خراب وركام في كل مكان، هذا ما شهدته كاميرا "عربي بوست"، الأربعاء، 5 يوليو/تموز 2023، خلال التجول لرصد الدمار في مخيم جنين، فآثار القصف والحرق والمركبات المدمّرة والبيوت التي تعرضت للتخريب، تلخص المشاهد ذاتها عند الانتقال من حي إلى آخر في المخيم بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي منه.
"نكبة جديدة"، هو الوصف الذي أطلقه سكان المخيم على ما شهدوه خلال الأيام الماضية، لا سيما أن الكثيرين اضطروا لمغادرته بسبب القصف الإسرائيلي واقتحام مئات الآليات العسكرية التي نفذت عدوانها على المدنيين، في مشهد يتكرر مع أبناء مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين في شمال الضفة الغربية، الذي وصلوه منذ نكبة عام 1948، وصولاً إلى الاجتياح الدموي عام 2002 للمخيم، وحتى عدوان الاحتلال الإسرائيلي في 2023.
عاينت كاميرا "عربي بوست" المخيم، وتحدثت مع الأهالي، بينهم المواطن أبو جهاد الغول، الذي قال إن قوات الاحتلال اقتحمت منزله المكون من 3 طوابق وسط المخيم، وقامت بتفتيشه كاملاً، وخرجت لتعود وتخبره أنه يجب عليه مغادرة المنزل تمهيداً لقصفه.
أضاف، وهو يسرد حجم الدمار الهائل في منزله بعد مغادرة جنود الاحتلال الإسرائيلي، أن الجنود الإسرائيليين اعتقلوا 3 من أبنائه، وسرقوا أمواله التي كانت في المنزل.
حتى أنه أوضح أن الجنود الإسرائيليين لم يتركوا حصالات الأطفال، فقد سرقوا ما فيها، إلى جانب ما وجدوه من محتويات ثمينة في المنزل.
بدوره، قال مروان الغول، الذي عاد لتوه من رحلة الحج قبل ساعات فقط من بدء العدوان الإسرائيلي، إنه لم يحصل حتى على راحته من السفر، فقد قام الاحتلال بقصف منزله.
يتابع الحاج مروان، وهو يقف أمام منزله المحترق في حارة الدمج داخل المخيم، بأن الاحتلال أجبره على مغادرة المنزل تمهيداً لقصفه، ليعود إليه صباح اليوم التالي، وقد احترق بشكل كامل.
قطع المياه والكهرباء عن المخيم
أبو سعيد (55 عاماً)، يقول في شهادة ثالثة، إن قوات الاحتلال استهدفت محيط منزله في المخيم، ما أدى إلى تضرر المنزل بشظايا الصواريخ التي أُطلقت من الجو تجاهه.
يتابع بأن قوات الاحتلال قطعت المياه والكهرباء عن المخيم، ما فاقم الأوضاع الإنسانية للسكان، خاصة أن هناك أطفالاً ومرضى ومسنين، بقوا لساعات دون طعام أو شراب، ودون تواصل مع العالم الخارجي.
تتكون عائلة أبو سعيد من 28 شخصاً، كعائلة مركبة يعيشون في بناية داخل المخيم، واصفاً ما جرى معهم من رحلة تشريد وعذاب، وخاصة بعد فقدان اثنين من أبنائه أثناء مغادرة المخيم.
يستعيد الشاب أبو فداء ذكرياته مع أجداده، وما قصّوه عليه من رحلة اللجوء إلى مخيم جنين منذ نكبة عام 1948، ويستعيد تلك المشاهد بذاكرته فور خروجه مع عائلته من المخيم، نازحاً بسبب الهجوم الإسرائيلي، لتعيش عائلته نكبة جديدة.
عائلات شُرّدت خارج المخيم
عائلات كثيرة حالها حال عائلة أبو فداء، فقد شُردت من منازلها بحثاً عن مكان آمن بسبب الدمار في مخيم جنين، وكانت وجهتها بداية إلى المستشفى الحكومي في المدينة، ثم إلى مراكز تابعة لبلدية جنين، قبل أن تهرع إلى قرى وبلدات محافظة جنين، لاستضافة تلك العائلات.
شهادات لناشطين تحدثوا لـ"عربي بوست"، جاء فيها أن عدداً من الأهالي المتبرعين عرضوا استضافة تلك العائلات التي كان يفوق عددها منازلهم.
ساعات قليلة منذ الاجتياح الإسرائيلي للمخيم، حتى تم تأمين تلك العائلات في منازل أو فنادق فتحت أبوابها مجاناً أمام تلك العائلات.
إلى جانب ذلك، نُظمت حملات إغاثية لتأمين الغذاء والدواء والملابس لتلك العائلات التي أُجبرت على المغادرة بملابسها فقط، دون السماح لهم بأخذ أي شيء من منازلهم ومقتنياتهم.
هي المشاهد ذاتها تعيد الذاكرة إلى الدمار في مخيم جنين والمجزرة التي شهدها في عام 2002، إذ يقول أبو فداء إن المشاهد ذاتها تتكرر مع ارتفاع في وتيرة الانتهاكات الإسرائيلية، فهي لا تستثني أحداً، لا الأطفال ولا الشيوخ.
وكان الاحتلال جلب جرافات مجنزرة إلى شوارع المخيم، وقامت بإزالة كل ما تجده في طريقها، في محاولة لاقتحام أحياء المخيم كافة، رغم أنها طرق ضيقة وعبارة عن أزقة صغيرة بمواجهة تلك المجنزرات.
لحق دمار هائل بعشرات المنازل في المخيم، سواء من شبكة الطرق التي جرفت لنحو نصف متر، نزولاً عن مستوى الطرق العادية، أو ما عبر عنه نائب محافظ جنين كمال أبو الرب، الأربعاء، 5 يوليو/تموز 2023، بأن العملية الإسرائيلية في مخيم جنين، شمالي الضفة الغربية "ألحقت أضراراً بـ80% من منازل المخيم، بين تدمير كلي وجزئي وحرق وتخريب ممتلكات وإتلافها".
يشار إلى أن مخيم جنين يتكون من نحو 1000 عقار بين شقة وبيت مستقل، ويسكن فيه نحو 15 ألف نسمة.
أشار أبو الرب أيضاً إلى أن "العملية الإسرائيلية دمّرت شبكات المياه والكهرباء والهواتف الأرضية والصرف الصحي".
إعادة التأهيل بعد الدمار في مخيم جنين
بحسب مراسل "عربي بوست"، فقد باشرت طواقم البلدية وشركة الكهرباء والبلدية ضمن لجنة طوارئ المحافظة في السلطة الفلسطينية منذ ساعات الصباح بإعادة تأهيل ما تم تدميره، بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي.
وأكد أن آليات وزارة الأشغال العامة الفلسطينية بدأت بإعادة تأهيل الطرق وإزالة الركام.
فيما باشرت طواقم شركة الكهرباء بإصلاح الأعطال التي طالت 4 محولات للكهرباء، وكيلومترات عدة من كوابل الضغط العالي.
ووفقاً لرجال الصيانة في الشركة، فإن إعادة الكهرباء تحتاج لساعات طويلة، ولن يكون ذلك قبل ليل الأربعاء.
يُذكر أن العدوان الإسرائيلي بدأ فجر الإثنين، 3 يوليو/تموز 2023، عندما قصف طيران الاحتلال منزلاً في المخيم عند الواحدة فجراً، وكانت شرارة العملية الإسرائيلية التي استمرت لنحو 48 ساعة متواصلة، بما حملته من قصف جوي واجتياح بري بمشاركة مئات الآليات العسكرية.
أسفر العدوان الإسرائيلي عن استشهاد 12 فلسطينياً، وإصابة نحو 120 آخرين بينهم 20 في حالة حرجة.
من جهتها، اعتبرت حركتا المقاومة الفلسطينية "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، انسحاب الجيش الإسرائيلي من مدينة جنين شمالي الضفة الغربية بعد يومين من عمليته العسكرية فيها، "إعلان الفشل والانتصار للفلسطينيين".