انطلقت صباح اليوم الأحد 11 يونيو/حزيران، امتحانات بكالوريا 2023 الجزائر بمشاركة أكثر من 790 ألف مترشح، حسب الأرقام الرسمية التي أعلن عنها وزير التربية الوطنية عبد الحكيم بلعابد، ليلة أمس السبت، في حوار خص به التلفزيون العمومي.
وككل عام، تشهد امتحانات البكالوريا 2023، تدخُّل وزارات الداخلية، والاتصال، والعدل، إضافة إلى وزارة التربية والتعليم الوصية على القطاع والتي تسعى لمنع تسريب الامتحانات، والتعامل بحزم مع حالات الغش التي يعلن عنها المراقبون في المراكز الجهوية.
وتولي الجزائر المستقلة، منذ عهد أول وزير للتربية الراحل عبد الرحمان بن حميدة حتى عهد الوزير الحالي عبد الحكيم بلعابد، امتحان البكالوريا أهمية خاصة، فقد تم إصدار 18 مرسوماً وزارياً تنفيذياً يتعلق بهذا الامتحان المصيري.
فلماذا تحظى امتحانات البكالوريا في الجزائر بهذه المكانة؟
بكالوريا الجزائر.. القصة من حقبة الاستعمار
وتحظى امتحانات البكالوريا في الجزائر بمكانة اجتماعية كبيرة منذ أيام الاستعمار الفرنسي، إذ كانت فرنسا تمنع الجزائريين من اجتياز هذا الامتحان الذي كانت أسئلته توضع في باريس وتُنقل لأبناء المحتلين بالجزائر.
وكانت امتحانات البكالوريا تُمنع عن الجزائريين باستثناء أبناء القياد والأغوات الموالين للنظام الفرنسي، ورغم ذلك فإن نسبة التلاميذ الجزائريين كانت قليلة، حسب الأرقام الموجودة بالمركز الوطني للأرشيف في الجزائر.
وتشير الأرقام إلى أنه منذ الفترة الممتدة من 1881 إلى 1961، اجتاز شهادة البكالوريا 133230 طالباً بينهم أوروبيون وجزائريون، لكن نسبة نجاح التلاميذ المسلمين لم تكن تتجاوز 3% بما يساوي أربعة آلاف ناجح خلال 80 سنة، وهو ما لا يتعدى 3% من العدد الكلي للناجحين.
وتشير الإحصاءات إلى أنه منذ 1880 إلى 1890، لم يكن سوى أربعة جزائريين مرشحين لإمكانية الحصول على شهادة البكالوريا، وفي 1914 ارتفع العدد إلى 15 طالباً، 13 منهم ضمن تخصص الفلسفة واثنان في تخصّص الرياضيات.
ويعتبر أول طالب جزائري اجتاز امتحان البكالوريا في الجزائر وتفوق فيه هو الطالب سي محمد بن رحال الندرومي وذلك سنة 1874، كما أن أول طالبة جزائرية حصلت على البكالوريا هي علجية نورالدين بن علاق سنة 1936، لتصبح بذلك أول طبيبة جزائرية بعد تخرجها في الجامعة سنة 1946.
وبعد الاستقلال وقعت الجزائر اتفاقية مع فرنسا على إبقاء بعض الثانويات الفرنسية، لكن امتحان البكالوريا كان يوضع على أساس النظام الفرنسي إلى غاية السبعينيات من القرن الماضي، حيث كانت ثورة التعريب فتم إدخال اللغة العربية على الامتحان.
وفي 1979 وفي الدورة الثانية للجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الحاكم، تقرر التعريب الكلي لكل المنظومة التربوية؛ للتخلصمن اللمسة الاستعمارية الفرنسية، وتقرر جعل التربية الإسلامية مادة أساسية وإلزامية في جميع المستويات التعليمية.
وتوالت التغييرات على البكالوريا مع مرور السنوات، ففي 1982 أدخلت مواد كتابية جديدة للامتحان، وفي 1988 استحدثت شعب العلوم الإسلامية والإعلام الآلي والكيمياء الصناعية، والعلوم الفلاحية والمحروقات والبناء والأشغال العمومية، ليصبح امتحان البكالوريا يضم 13 شعبة، مع رفع معدل الانتقال إلى 10/20.
بكالوريا 2023 الجزائر.. الإنترنت ممنوع
مع شروق شمس صباح اليوم الأحد، لن تجد أي جزائري يمكنه الرد على رسائلك عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فشبكات الجزائر دأبت على تعطيل خدمات الإنترنت طيلة أسبوع الامتحانات؛ للتقليل من ظاهرة الغش.
كما أن مديريات التربية بمختلف ولايات الجزائر، باشرت ومنذ فترة، العمل بتعليمات وزارة البريد وتكنولوجيا الاتصال، ونصبت كاميرات مراقبة، وأجهزة التشويش؛ لمنع استعمال الهاتف الجوال وشبكة الإنترنت.
إضافة إلى ذلك، وبالتوازي مع بكالوريا 2023 الجزائر، فقد منعت السلطات الجزائرية التغطية الإعلامية داخل مراكز الامتحانات، عكس السنوات الماضية، مقابل ذلك سمحت بها خارج أسوار هذه المراكز.
وتُعتبر امتحانات البكالوريا في الجزائر مصيرية ومهمة وحاسمة في حياة أي طالب، وهي الشهادة التي تُمكن الطلبة من دخول الجامعات بمختلف تخصصاتها، حسب المعدلات المتحصل عليها في الامتحان.
طائرات حربية لنقل الامتحان
وتُسخر الجزائر طائرات عسكرية مؤطرة من قبل الجيش الشعبي الوطني، إضافة إلى عناصر من الدرك، مهمتها نقل أوراق الامتحان من المركز الرئيسي إلى مختلف ولايات الجمهورية.
وتُنقل هذه الأوراق في صناديق وظروف مشمعة، انطلاقاً من الديوان الوطني للامتحانات والمسابقات، وتكون تحت أعين رجال الأمن والجيش حتى وصولها إلى مراكز إجراء الامتحانات؛ تفادياً لأي تسريبات.
إضافة إلى ذلك، عملت وزارة العدل على تأسيس خلية اليقظة التقنية أو ما يصطلح عليها بخلية الطوارئ، تتجلى مهمتها في رصد ومراقبة مواقع التواصل الاجتماعي، لتحديد هوية المشوشين على امتحان شهادة البكالوريا.
وتعمل هذه الخلية على مدار اليوم طيلة أيام الامتحانات لضبط المتورطين في ممارسة الغش أو بتسريب ونشر الأسئلة والأجوبة، وتعمل بتنسيق مع وزارة العدل المخول لها اتخاذ الإجراءات الجزائية المناسبة.
وحدد القانون الجزائري في فصل محاربة الغش في الامتحانات، عقوبة تتراوح بين 3 و15 سنة في حق كل من تثبت عليه تهمة الغش داخل مراكز الامتحان أو المساعدة على الغش خارجها.
مخطط أمني
وأعلنت قيادة الدرك الوطني في الجزائر عن مخطط شامل لتأمين مجريات امتحانات بكالوريا 2023 الجزائر، ويتضمن جملة من الإجراءات تهدف إلى ضمان الأمن في محيط جميع المؤسسات التعليمية على المستوى الوطني.
وقالت قيادة الدرك الوطني الجزائري إن هذا المخطط يتمحور بالأساس حول "تأمين مراكز الامتحانات ومحيطها، ومرافقة وحماية عملية توزيع مواضيع المواد الممتحن فيها، انطلاقاً من مقرات مديريات التربية نحو مراكز الامتحانات".
إضافة إلى ذلك ستعمل عناصر الدرك على ضمان حماية ومرافقة الأسئلة المنقولة جواً لفائدة المراكز الموجودة في المناطق الصحراوية والجنوب، وكذا تأمين نقل أوراق الإجابات انطلاقاً من مراكز الامتحانات نحو مراكز التصحيح.
لماذا كل هذه الإجراءات؟
منذ 1992، وفي أوائل العشرية السوداء بالجزائر التي شهدت صراعاً دموياً بين السلطة والتيار الديني ممثلاً في حزب الجبهة الإسلامية، تم تسريب امتحان البكالوريا قبل يوم من الامتحان، الأمر الذي انتهى باستقالة الوزير المحسوب على التيار الإسلامي آنذاك.
السيناريو نفسه تكرر، وتم سنة 2016 تسريب امتحان البكالوريا ولكن هذه المرة في سياق سياسي مختلف، حيث كانت الوزيرة نورية بن غبريت تُشرف على قطاع التعليم، وحينها أكد الوزير الأول الأسبق عبد المالك سلال، المدان بالسجن في قضايا فساد، أن بن غبريت ستبقى في منصبها، رغم الفضيحة التي حدثت في قطاع تشرف هي عليه.
ولقد لجأت الجزائر إلى هذه؛ لمنع تكرار سيناريو بكالوريا سنتي 2016 و2017 بعد تسريب أسئلة عدد من المواد على مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي تسبب في فوضى داخل مراكز الامتحانات وخارجها.
ففي عام 2016 شهدت دورة يونيو/حزيران تسريباً لأسئلة البكالوريا قبل ساعات من الامتحان، وهو ما ضرب مصداقية الشهادة، وأرغم المسؤولين على إدراج دورة استثنائية بعدها بشهر، بعد ضغط أولياء التلاميذ.
وفي يونيو/حزيران 2017 ورغم الإجراءات التي قامت بها الوزارة، بالقطع الجزئي للإنترنت وسحب الهواتف الجوالة، فإن أسئلة عدد من المواد انتشرت عبر فيسبوك بعد دقائق فقط من انطلاق الامتحان.