كشف خبراء ومستكشفون سابقون أن الرحلة الاستكشافية للغواصة "تيتان" كان من المتوقع قبل انطلاقها أن تواجه مخاطر كبيرة، لأنها معرضة للضغط الناشئ عن الغوص إلى عمق يبلغ نحو 4 آلاف متر تحت سطح البحر -وهو عمق المياه التي استقرت فيها السفينة "آر إم إس تيتانيك" التي غرقت في أوائل القرن الماضي- ومن ثم فإنها تواجه خطر الضياع أو فقدان الاتصال بالسطح.
ومن السابق لأوانه الحكم على ما حدث للسفينة، لكن الخبراء شككوا في مدى اتباع الشركة المالكة للمركبة جميع تدابير السلامة اللازمة، بحسب ما نقلته صحيفة The Guardian البريطانية.
تضم قائمة الركاب ستوكتون راش، الرئيس التنفيذي لشركة "أوشن غيت" OceanGate المالكة للغواصة، وهو من بين المفقودين. وراش خبير له باع طويل في هندسة المركبات المماثلة، وقالت الشركة إن المركبة يتوفر على متنها العديد من ميزات السلامة المبتكرة.
"قد تؤدي إلى كوارث"
على الرغم من ذلك، فالشركة قد أوضحت للركاب المخاطر المحتملة للرحلة قبل الانضمام إليها. حيث قال مايك ريس، الذي سافر على متن "تيتان" العام الماضي، لشبكة BBC، إن الراكب للغواصة "يوقع على وثيقة تنازل ترد فيها مخاطر التعرض للوفاة 3 مرات مختلفة"، و"هم يتعلمون بالتجربة والخطأ، لكن الأمور تسوء"، فقد "شاركت في 3 جولات مختلفة مع هذه الشركة، وقد [فقدنا] الاتصال في كل مرة تقريباً".
في السياق، قالت صحيفة "الغارديان" إنها قد أُعلمت بأن القائمين على الرحلة أجَروا جميع الفحوصات اللازمة واتبعوا الإجراءات القياسية قبل انطلاق الغواصة، ومع ذلك فقد ظهرت مخاوف بشأن ما إذا كانت المركبة قد أوفت بمعايير السلامة الصناعية.
فيما قد نشرت صحيفة The New York Times الأمريكية، الثلاثاء 20 يونيو/حزيران، رسالة كتبها خبراء في صناعة المركبات الغاطسة عام 2018، حذروا فيها راش من عيوب "قد تؤدي إلى كوارث" محتملة في صناعة المركبة "تيتان".
مخاوف وتحذيرات
بدورها، أعربت جمعية التكنولوجيا البحرية -وهي مجموعة تضم خبراء في صناعة المركبات الغاطسة، من مهندسين وتقنيين وواضعي سياسات ومُدربين- في خطابها، عن "مخاوف بشأن تطوير (تيتان)، ورحلتها السياحية المزمعة إلى بقايا السفينة تيتانيك"، وحذرت من "النهج التجريبي الحالي الذي تتبعه شركة (أوشن غيت)".
وانتقدت جمعية التكنولوجيا البحرية إصدار الشركة مواد تسويقية تزعم فيها أن تصميم المركبة تيتان "يُلبي جميع معايير السلامة لدى منظمة DNV-GL ويتجاوزها"، على الرغم من أن الشركة لا يبدو أنها تنوي إخضاع السفينة للفحص لدى هذه المنظمة.
ومنظمة DNV منظمة مستقلة توصف بأنها أبرز جمعية لتصنيف الصناعات البحرية في العالم، وتُعنى بالمصادقة على المركبات الغاطسة من هذا النوع، وإصدار اللوائح ومعايير السلامة بها.
وكان من المفترض أن تُعرض المركبة "تيتان" للفحص لدى منظمة DNV للتثبت من اتباع "القواعد المقررة دولياً"، ويتضمن الفحص إجراء عمليات التفتيش الصناعي أثناء مرحلة الإنشاء والتجارب.
في الوقت ذاته، كتبت جمعية التكنولوجيا البحرية في خطابها: "نوصي بأن تنشئ الشركة -على الأقل- برنامج اختبار للنموذج الأولي للمركبة تتولى منظمة DNV-GL فحصه، ومراقبته".
"أخطاء المشغلين"
في المقابل، رفض متحدث باسم شركة "أوشن غيت" التعليق على الخطاب الموجه إليها في عام 2018، لما تواصلت معه صحيفة "نيويورك تايمز".
بعد مرور عام تقريباً على إرسال الخطاب، نشرت شركة "أوشن غيت" مدونة تشرح فيها أسبابها لعدم حصول المركبة "تيتان" على شهادة فحص من منظمة DNV.
وأقرت الشركة في مدونتها، بأن المنظمة استوثقت من "تصميم السفن وبنائها وإجراءات التفتيش وفقاً للمعايير المقبولة". لكنها لم تبذل جهدها لتقديم توصيات "تقلل من المشغلين الزائدين للمركبة".
وادعت الشركة أن "أخطاء المشغلين" كانت السبب في الغالبية العظمى من الحوادث التي تعرضت لها المركبة، في حين أبدت كذلك مخاوفها من أن عملية التصنيف يمكن أن تبطئ تطوير المركبة، وتعوِّق مساعي الابتكار.
شهادة ضمان الصناعة
لا يُعرف ما إذا كانت المركبة "تيتان" قد حصلت على شهادة ضمان الصناعة بعد ذلك أم لا، ولكن مراسل CBS News الذي كان من المقرر أن يسافر في رحلة على متن السفينة في عام 2022، قال إن التنازل الذي وقع عليه قد ورد فيه: "لم تستخرج الموافقات على رحلات هذه السفينة التجريبية، ولا اعتُمدت من أي هيئة تنظيمية".
وفي سياق الدفاع عن قرارها عدم حصول "تيتان" على شهادة ضمان الصناعة، زعمت الشركة أنها توفر ابتكارات سلامة عديدة على متنها، منها "أوعية ضغط من ألياف الكربون، ونظام مراقبة لسلامة بدن السفينة لحظة بلحظة (RTM)".
ومع ذلك، فقد شكك ديفيد لوكريدج، مدير العمليات البحرية السابق بشركة "أوشن غيت"، في قدرة بدن المركبة على تحمل مثل هذه الأعماق الكبيرة، في دعوى قضائية رفعها على الشركة في عام 2018، وقال فيها إنه طُرد من عمله بعد أن أثار مخاوف تتعلق بمعايير السلامة في السفينة.
ولم ترد الشركة على طلبات للتعليق على هذا الأمر من وكالة رويترز، فيما امتنع توماس جيلمان، محاميها في قضية لوكريدج، عن التعليق.