تثير زيارة الرئيس اللبناني السابق ميشال عون إلى سوريا ولقاؤه رئيس النظام بشار الأسد مؤخراً، تساؤلات عن أهدافها ودوافعها، لا سيما من حيث التوقيت، إذ إنها لم تحصل خلال عهده الرئاسي في لبنان الذي انتهى منذ 31 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ليخلفه فراغ رئاسي مستمر حتى الآن، في ظل عدم توصل أعضاء البرلمان إلى مرشح توافقي ليكون رئيساً جديداً للبلاد.
زيارة عون التي جرت 7 يونيو/حزيران 2023، أتت وسط اختلاف في التوجهات بينه وبين التيار الوطني الحر من جهة، وبينه وبين حزب الله من جهة أخرى، بما يتعلق بالمرشح الرئاسي في لبنان.
أسباب زيارة عون إلى سوريا
تشير مصادر سورية مطلعة على زيارة عون إلى سوريا لـ"عربي بوست"، إلى وجود أسباب عدة وراء ذهاب عون إلى دمشق لأول مرة له منذ 14 عاماً، أهمها "تأكيده على عمق العلاقة بينه وبين النظام السوري و"محور الممانعة"، وهو ما تطلقه إيران وسوريا وحزب الله في لبنان على جهودهم المشتركة في "مقاومة إسرائيل ومواجهة المخططات الأمريكية في المنطقة"، وفق قولهم.
هدف آخر مهم، بحسب المصادر ذاتها، وراء زيارة عون إلى سوريا، يتمثل بالإشارة إلى أن معارضة تياره لانتخاب سليمان فرنجية لا تعني الخصام مع النظام السوري أو الافتراق عن حزب الله وإيران.
وقالت إن المعلومات التي لديها تفيد بأن عون أراد إقناع الأسد بمرشح آخر، أو بتوسيطه لحل نقطة الخلاف بينه وبين حزب الله للاتفاق على اسم مرشح غير سليمان فرنجية زعيم تيار المردة.
لكن مصادر سورية أكدت أن الأسد لا يريد التدخل في الملف اللبناني وتفاصيله، وأنه أحال عون إلى الاتفاق مع حزب الله.
مصدر دبلوماسي عربي آخر قال لـ"عربي بوست"، إن عون شرح للأسد ضرورة التوقف عند "الإجماع المسيحي الكبير" على اسم المرشّح لرئاسة الجمهورية، وهو جهاد أزعور، مؤكداً أهمية الحفاظ على حقوق ودور المسيحيين في عملية صنع القرار.
وأضاف أن عون عبَّر لدمشق عن رأيه بأن "فرنجية يعارض التوجه العام المسيحي"، مشيراً إلى أن "سوريا حرصت منذ عهد حافظ الأسد بالدفاع عن المسيحيين وحماية مكتسباتهم".
في المقابل، أكد الأسد أمام عون أن نظامه "لن يتدخّل بالشأن اللبناني الداخلي طالما لم يُطلب منه ذلك بشكل رسمي، ناصحاً ضيفه بمناقشة الأمور الداخلية مع أمين عام حزب الله حسن نصر الله"، وفق المصدر ذاته.
أشار كذلك إلى أنه "مع انهيار العلاقة بين باسيل وحزب الله، والعداء المستحكم بينه وبين الرئيس نبيه بري، وصل رئيس التيار الوطني الحر باسيل إلى اتفاق وتسوية تمنع وصول فرنجية للرئاسة، على اعتبار أن معارضي حزب الله وتحديداً رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع، خصم لا يمكن تفاديه ولا إلغاؤه، بل يمكن لباسيل التعايش معه، وعلى الطرف المقابل، فإن فرنجية خصم لدود له".
وأكد أيضاً أن باسيل يرى أن "محور الممانعة لا يتسع إلا لواحد منهما، هو أو فرنجية، وليس كلاهما، لذلك فإن عون يتحرك بسبب هذه المواقف لتأمين المستقبل السياسي والشخصي لباسيل صهره".
فرنسا تزيح دوريل.. هل تراجعت عن مبادرتها؟
في التزامن مع زيارة عون إلى سوريا، كان الحدث الأبرز الآخر، تعيين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزير الخارجية السابق، جان إيف لودريان، مبعوثاً شخصياً له إلى لبنان.
تشير مصادر دبلوماسية عربية مواكبة للملف الرئاسي لـ"عربي بوست"، إلى أن الخبر كان منتظراً في دوائر سياسية ودبلوماسية، في ظل المعطيات الواردة بحصول بعض التغير في الموقف الفرنسي تجاه المعادلة الرئاسية التي وضعتها باريس، التي كانت قائمة على سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، ونواف سلام لرئاسة الحكومة، بحسب مقاربتها السابقة.
لكن المصادر تفيد بأن ماكرون كلّف لودريان بإعداد تقرير شامل حول الوضع في لبنان، كما أنه من المزمع أن يزور لبنان قبيل موعد جلسة الأربعاء القادم 14 يونيو/حزيران 2023، للقاء المسؤولين فيه وإعداد تقريره.
تزامن قرار تعيين لودريان مع اتفاق القوى السياسية المعارضة لمرشح حزب الله للرئاسة فرنجية، على ترشيح جهاد أزعور، وتأتي أيضاً بعد زيارة البطريرك الماروني بشارة الراعي إلى باريس، وإشارته الأساسية إلى أنه لا يمكن فرض رئيس على المسيحيين دون رغبتهم.
إزاء هذا التغيير الفرنسي، يعتقد مصدر دبلوماسي عربي أن باريس بهذا التعيين تكون قد خطت خطوات كثيرة الى الوراء، أهمها إزاحة باتريك دوريل عن الملف اللبناني، بعد اتهامات طالته بالانحياز لفرنجية.
ويرى أن زيارة لودريان إلى بيروت ستحمل عنواناً بارزا بأن باريس لا تتبنى أي مرشح ولا توفر الدعم لأحد، إنما هي تسعى للوصول إلى تفاهم بين اللبنانيين وانتخاب الرئيس، وإنهاء الفراغ الرئاسي.
بحسب المصدر أيضاً، فإن تعيين لودريان مبعوثاً رئاسياً خاصاً للبنان، له معانٍ كثيرة، خصوصاً أن ما يتسرب من أجواء لدى الفرنسيين يشير إلى التمسك بمبدأ التوافق بين اللبنانيين، وضرورة التفاهم على انتخاب الرئيس، ما يؤسس لمرحلة طيّ صفحة فرنجية، لصالح فتح صفحة ثانية، لكن تلك الصفحة ستكون بحاجة إلى بلورة، وربما إلى وقت طويل كي تظهر، وليس بالضرورة أن تتمثل بأزعور.
وسبق أن نفت وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا، الخميس 8 يونيو/حزيران 2023، دعم بلادها لأي مرشح رئاسي في لبنان، مشددة على أهمية انتخاب رئيس في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة في البلاد.
وأتى النفي الفرنسي بعد تقرير نشر في مايو/أيار 2023، لصحيفة "لوموند" الفرنسية، سلطت الضوء فيه على التدخل الفرنسي في الانتخابات اللبنانية، والجدل المثار بشأن دعم باريس وتزكيتها لفرنجية.
متابعات خارجية
تشهد الفترة الحالية ما قبل انعقاد جلسة البرلمان 12 لاختيار رئيس للبلاد، تحركات خارجية عدة، متعلقة بالملف الرئاسي اللبناني، من بينها الزيارة المرتقبة لوزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان إلى طهران، حيث سيتناول النقاش الملف اللبناني إلى جانب ملفات أخرى.
يضاف إلى ذلك، ترقب المسؤولين اللبنانيين عودة الموفد القطري من السعودية، الذي سيستكمل جولته بناء على ورقة عمل مشتركة مع الأمريكيين والسعوديين، والقائمة على إيجاد مقاربة في الملف الرئاسي، بالإضافة للمرحلة المقبلة المتعلقة بالحكومة وشكلها والأسماء المقترحة للمواقع الرئيسية في البلاد، التي باتت تشهد فراغاً وشغوراً.
ومنذ سبتمبر/أيلول 2022، فشل البرلمان اللبناني في 11 جلسة بانتخاب رئيس جديد للبلاد خلفاً لميشال عون الذي انتهت ولايته في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2022.
ويشهد لبنان أجواء سياسية مشحونة بين الفرقاء، مع بروز اسم جهاد أزعور مرشحاً للمعارضة، مقابل مرشح جماعة "حزب الله" النائب والوزير السابق سليمان فرنجية.
ويحاول جعجع وباسيل تشكيل جبهة مع القوى المسيحية لتقويض حظوظ فرنجية في الفوز بمنصب الرئيس، وهو مرشح الثنائي الشيعي، حزب الله وحركة أمل.
يشار إلى أنه بحسب الدستور اللبناني، يُنتخب الرئيس بالاقتراع السري بغالبية ثلثي أعضاء مجلس النواب في الدورة الأولى، أي 86 من أصل من 128 نائباً، لكن تكفي الغالبية المطلقة (النصف+1) لانتخابه في دورات الاقتراع التي تلي ذلك، وهو المطلوب حالياً بعد فشل اختيار الرئيس لـ12 جلسة.
بحسب مادة سابقة لـ"عربي بوست"، فإن أزعور يتقدم فرنجية بعدد الأصوات حتى الآن، بـ 58 صوتاً، وهي أصوات القوات والكتائب والتيار الوطني الحر والحزب التقدمي الاشتراكي وكتلة تجدد، بالإضافة لنائب من التغيير، ونواب محسوبين على تيار المستقبل والجماعة الإسلامية، مقابل 44 صوتاً من حزب الله وحركة أمل وحلفائهما.
يذكر أنه من المقرر أن يعقد البرلمان الجلسة الثانية عشرة في 14 يونيو/حزيران 2023 لمحاولة انتخاب رئيس جديد للبلاد.