قالت صحيفة The Washington Post، الإثنين 29 مايو/أيار 2023، إن سكان بلدة ذات أغلبية مسلمة في جنوب غربي الصين اشتبكوا مع الشرطة في مطلع الأسبوع الحالي، عندما كانوا يحاولون منع هدم سقف مقبب لمسجد يبلغ عمره قروناً من الزمان، وذلك في إطار توسع جهود الحزب الشيوعي الصيني للسيطرة على المنطقة.
الصحيفة أشارت إلى أن عشرات من الضباط المرتدين أزياء مكافحة الشغب، تصدوا للحشود عندما كانوا يتدافعون نحو بوابة مسجد ناجياينغ، الذي يعد مقر عبادة وتعليم ديني مهماً لأقلية هوي المسلمة بمقاطعة يونان صباح السبت 27 مايو/أيار، وذلك وفقاً للفيديوهات المرسلة من نشطاء في الخارج والأخرى التي نُشرت على موقع تويتر.
أظهرت اللقطات اللاحقة انسحاب الشرطة من المنطقة، بينما نفذ المتظاهرون اعتصاماً خارج البوابة استمر طيلة الليل. وحسبما ظهر في فيديو آخر، وصل عشرات من الضباط المموهين من قوات الشرطة المسلحة يوم الأحد 28 مايو/أيار.
ويبدو أن الحادث كان مرتبطاً بحكم محكمة يعود إلى عام 2020، ارتأى أن بعض التجديدات الحديثة التي نُفذت بالمسجد غير قانونية، وأمر بهدمها.
حُوِّلت المكالمات التي تُجرى بأرقام الهواتف المحلية اليوم الإثنين 29 مايو/أيار، مباشرةً إلى الرسائل التي تقول إن الخطوط مشغولة. وتكهن النشطاء بأن الشرطة قطعت خدمات شبكة الاتصال الخلوية المحلية.
والأحد، وصفت شرطة مقاطعة تونغ هاي الحادثَ بأنه "يضر الإدارة المجتمعية المنظمة ضرراً خطيراً"، ونصحت كل شخص متورط بتسليم نفسه إلى وكالات إنفاذ القانون قبل 6 يونيو/حزيران؛ لضمان فرصة تخفيف العقوبة.
ما هو مسجد ناجياينغ؟
يعود تاريخ مسجد ناجياينغ إلى القرن الثالث عشر، وقد خضع لأعمال توسعة أكثر من مرة على مدار السنوات الماضية لإضافة مبانٍ، إلى جانب 4 مآذن وسقف مقبب. وفي 2019، صُنف جزءٌ من أبنيته ضمن الآثار الثقافية المحمية.
ولكن في السنوات الأخيرة، تصاعدت قيود الحزب الشيوعي الصيني التي يفرضها على مظاهر التدين تصاعداً حاداً. إذ إن زعيم البلاد، شي جين بينغ، طالب بالولاء السياسي التام للمجتمعات الدينية، وطالب بما يُعرف بـ"تصيين" الدين، أي إضفاء الطابع الصيني عليه.
تكثفت كذلك مراقبة القادة الدينيين. ودُشنت هذا الشهر قاعدة بيانات على مستوى البلاد للمعلمين الدينيين الإسلاميين والبروتستانت والكاثوليك، المعتمدين رسمياً.
ركزت الحملة على الإسلام والمسيحية، بسبب خوف الحزب العميق من أن تصير العقيدة موجهاً للنفوذ الخارجي. وبجانب تقييد التبادلات والتبرعات الدولية، أعادت السلطات تشكيل البنايات الدينية التي اعتُبر أن مظهرها الخارجي غير صيني بما يكفي.
كانت شينجيانغ، ذات الأغلبية المسلمة التي تتحدث بإحدى اللهجات التركية، الأكثر تأثراً بذلك. فقد كانت جهود التصيين هناك ممزوجةً ببرنامج "مكافحة التطرف" الذي شهد اعتقالات جماعية وإعادة تأهيل، وهو ما قالت الأمم المتحدة إنه يرقى إلى أن يكون جرائم ضد الإنسانية. وتشير التقديرات إلى أن عدد المساجد والأضرحة التي هُدمت في المنطقة يصل إلى الآلاف.
أقلية هوي
وعلى النقيض مما حدث في شينجيانغ، تجنبت أقلية هوي التي تتحدث اللغة الصينية المندرينية، هذه القيود الصارمة. ولكن في نهاية المطاف، امتدت الحملة القمعية إلى المجتمعات المسلمة في شمال غربي البلاد، وضمن ذلك أقلية هوي في تشينغهاي.
كانت أقلية هوي بمقاطعة يونان ضمن آخر المجموعات التي تواجه التدقيق من جانب السلطات؛ نظراً إلى أنها تقع في منطقة بعيدة ومتنوعة عرقياً. إذ تُضرب الأمثلة بهذه المنطقة في كثير من الأحيان على صعيد التنوع العرقي والديني، حيث يبرع السكان في الانتقال بين الهويات المختلفة، ويُشتهر عنهم المرونة السياسية عند الضرورة.
حتى إن الباحثين المدعومين من الحكومة أقروا بأن النهج المرن سمح تاريخياً لأقلية هوي في يونان بتجنب أسوأ تجاوزات الثورة الثقافية، عندما أُغلقت غالبية مساجد وكنائس ومعابد الصين.
في ذلك الوقت، استضاف مسجد ناجياينغ قراءات لأفكار الماوية ورسم شعاراتها على الجدران؛ كي يستطيع المصلون مواصلة التجمع وأداء الصلوات فيه، وذلك حسبما كتب لي هونغ تشون، الباحث بأكاديمية يونان للعلوم الاجتماعية (YASS)، في مقالة عن تاريخ المنطقة نُشرت في عام 2010.
وقال: "أثناء المنعطفات الحرجة، عند مواجهة صراع سياسي يمكن أن ينزلق إلى حالة عنف، التزمت أقلية هوي الصمت في ناجياينغ وانخرطت بنشاطٍ مع الحكومة لإبعاد سوء الفهم، والنجاح في تجنب المأساة"، وهو ما يُظهر "نوعاً فريداً من حكمة البقاء العرقي".
لكن تلك المساحة من أجل التفاوض والنتيجة غير العنيفة، يبدو أنها تتقلص.
في يوم الإثنين 29 مايو/أيار، وبينما كانت أنباء الاضطرابات تنتشر، طالب المعلقون القوميون بردِّ فعل قوي. ففي موقع التدوين المصغر سينا ويبو، طالبت شي وويي، وهي باحثة ماركسية نافذة في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية تُعرف بمواقفها المتشددة تجاه مظاهر التعبير الديني، بـ"عدم التسامح" مع ما وصفتها بالأنشطة الإجرامية.