تروي المواطنة أم محمد، من سكان قرية ترمسعيا في الضفة الغربية، تجربتها الصادمة من محاولة المستوطنين إحراق عائلتها بالكامل خلال هجومهم يوم الأربعاء 21 يونيو/حزيران 2023، على القرية، مخلفين خراباً هائلاً خلفهم، في هجومهم المنظم ضد الفلسطينيين.
تقول أم محمد لـ"عربي بوست" إنها غير قادرة على استيعاب ما جرى مع بناتها اللاتي يزُرن فلسطين للمرة الأولى منذ 12 عاماً، عندما هاتفنها طالبات النجدة من هجوم إرهابي نفذه المستوطنون على منزلهن.
تصف ما جرى بأنه محاولة لإحراق العائلة كاملة أثناء تواجدها في البيت المكون من طابقين، فقد حوّط المستوطنون منزلها من الخارج، وحطموا زجاج نوافذه، وحاولوا إلقاء مواد حارقة فيه، لإشعاله بمن في داخله.
مشاهد لم ترها من الدمار الذي لحق بقرية #ترمسعيا إثر هجوم مستوطنين إسرائيليين على الأهالي pic.twitter.com/YhQPnStoxe
— عربي بوست (@arabic_post) June 21, 2023
تقول أم محمد، وهي تتلعثم في الحديث من هول الصدمة، إن بناتها يزرن فلسطين لأول مرة بعد سنوات طوال قضينها خارج البلاد، و"شهدن عدواناً همجياً وإجراماً من المستوطنين المتطرفين"، وأنها كانت مع زوجها في مدينة رام الله قبل أن تتلقى اتصالاً منهن وهن يشعرن بالذعر ويخفن من حرق المنزل بسبب حمل المستوطنين للمولوتوف خلال هجومهم على المنزل.
شبان البلدة هبُّوا للمساعدة
تروي أم محمد أن المستوطنين حطموا كذلك مركبة للعائلة، ولكنهم لم يجدوا طريقة لإلقاء قنابل حارقة داخل المنزل لإحراق من فيه.
وتضيف أن المستوطنين سمعوا صراخ بناتها وأولادها الذين بينهم أطفال، وحاولوا إلقاء الزجاجات الحارقة في داخل المنزل لإحراقهم، لكن هبة الشبان من البلدة حالت دون إكمالهم ذلك، رغم تمكنهم من إشعال حرائق عدة، إلا أن الشبان الفلسطينيين تمكنوا من إخماد تلك النيران.
يقول المحامي الفلسطيني-الأمريكي أسامة عبد العزيز من قرية ترمسعيا، لـ"عربي بوست"، إنه سمع صراخاً وأصواتاً لأبواق المركبات في الحي، وبعد أن وقف لاستطلاع ما يجري، وجد المستوطنين المقنعين يحملون السلاح ويطلقون الرصاص الحي، ويعتدون على البيوت المجاورة، إما بالحرق أو التدمير.
يتابع أنه عاد لفلسطين قبل أيام، فهو لم يزُرها منذ 14 عاماً بسبب إقامته في أمريكا التي يحمل جنسيتها أيضاً.
يشير عبد العزيز إلى أن المستوطنين أحاطوا منزله، وبدأوا بتحطيم زجاج النوافذ، وحرق كل ما يصلون إليه في ساحة المنزل، وقاموا بتحطيم مركبته المتوقفة داخل المنزل.
يصف كذلك ما جرى بأنه "جريمة وهجوم عدواني" لم يشهده من قبل، حيث تجمع مع عائلته في إحدى غرف البيت التي لا يصل إليها المستوطنون، واحتموا من الحجارة وإطلاق النار لمدة تزيد عن 20 دقيقة.
يقول إنه عائلته عاشت حالة من الرعب والخوف الشديد بسبب ما شهدته البلدة، مضيفاً أن المستوطنين كانوا بالمئات حين هجموا على المنازل، وقاموا بالتحطيم والحرق وإطلاق الرصاص.
خاص لـ"عربي بوست"
— عربي بوست (@arabic_post) June 22, 2023
شهادات من أهالي بلدة ترمسعيا عن اعتداءات المستوطنين. pic.twitter.com/QyoIesJyRI
يوضح أن هذه الأحداث العصيبة استمرت لأكثر من نصف ساعة، قبل وصول شبان فلسطينيين من البلدة، الذين اشتبكوا مع المستوطنين، ومنعوهم من إحراق مزيد من البيوت والمركبات.
يؤكد عبد العزيز أن عائلته عاشت صدمة كبيرة من هول الجريمة التي عاشتها، وأنه لولا تدخل المواطنين ومساعدة العائلات الأخرى، لكانت هناك عائلات بأكملها قد احترقت.
في شهادة ثالثة، يقول المسن الفلسطيني خالد جمعة عوض سعيد، إنه كان في منزله حين هجم المستوطنون عليه، وحطموا زجاج النوافذ وزجاج الشرفات في المنزل جميعها، مضيفاً أن الهجوم كان وحشياً ودموياً، وكان يهدف للقتل وإيقاع الأذى بالمواطنين الفلسطينيين وممتلكاتهم.
يضيف أنه من كثافة الهجوم بالحرق والتخريب، لم يستطِع حينها رؤية منزل عمّه المجاور لمنزله، بسبب كثافة الدخان والنيران بعد إحراق 3 مركبات لهم.
يضيف أن "جيش الاحتلال لم يحرك ساكناً لمنع المستوطنين، بل جاء وتركهم يمشون في سبيلهم، وغادر المنطقة من أجل إفساح المجال لهم في إكمال التخريب والحرق والاعتداء".
ويقول: "لولا هبَّة أهالي البلدة والبلدات المجاورة من كفر مالك أبو فلاح، وسنجل، وسلواد، لكانت الجريمة أكبر".
رئيس بلدية ترمسعيا: ما جرى مجزرة
من جانبه، قال رئيس بلدية ترمسعيا لافي أديب، لـ"عربي بوست"، إن ما جرى يحدث لأول مرة في قرية ترمسعيا، رغم أن الأهالي اعتادوا على جرائم المستوطنين طوال السنوات الماضية، بعد إقامة مستوطنة "شيلو" على أراضي ترمسعيا عام 1977، ولكن لم تكن الاعتداءات بهذا الحجم والشكل.
يتابع أن "المجزرة الجديدة في ترمسعيا، ربما تهدف لإيقاع الرعب في نفوس الأهالي لمنعهم من الوصول لأراضيهم، من أجل استيلاء المستوطنين عليها"، مشيراً في هذا الإطار إلى أن "هناك عدداً من البؤر الاستيطانية التي أقيمت حديثاً على أراضي البلدة، وعادة ما يقوم قاطنوها من المستوطنين بالاعتداء على الأهالي وسرقة أغنام أو محاصيل زراعية، ولكن أن ينفذ مئات المستوطنين عدواناً كالذي حصل فهذا شيء جديد".
يوضح أديب أن "ما جرى يعني تصعيداً، ويحتاج إلى يقظة وتنبّه من المواطنين، لأن المستوطنين يريدون فرض أمر واقع على البلدات والقرى، من أجل السيطرة عليها وإخراج سكانها من أراضيهم، بعد الاستيلاء عليها".
يؤكد كذلك أن "30 منزلاً جرى حرقها، وكذلك نحو 50 مركبة للأهالي، بينما هناك عشرات المركبات والمنازل التي تعرضت لاعتداءات بالتحطيم والتكسير".
عن هبَّة الأهالي في وجه العدوان، أشار أديب إلى أن "المواطنين بعد نداءات عبر مكبرات الصوت، هبّوا لنجدة المتضررين، وتصدوا للمستوطنين، ولولا هبَّتهم لحدثت مجزرة حقيقية مدبَّرة من عصابات الاستيطان والجيش الذي قام بإطلاق النار على الشبان، ما أدى لاستشهاد أحدهم وإصابة آخرين".
وزارة الصحة الفلسطينية بدورها، أعلنت أن حصيلة العدوان على ترمسعيا كانت استشهاد مواطن فلسطيني، وإصابة 15 فلسطينياً، بينهم اثنان بحالة خطرة.
قرية ترمسعيا
تبلغ مساحة القرية 22 ألف دونم بعد مصادرة نحو 5000 دونم من أراضيها من الاحتلال الإسرائيلي، وتسليمها للمستوطنين، فيما يقيم نحو 4 آلاف نسمة في البلدة، ونحو 14 ألفاً آخرين يعيشون في الخارج، معظمهم يحملون الجنسية الأمريكية وجنسيات أجنبية أخرى.
وتعرضت منازل للحرق والاعتداء في البلدة أصحابها يحملون الجنسية الأمريكية.
تشتهر قرية ترمسعيا بزراعة أشجار الزيتون، وفيها وفرة في السهول الزراعية التي باتت مطمعاً للمستوطنين الذين أقاموا بؤراً استيطانية على أراضيها.
تقع البلدة على الطريق الرئيسي الواصل ما بين مدينة رام الله ومدينة نابلس، أي الطريق الواصل ما بين الوسط والشمال، وتشهد اعتداءات متكررة من المستوطنين، خاصة على الطريق الرئيسي.
شهدت أيضاً في عام 2014 مواجهات عنيفة ما بين الأهالي والناشطين من مقاومة الجدار والاستيطان من جهة، وقوات الاحتلال والمستوطنين من جهة أخرى، أثناء استصلاح الفلسطينيين أراضيهم وزراعتها، ما أدى في حينه لاستشهاد الوزير زياد أبو عين، رئيس هيئة مقاومة الجدار، بعد اعتداءات قوات الاحتلال على الفلسطينيين.