤثر على رصيد تقدم".
أكد المصدر أن "الكثير من التحالفات عرضت على حزب "تقدم" الدخول معها لخوض الانتخابات المحلية، لكن الحزب رفض وسيدخل منفرداً، لأن لديه قاعدة جماهيرية عريضة، فضلاً عن وجود قوائم قريبة من الحزب مثل "قائمة الصحوة" برئاسة الشيخ أحمد أبو ريشة، وكذلك قائمة أخرى يرأسها خالد بتال وزير الصناعة الحالي".
أشار المصدر ذاته أيضاً إلى أن قائمة حزب "السيادة" بزعامة خميس الخنجر على علاقة جيدة مع "تقدم"، وأن "هناك تحالفاً استراتيجياً ثابتاً وقوياً بين الأخير وبين رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، وحتى الآن هو من أقوى التحالفات، والذي يكاد يكون العمل مشتركاً بينهما"، في حين يأتي كلامه هذا رغم التقارير الإعلامية التي تشير إلى أن الحزبين متنافسان بشكل كبير على قيادة السنة في الأنبار.
لكنه، رأى كذلك أن "تعدد التحالفات حالة صحية ولا تؤثر على وحدة المكون السني، فهو شيء اعتيادي يحصل قبيل الانتخابات، وإذا كان هناك تحالف يخدم "تقدم" في الانتخابات البرلمانية المقبلة فسينضم له، لكننا نرى أن حزبنا من أفضل الأحزاب السنية المؤثرة في الشارع"، بحسب قوله.
وبحسب المصدر، فإن "تحالف الحسم الوطني يروج أنه مدعوم إقليمياً وعربياً وسيحل محل تحالف "تقدم" و"السيادة" في المناطق السنية، لكن هذا غير صحيح، لأن الحلبوسي والخنجر لديهما علاقات إقليمية متينة وقومية ويحظون بدعم عربي وإقليمي، على عكس "الحسم" الذي يضم شخصيات ليست فاعلة خارجياً".
يشار إلى أن التحالف السني الجديد أعلن عنه رسمياً في 18 يوليو/تموز 2023، في مسعى من القوى السنية المناهضة لرئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي لتوحيد صفوفها في المحافظات العراقية، خاصة الأنبار، قبل خوض انتخابات مجالس المحافظات، المقرر إجراؤها في 18 ديسمبر/كانون الأول 2023.
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة للمعلومات التي تأكدنا من مصداقيتها من خلال مصدرين موثوقين على الأقل. يرجى تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو سلامتها.