حدد رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري موعد جلسة جديدة لانتخاب رئيس الجمهورية في لبنان، وذلك بالتزامن مع إعلان تكتلات وقوى سياسية، أبرزها القوات اللبنانية والكتائب، وكتلة التغيير، والتيار الوطني الحر، التوافق على ترشيح وزير المالية، ليكون بذلك جهاد أزعور يتقدم فرنجية مرشح حزب الله وحلفائه لرئاسة الجمهورية من حيث عدد الأصوات التي تدعمه.
ترشيح أزعور والاتفاق عليه من قوى سياسية أظهر تحالف كتلة كبيرة من المسيحيين وجزء من السنة والدروز في مواجهة مرشح حزب الله للرئاسة، بل إنه حظي بدعم كبير من المرجعية الدينية المسيحية، أي البطريرك الماروني بشارة الراعي، بحسب ما تؤكده مصادر "عربي بوست".
ويعيش لبنان فراغاً رئاسياً مستمراً منذ 7 أشهر، بدأ في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2022، بسبب عدم توافق أعضاء البرلمان على مرشح رئاسي توافقي، إذ إنه بحسب الدستور اللبناني، يُنتخب الرئيس بالاقتراع السري بغالبية ثلثي أعضاء مجلس النواب في الدورة الأولى، أي 86 من أصل من 128 نائباً، لكن تكفي الغالبية المطلقة (النصف+1) لانتخابه في دورات الاقتراع التي تلي ذلك، وهو المطلوب حالياً بعد فشل اختيار الرئيس لـ12 جلسة.
أزعور يتقدم فرنجية
في هذا الإطار، يمكن إحصاء أصوات فرنجية وأزعور باعتبار أن الكتل الرئيسية قد أوضحت موقفها، حيث تتحدث مصادر من الكتل المتوافقة على اسم أزعور أنه يضمن حتى اللحظة على الأقل 58 صوتاً، وهي أصوات القوات والكتائب والتيار الوطني الحر والحزب التقدمي الاشتراكي وكتلة تجدد، بالإضافة لنائب من التغيير، ونواب محسوبين على تيار المستقبل والجماعة الإسلامية.
بحسب المصادر، فإن توزيع النواب المؤيدين لأزعور هو: 19 من القوات و15 من التيار، و4 من الكتائب، و4 من تجدد، و9 من الاشتراكي، و8 من التغيير، ونائب من السنة.
على الطرف المقابل، فإن أصوات فرنجية لن تتجاوز 44 صوتاً، على اعتبار أن من يؤد ترشيحه حتى اللحظة هما الثنائي الشيعي حزب الله اللبناني وحركة أمل، وكتلة فرنجية المكونة من 4 نواب، إضافة لنواب سنة محسوبين على حزب الله والنظام السوري، ما يعني أن المرشحيْن عاجزيْن عن تحقيق العدد المناسب من الأصوات للفوز حتى الآن، رغم أن أزعور يتقدم فرنجية.
حشد لدعم أزعور
من جهته، يؤكد مصدر قيادي في التحالف المعارض لحزب الله في حديثه لـ"عربي بوست"، أن الأحزاب السياسية والكتل البرلمانية ستعلن تباعاً دعمها لأزعور، انطلاقاً من توافق الأحزاب المسيحية عليه، ما سيؤدي إلى تبني الترشيح من نواب سنة ومسيحيين مستقلين، إضافة لباقي مكونات تكتل قوى التغيير، وذلك بناء على جو عربي وخليجي يرى أن أزعور يتقدم فرنجية، وفق قوله.
يشير، مفضلاً عدم ذكر اسمه، إلى أن نقاط قوة أزعور تنطلق من أنه ذو سيرة ذاتية مالية مهمة، خاصة تلك التي رسخها في موقعه في صندوق النقد الدولي مديراً إقليمياً في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهو يجول بشكل منتظم ويُجري لقاءات على مستويات عالية مع المسؤولين الخليجيين، وتحديداً السعودية وقطر، لذا يمتلك علاقات وثيقة معهم.
بحسب المصدر ذاته، فإن القوى السياسية اللبنانية بُلِّغت من الدول الخمس التي شاركت في اجتماع باريس (الولايات المتحدة وقطر وفرنسا والسعودية ومصر) بأن هذه العواصم تدعم أي خيار تتّفق عليه الأغلبية من المسيحيين.
الأمر ذاته سبق أن أعلنه السفير السعودي وليد البخاري، بحسب المصدر الذي يضيف أنه "بعد هذا التقاطع المسيحي-الإسلامي على أزعور، ظهر توتر حزب الله، وهذا ما يفسّر ردود الفعل التي كان سقفها عالياً، إذ صدرت عن نوابه، وأبرزهم رئيس الكتلة محمد رعد، والنائب حسن فضل الله، اللذين اعتبرا أن أزعور يتقدم فرنجية كمرشح تحدٍّ لخيار المقاومة، وفق وصفهما".
واشنطن وباريس في الرياض
بالتوازي مع قرب عقد الجلسة في البرلمان اللبناني، يصل إلى الرياض تباعاً وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن، ووزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا.
يؤكد مصدر دبلوماسي عربي لـ"عربي بوست" أن بلينكن، الذي سيلتقي المسؤولين السعوديين، سيناقش مع نظيره فيصل بن فرحان الدفع باتجاه أن تقوم الرياض بحثّ حلفائها في لبنان على انتخاب مرشح تنطبق عليه المواصفات التي وُضعت في اجتماع باريس الخماسي، مطلع فبراير/شباط 2023.
وفقاً للمصدر ذاته، فإن "واشنطن تقود منذ أيام سلسلة اتصالات دبلوماسية مع الرياض وباريس والدوحة، لخشية باريس من وقوع فوضى كارثية في لبنان، ترفضها واشنطن لاعتبارات كثيرة، إذ إنها ترفع شعار التهدئة وإعادة تفعيل المؤسسات، والمضي قدماً في برنامج التعاون مع صندوق النقد، وهو شرط لن تتخلى عنه، والمدخل يكون من خلال الانتخابات الرئاسية، وحكومة فاعلة غير معطّلة بفعل التوازنات السياسية".
لكن المصدر يؤكد أيضاً أن "الوزيرة الفرنسية كولونا ستلتقي نظيرها السعودي فيصل بن فرحان، والأرجح أن تلتقي أيضاً وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان"، في حين لم يصدر إعلان سعودي أو فرنسي رسمي بهذا الخصوص حتى الآن.
يشير المصدر كذلك إلى أن الوزيرة الفرنسية ستبلّغ السعوديّين موقف باريس المستجد، وهو وقف دعم ترشيح سليمان فرنجية، ودعم أي مرشح يتفق عليه المسيحيون، خاصةً بعد زيارة البطريرك الماروني لباريس، ولقائه ماكرون، بالتزامن مع اتفاق المعارضة مع التيار الوطني الحر.
من هذا المنطلق، ترى الكاتبة السياسية اللبنانية كلير شكر في حديثها لـ"عربي بوست"، أن الأمريكيين تواصلوا مع الجانب الفرنسي، لوقف حراكهم الرئاسي الداعم لسليمان فرنجية، بالتزامن مع العمل على دفع القوى المعارضة للتفاهم على مرشح جديد.
تقول أيضاً إن مسؤولين أمريكيين طلبوا من نواب معارضين فتح أبواب الحوار مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، حول مرشح توافقي بينهم، بعدما أرسل الأخير الكثير من الرسائل الدبلوماسية عبر جهات ثالثة، إلى الأمريكيين، تؤكد رفضه السير بترشيح فرنجية، ورغبته في فتح باب الحوار مع المعارضة حول مرشح بديل.
تضيف أنه "بناء على ما سبق، بات جلياً أنّ الإدارة الأمريكية تمارس الضغط باتجاه انتخاب رئيس بسبب تزايد القلق من الفراغ. وكذلك فإن الفرنسيين يتعاملون مع ترشيح أزعور على أنه الأفضل. وتحوّلت الأنظار إلى البرلمان وسط تهديد بفرض العقوبات على المعرقلين والمعطّلين من واشنطن، وهنا ترى الأوساط الدبلوماسية أن دعوة بري لجلسة 14 يونيو/حزيران 2023، هدفها الالتفاف على التهديدات الأمريكية بفرض عقوبات قد تطاله شخصياً"، وفق قولها.
سيناريوهات متوقعة
من جانبه، يرى المحلل السياسي ربيع دندشلي، أنه في حال عادت الأمور إلى المربع الأول، عبر إصرار حزب الله وحلفائه على دعم فرنجية، مقابل تمسك معارضيهم بترشيح أزعور، ستكون هناك سيناريوهات عدة.
أولها أن ينجح حزب الله باستمالة أحد الفرقاء إلى جانبه، وتأمين فوز فرنجية.
ثانيها عبر نجاح معارضي حزب الله بتأمين الأصوات اللازمة لأزعور، عبر رهانهم على تدخل عربي-أمريكي مع الأصوات المترددة، يُسهم في تسهيل إنجاز الاستحقاق، "لكن هذا سيكون بحاجة إلى جهد كبير في الخارج أكثر منه في الداخل، يقود إلى إرساء تسوية مع الحزب وإيران، بشأن أزعور كمرشح وسطي وتوافقي".
أما الاحتمال الأكثر ترجيحاً، بحسب دندشلي، فهو "أن تستمر الأزمة طويلاً، انطلاقاً من تصعيد حزب الله، الذي يرفض بموجبه ما يسميه فرض مرشح عليه، وحينها سيعلن أنه يعمل على مواجهة محاولة الانقلاب عليه، وهذا السياق سيؤدي إلى فوضى كبيرة ومواجهة سياسية، وربما أمنية، قد تفتح الباب أمام تسوية تأتي بقائد الجيش كمرشح وسطي، بتدخل إقليمي مع إيران، على غرار ما جرى في 2008 في اتفاق الدوحة".
يشار إلى أن لبنان يعيش فراغاً رئاسياً في ظل عدم التوافق على اسم مرشح رئاسي توافقي منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون، في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2022.