مع دخول التصعيد الإسرائيلي في قطاع غزة يومه الرابع على التوالي، لم تنجح جهود الوساطات التي تقودها أطراف إقليمية ودولية للوصول لصيغة اتفاق نهائية بشأن وقف إطلاق النار بين حركة الجهاد الإسلامي وحكومة الاحتلال.
وعلى رأس هذه الوساطات، تقود المخابرات المصرية -كما جرت العادة في أوقات التصعيد- لقاءات بين قيادات الجهاد الإسلامي وممثلي الحكومة الإسرائيلية، لتقريب وجهات النظر المتعلقة بشروط كل طرف للالتزام بوقف إطلاق النار، إلا أن هذه الجهود فشلت في إنهاء موجة القتال مع دخول العملية العسكرية الإسرائيلية على غزة يومها الرابع.
وشهدت الساعات الأخيرة دخول المفاوضات مرحلة جديدة، بعد وصول رئيس الدائرة السياسية للجهاد الإسلامي محمد الهندي للقاهرة الخميس 11 من مايو/أيار 2023، لاستعراض الورقة المصرية للتهدئة. ولعل ما يزيد من ضبابية المشهد اشتراط الجهاد الإسلامي نقل المفاوضات من القاهرة لبيروت.
أزمة ثقة بين "الجهاد" والمخابرات المصرية
وبالرغم من إشارة مصادر متطابقة في الجهاد الإسلامي لـ"عربي بوست" إلى أن "هنالك أزمة ثقة بين الحركة والوسيط المصري، دفع بالنخالة أن يشترط في رسالة نقلها الهندي على لسانه للمخابرات المصرية نقل مفاوضات التهدئة لمقر إقامته في بيروت"، وهو حدث نادر يعكس تراجعاً في ثقة الفصائل الفلسطينية في دور مصر، وتحديداً تلك المتعلقة بالعلاقة مع إسرائيل.
وأكد مصدر قيادي في حركة الجهاد الإسلامي لـ "عربي بوست" أن القيادة السياسية للحركة وتحديداً الأمين العام زياد النخالة "لم يعودوا على ثقة بالدور الذي تلعبه المخابرات المصرية كطرف يمكن الرهان عليه في قيادة جهود التهدئة".
وأضاف أن الحركة ترى أن الوسيط المصري وتحديداً جهاز المخابرات لم يمارس دوره الذي تعهد به سابقاً، في إلزام إسرائيل بتنفيذ شروط وقف إطلاق النار التي جرى التوافق عليها في معركة وحدة الساحات في أغسطس/آب 2022، والتي كان من أبرز شروطها تعهد مصر بالضغط على إسرائيل للإفراج عن القيادي المعتقل بسام السعدي، وهو ما لم يتحقق حتى اللحظة.
وأشار المصدر إلى أن هنالك تياراً في الحركة يشكك في إمكانية أن تكون الاتصالات التي جرت بين قيادات الحركة والمخابرات المصرية قبل ساعات من موجة الاغتيالات الإسرائيلية، "ما هي إلا كمين استغلته إسرائيل لتحديد أماكن اختباء قادة الحركة وتحديداً طارق عز الدين الذين كان يستعد لزيارة القاهرة ضمن وفد يضم أعضاء المكتب السياسي يوسف الحساينة ووليد القططي"، على حد قوله.
وأشارت المصادر إلى أن الوفد المصري قدم عرضاً للفصائل الفلسطينية ينص على وقف إطلاق النار في غزة مقابل تنفيذ إسرائيل لعدد من المطالب، من بينها الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين ووقف الهجمات على الأقصى والمستوطنات الفلسطينية.
وفي غضون ذلك، أعلنت حركة حماس أنها ستواصل المقاومة حتى تحقيق الأهداف التي حددتها، مؤكدةً أنها لن تقبل بأي شروط تفرضها إسرائيل أو أي جهة أخرى.
الجهاد يرفع من سقف المطالب
وأوضح المصدر أنه منذ بدء موجة الاغتيالات الإسرائيلية تواصلت المخابرات المصرية مع قيادة الحركة، وساد تقييم للموقف لدى طيف واسع من القيادة السياسية في الداخل والخارج، بأن مصر لا يمكن لوحدها أن تقود جهود التهدئة، وأن على مصر أن تكون طرفاً من مجموعة أطراف دولية ترعى هذا الاتفاق ليكون ملزماً لإسرائيل.
ووفقاً لوسائل إعلام محلية، تشترط الجهاد الإسلامي أن يكون قرار وقف إطلاق النار مشروطاً بوقف سياسة الاغتيالات ضد قياداتها في غزة والضفة، إلا أن إسرائيل ترفض الالتزام بهذا الشرط، الذي لا يزال العقبة الأساسية في سير مفاوضات التهدئة.
بالإضافة لذلك تشترط الحركة أن تكون مسيرة الأعلام المقررة في 18 من مايو/أيار 2023، مشروطة بألا تتجاوز الخطوط الحمراء وألا يقيم المستوطنون طقوساً تلمودية مستفزة في باحات المسجد الأقصى، بالإضافة لإفراج إسرائيل عن جثمان الشهيد خضر عدنان.
وقال عضو في القيادة السياسية للجهاد الإسلامي بغزة لـ"عربي بوست" إن الحركة تطالب بأن تكون صيغة الاتفاق حال تم التوصل إليها مكتوبة وملزمة برعاية إقليمية وأممية، وتحديداً من قطر والأمم المتحدة، وأن تكون الخارجية المصرية طرفاً في هذا الاتفاق ورعايته وضمانته وليس جهاز المخابرات فقط.
الجهاد: مستعدون لحرب استنزاف
وتابع المصدر: "نولي اهتماماً بكل جهد تبادر به الأطراف ذات العلاقة لحقن الدم الفلسطيني، ولكن هذا لن يكون على حساب شروطنا، لأن إطالة أمد المعركة تصب في صالحنا، ولدينا القدرة الميدانية والعملياتية على الدخول في حرب استنزاف مع حكومة نتنياهو، الذي لن يخرج من هذه الجولة بصورة انتصار على حساب تضحيات قادتنا وشهدائنا"، على حد تعبيره.
وتابع أن ما يجري حتى اللحظة هي مفاوضات تحت النار، ومن المبكر الحديث عن دخول التهدئة حيز التنفيذ على الأقل في الساعات القادمة، فالطرف الإسرائيلي يرفض تقديم ضمانات بتنفيذ اغتيالات ضد قادة الحركة، ويشترط وقفاً لإطلاق النار دون شروط، وهي العقبة الأساسية في المفاوضات الجارية حالياً في بيروت.
على الجانب الآخر، ومع إطالة أمد المعركة وزيادة رقعة القصف على البلدات الإسرائيلية لتصل لمناطق المركز وتحديداً القدس المحتلة وتل أبيب، يزداد الضغط السياسي على نتنياهو، الذي كان يأمل أن تكون جولة القتال قصيرة في ظل اقتراب موعد مسيرة الأعلام التي يراهن أن تكون رافعة سياسية له ولحكومته اليمينية.
ويظهر الانقسام الإسرائيلي في ظل مطالبة زعيم المعارضة يائير لابيد بوقف العملية العسكرية في غزة، لأنها حققت نتائج جيدة ولا فائدة من إطالة أمدها، وفق قوله.
كما أوصى رئيس الشاباك رونين بار ورؤساء الأجهزة الأمنية رئيس الحكومة نتنياهو الخميس 11 مايو/أيار 2023، أنه من الصواب إنهاء العملية العسكرية في غزة في ظل ما تم تحقيقه من إنجازات، كما أوصوا بتجنب الهجمات الاستباقية باستثناء تلك المتعلقة بإحباط إطلاق الصواريخ.
ووفقاً لبيان وزارة الصحة في غزة، فقد وصل عدد الشهداء منذ بدء هذه المعركة لـ30 شهيداً من بينهم 6 أطفال، و4 نساء، و4 من قادة سرايا القدس، فيما تواصل دولة الاحتلال فرض طوق أمني مشدد على غزة بما فيها إغلاق المعابر التجارية، ما ينذر بدخول القطاع بأزمة إنسانية بعد نفاذ الوقود المخصص لمحطة توليد الكهرباء.