انتهت امتحانات بكالوريا الجزائر 2023 بحصيلة ثقيلة من الأحكام الصادرة بحق كل من ثبت في حقه الغش أو تسريب أسئلة وأجوبة الامتحان، الذي يحظى برمزية منذ عهد أول وزير للتربية، الراحل عبد الرحمن بن حميدة، حتى عهد الوزير الحالي عبد الحكيم بلعابد.
وصدرت أحكام بعشرات السنين في حق مجموعة من الأشخاص، سواء من ضُبطوا داخل قاعات الامتحانات في حالة غش، أو من أسهموا في التسريب من خارج لجنة الامتحان، ومنهم من يتواجد خارج الجزائر.
ودأبت الجزائر كل سنة على تعطيل خدمات الإنترنت طيلة أسبوع الامتحانات؛ للتقليل من ظاهرة الغش، كما أن مديريات التربية بمختلف ولايات الجزائر نصبت كاميرات مراقبة، وأجهزة التشويش، لمنع استعمال الهاتف الجوال وشبكة الإنترنت.
أحكام ثقيلة
أصدر قاضي الجنح لدى محكمة أولاد رشاش في ولاية خنشلة حكماً نافذاً تتراوح مدته بين 6 أشهر وعامين، على 3 أشقاء اتُّهموا بنشر وتسريب مواضيع امتحانات شهادة البكالوريا عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي.
وتم إصدار الحكم حضورياً على الأخ الأول الذي حُكم بعامين نافذين، ولشقيقته الأولى بستة أشهر نافذة، وشقيقته الثانية تم الحكم عليها بسنتين نافذتين، وإصدار مذكرة اعتقال دولية لأنها مقيمة خارج الجزائر.
أدانت محكمة ورقلة أيضاً شخصاً قام بنشر أسئلة مادة العلوم الإسلامية الخاصة بامتحانات شهادة البكالوريا، على مجموعة في تيليغرام، بـ18 شهراً حبساً نافذاً، وغرامة مالية تُقدر بـ200 ألف دينار جزائري.
وفي ولاية لبليدة ضَبَط الأساتذة المكلفون بحراسة الممتحنين في شهادة البكالوريا 4 مترشحين متلبسين في حالة غش، أغلبهم يستعمل جهاز البلوتوث ويتواصل مع من يُساعده من خارج قاعة الامتحان.
من جهتها، أدانت محكمة الخروب مترشحة شهادة بكالوريا وشريكتها بسنة حبس نافذة، وغرامة نافذة تُقدر بـ50 ألف دينار جزائري، بعدما تم ضبطهما بصدد محاولة الغش في امتحان شهادة البكالوريا بمادة الفلسفة.
الحبس لناشر أجوبة الفرنسية
بعد دقائق قليلة من انطلاق امتحان اللغة الفرنسية في بكالوريا الجزائر 2023، بدأت الأسئلة والأجوبة تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، رغم الاحتياطات التي اتخذتها الدولة لمنع تسريب الامتحان.
ولقد توصلت السلطات بعد بحث في موضوع التسريب إلى الشخص الذي شارك حلول امتحان مادة اللغة الفرنسية، شعبة آداب وفلسفة، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتم إخضاعه للتحقيق.
وتم عرض المتهم على المحكمة في وقت قياسي، وحُكم عليه من طرف محكمة عمي موسى بولاية غليزان سنة حبساً نافذاً، وغرامة مالية قدرها بـ50 ألف دينار جزائري، مع إيداعه في الجلسة بعد خضوعه لإجراءات المثول الفوري.
وفي امتحان الفرنسية أيضاً أُدين 3 أشخاص بثلاث سنوات سجناً نافذاً، وغرامة مالية قدرها 100 ألف دينار جزائري من طرف محكمة الذرعان، بولاية الطارف، بتهمة تسريب أجوبة مادة اللغة الفرنسية باستعمال جهاز "بلوتوث".
السجن لمسرب امتحان الإنجليزية
من جهتها، أدانت محكمة سيدي بلعباس مسرّب امتحان الإنجليزية في بكالوريا الجزائر 2023، بالسجن النافذ لمدة ستة أشهر، وغرامة مالية قدرها 500 ألف دينار جزائري.
وحسب بيان المحكمة، فإن عناصر فصيلة الأبحاث للدرك الوطني قامت بتقديم المتهم أمام النيابة، واتهامه بنشر وتسريب مواضيع امتحان مادة الإنجليزية على مواقع التواصل الاجتماعي، في الوقت الذي كان فيه الامتحان جارياً.
مخطط أمني
وأعلنت قيادة الدرك الوطني في الجزائر عن مخطط شامل لتأمين مجريات امتحانات بكالوريا 2023 الجزائر، ويتضمن جملة من الإجراءات تهدف إلى ضمان الأمن في محيط جميع المؤسسات التعليمية على المستوى الوطني.
وقالت قيادة الدرك الوطني الجزائري إن هذا المخطط يتمحور بالأساس حول "تأمين مراكز الامتحانات ومحيطها، ومرافقة وحماية عملية توزيع مواضيع المواد الممتحن فيها، انطلاقاً من مقرات مديريات التربية نحو مراكز الامتحانات".
إضافة إلى ذلك ستعمل عناصر الدرك على ضمان حماية ومرافقة الأسئلة المنقولة جواً لفائدة المراكز الموجودة في المناطق الصحراوية والجنوب، وكذا تأمين نقل أوراق الإجابات انطلاقاً من مراكز الامتحانات نحو مراكز التصحيح.
لماذا كل هذه الإجراءات؟
منذ 1992، وفي أوائل العشرية السوداء بالجزائر، التي شهدت صراعاً دموياً بين السلطة والتيار الديني، ممثلاً في حزب الجبهة الإسلامية، تم تسريب امتحان البكالوريا قبل يوم من الامتحان، الأمر الذي انتهى باستقالة الوزير المحسوب على التيار الإسلامي آنذاك.
السيناريو نفسه تكرر، وتم سنة 2016 تسريب امتحان البكالوريا، ولكن هذه المرة في سياق سياسي مختلف، حيث كانت الوزيرة نورية بن غبريت تُشرف على قطاع التعليم، وحينها أكد الوزير الأول الأسبق عبد المالك سلال، المدان بالسجن في قضايا فساد، أن بن غبريت ستبقى في منصبها، رغم الفضيحة التي حدثت في قطاع تشرف هي عليه.
ولقد لجأت الجزائر إلى هذه الإجراءات لمنع تكرار سيناريو بكالوريا سنتي 2016 و2017، بعد تسريب أسئلة عدد من المواد على مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي تسبب في فوضى داخل مراكز الامتحانات وخارجها.
ففي عام 2016 شهدت دورة يونيو/حزيران تسريباً لأسئلة البكالوريا قبل ساعات من الامتحان، وهو ما ضرب مصداقية الشهادة، وأرغم المسؤولين على إدراج دورة استثنائية بعدها بشهر، بعد ضغط أولياء التلاميذ.
وفي يونيو/حزيران 2017، ورغم الإجراءات التي قامت بها الوزارة، بالقطع الجزئي للإنترنت وسحب الهواتف الجوالة، فإن أسئلة عدد من المواد انتشرت عبر فيسبوك بعد دقائق فقط من انطلاق الامتحان.