ينتظر المسؤولون اللبنانيون زيارة المبعوث الرئاسي الفرنسي الجديد إلى لبنان، وزير الخارجية السابق جان إيف لودريان، والتي يبدو أنها ذات طابع استكشافي حيال الملف اللبناني والرئاسي حصراً، طبقاً للمراقبين.
تتزامن هذه الزيارة مع جولة تقوم بها مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط بربارة ليف في المنطقة. وتأتي الجولة عقب توجيه باريس أصابع الاتهام لواشنطن أنها خلف توحيد المعارضة والتيار الوطني الحر لاختيار المرشح جهاد أزعور.
بين ليف ولودريان
رغم أن المعلومات تشير إلى عدم وجود ترابط مباشر بين جولة ليف وزيارة لودريان لبيروت، لكن مصدراً دبلوماسياً أشار إلى مجموعة من المسارات المتشابكة التي باتت تؤثر على بعضها في ظل التلاقي الأمريكي القطري السعودي في مقاربة الملف اللبناني.
ويعتقد المصدر أن لودريان آتٍ في جولته الأولى في إطار المهمة التي أوكله بها الرئيس الفرنسي، والتي سيغلب عليها الطابع الاستكشافي، رغم أنها تأتي عقب القمة التي جَمعت ماكرون بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والتي تطرّقت إلى الملف اللبناني ولو بشكل مقتضب.
وبحسب تصريحات المصدر المطلع لـ"عربي بوست"، فإن ماكرون لم يستطع انتزاع أي موقف سعودي من محمد بن سلمان يغطي المبادرة الفرنسية عربياً.
بالتوازي يعتبر المصدر أن هدف زيارة مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط بربارة ليف إلى دول المنطقة في شقها الرئيسي يأتي في إطار استكمال مهمة وزير الخارجية أنطوني بلينكن حول القضايا المتعلقة بإسرائيل وعلاقاتها مع الدول العربية، وما يُطرح حول تأمين ظروف التطبيع مع السعودية.
لكنها بالوقت نفسه -حسب المصدر- ستجري جولة مع المسؤولين الإقليميين حول ملفي لبنان وسوريا، وتحديداً ملف رئاسة الجمهورية في لبنان.
ويؤكد المصدر أن الموقف الأمريكي سيكون حازماً ناحية رفض أية تسوية تأتي بحليف لحزب الله للرئاسة اللبنانية، ما يعني قطع أي طريق على محاولات باريس إيصال سليمان فرنجية لمنصب الرئاسة.
لقاءات لودريان.. هل عدلت باريس مبادرتها؟
بالمقابل، يشير مصدر دبلوماسي غربي مطلع لـ"عربي بوست" إلى أن المبعوث الرئاسي الجديد لودريان بدأ مهمته الجديدة بلقاء وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا مرات متعددة، مستعرضاً معها مواقف الأطراف السياسية اللبنانية من الاستحقاق الرئاسي، إضافة لمواقف الأطراف الخارجية، وتحديداً واشنطن والدوحة والرياض.
وبحسب المصدر فإن لودريان الذي سيصل إلى بيروت، مساء الأربعاء 21 يونيو/حزيران، سيبدأ حراكه المباشر بلقاء رئيس المجلس النيابي نبيه بري، بالإضافة للقاءات ستجمعه ليل الأربعاء وصباح الخميس مع كل من: رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وقائد الجيش جوزيف عون ورئيس الحزب التقدمي الإشتراكي تيمور جنبلاط ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ورئيس حزب القوات سمير جعجع ورئيس حزب الكتائب سامي الجميل، ورئيس كتلة حزب الله محمد رعد، إضافة لممثلين عن نواب السنة، والنواب التغييرين إبراهيم منيمنة وأسامة سعد، ووزيري الخارجية عبد الله بو حبيب والبيئة ناصر ياسين.
وأشار المصدر إلى أن الموفد الفرنسي سيستمع إلى آراء كل المكونات لإعداد تقريرٍ مفصل، ومن ثم دراسته من قبل المسؤولين الفرنسيين، والتحرك على أساسه بالتعاون مع الدول الخمس التي تواكب الملف اللبناني.
وأشار إلى أن لودريان وجّه دعوات لفطور صباحي يوم الجمعة يضم سفراء السعودية وقطر ومصر والولايات المتحدة، للبحث في الملف الرئاسي والتنسيق فيما بينهم.
وبحسب الكاتب السياسي اللبناني نقولا ناصيف، فإن المهمة الجديدة للودريان هي ترجمة لمراجعة أجرتها الرئاسة الفرنسية لموقفها من الاستحقاق الرئاسي، وأوجبت تعديلات على أسلوب العمل، من بينها إحداث مرجعية جديدة في التعامل مع المعضلة اللبنانية.
وبحسب ناصيف، فإن تلك المراجعة لم تنشأ إلا بعد تراكم الأخطاء منذ ما أعقب الاجتماع الخماسي في باريس في 6 فبراير/شباط الفائت، وعلى إثره بدأت تتسرب معلومات عن مسار جديد للدبلوماسية الفرنسية من خلال تواصلها مع حزب الله أفضى إلى اقتراح ثنائية سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية ونواف سلام لرئاسة الحكومة.
ويعتبر ناصيف أنه ومنذ تلك المقاربة خرج الفرنسيون عما رسمه الاجتماع الخماسي، والذي اقتصر على مطالبته بمواصفات الرئيس دونما الخوض في الأسماء.
وكان قد وصل إلى باريس أيضاً استياء من الفاتيكان من الطريقة التي يدير بها الفرنسيون انتخابات الرئاسة اللبنانية على طريقة "الدراجات الهوائية" السائرة بإطارين. وكان الفرنسيون سابقاً أبلغوا بابا الفاتيكان أنهم لن يتبنوا مرشحاً دون سواه قبل أن يُخلّوا بذاك التعهد.
هل يطرح حوار في قصر الصنوبر؟
بالمقابل قال الباحث السياسي ربيع دندشلي إن المبعوث الفرنسي لودريان أبلغ أطرافاً لبنانية أنه يمتلك تصوراً مكتوباً حول الأزمة وخلفياتها والانقسامات السياسية حولها.
هذا ما قد يدفعه إلى طرح أفكار وتقديم أطروحات حاسمة، على وقع اتصالات تجريها القوى الداخلية بجهات فرنسية، وتحديداً الفريق المحيط بسليمان فرنجية، لمعرفة ما آلت إليه الاتصالات.
ويؤكد دندشلي أن حزب الله وحركة أمل أبلغا الجانب الفرنسي عبر السفيرة الفرنسية في بيروت آن غريو، بالتمسك بسليمان فرنجية وعدم التخلّي عن ترشيحه، وأن كل المصالحات والتقارب الجاري بين السعوديين والإيرانيين والسوريين سيصب في صالحه رئاسياً.
فيما يعتبر معارضو فرنجية أنهم نجحوا بقطع الطريق على فرنجية، وأن الفرنسيين تخلوا عن مقاربتهم السابقة بعد توحيد المسيحيين والمعارضة خلف مرشح حصل على 60 صوتاً.
بالتوازي يعتبر مصدر حكومي لبناني رفيع لـ"عربي بوست" أنه من غير المستبعد أن تكون المقاربة الفرنسية الجديدة بدعوة القوى السياسية المتخاصمة على الجلوس إلى طاولة حوار وطني في باريس أو في مقر السفارة الفرنسية ببيروت (قصر الصنوبر) في ضوء ما انتهت إليه جلسة 14 يونيو/حزيران.
تلك الجلسة التي أفضت إلى مشكلة أخرى تجاوزت الخلاف على انتخاب الرئيس، إلى نقاش مسيحي-سني حول شكل النظام اللبناني وتعذر استمراره بعدما أضحى معطلاً بقوة سلاح وسطوة حزب الله.
وبحسب المصدر، فإن اتصالات جرت عقب جلسة الأربعاء الماضي بين مسؤولين أمريكيين وقطريين وفرنسيين، وخلصت إلى موقف واضح يقول إنه من المستحيل لأي من الفريقين فرض مرشحه على الآخر أو دفعه إلى إعلان الهزيمة السياسية.
ويعتبر المصدر الحكومي أن جدوى الحوار المحتمل برعاية فرنسية يستمد إمكانية حصوله من سياق خارجي برعاية فرنسية إذا ما استطاعت باريس تأمين غطاء من دول اللقاء الخماسي، عبر التوصل لتسوية ترضي الكتل تؤدي لانسحاب فرنجية من السباق مع حفظ ماء وجهه، وتقدم للبنان رئيساً للجمهورية يُتفاهم عليه ولا يشعر حزب الله أنه مهزوم أو مأزوم.
ويعتبر المصدر الحكومي أن المبعوث الفرنسي لودريان سيسأل الأطراف عن إمكانية انعقاد طاولة كهذه سريعاً، وعلى ضوئها سيتحرك باتجاه واشنطن والدوحة والرياض.
بالمقابل، يؤكد المصدر أن لودريان سيسعى خلال لقاءاته مع الأطراف طرح أسماء لمرشحين محتملين للرئاسة على رأسهم قائد الجيش جوزيف عون، بهدف استطلاع الآراء في هذا الشأن، خصوصاً بعد السجال بين فرنجية وأزعور.
وهذا يشير إلى أن باريس لم تعد قادرة على استبعاد الأسماء المطروحة في وجه مرشحها المطروح -أي سليمان فرنجية- في ظل رفض إقليمي وعربي على اسمه، وسيستكمل لودريان مهمته في لبنان بالتنسيق مع المسؤول عن الملف اللبناني في السعودية المستشار الملكي نزار العلولا ووزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية محمد عبد العزيز الخليفي.
وسيترجم ذلك من خلال لقائه بهما بعد جولته اللبنانية في الدوحة والرياض قبل عيد الأضحى.
باسيل في الدوحة
في إطار متصل كان لافتاً إعلان التيار الوطني الحر عن زيارة لرئيسه جبران باسيل إلى قطر يومي السبت والأحد الماضي بناءً على طلب منه.
وتشير مصادر التيار لـ"عربي بوست" أن باسيل التقى مسؤولين قطريين معنيين بالملف اللبناني على رأسهم الوزير الخليفي، وناقش معهم الملف الرئاسي، إضافة لنقاشات متعلقة بتطورات المنطقة.
ويشير مصدر التيار أن باسيل يعول على الدور القطري الجامع والذي يتعاطى مع الأطراف اللبنانية جميعاً دون استثناء، بهدف الدفع باتجاه الحل اللبناني، وخاصة أن طرفاً كالجانب الفرنسي كان منحازاً لعكس رغبة معظم الأطراف السياسية الرافضة لفرنجية.