تُشير مسودة الموازنة العراقية إلى أن حجم قوات الحشد الشعبي شبه العسكرية قد تضاعف على مدار العامين الماضيين، لتصبح ثالث أكبر قوةٍ في البلاد، بحسب مضامين وثائق نشر تفاصيلها موقع Middle East Eye البريطاني، الأربعاء 10 مايو/أيار 2023.
إذ تُظهر الميزانية المقترحة لعام 2023، والتي قدمتها الحكومة للبرلمان وراجعها الموقع البريطاني، أن أعداد قوات الحشد أصبحت تساوي نحو نصف قوام الجيش النظامي. بينما تصل أعداد قوات الأمن التابعة لوزارة الداخلية إلى نحو ثلاثة أضعاف حجم القوات شبه العسكرية.
في حال تمرير الموازنة الجديدة، فسوف تحصل قوات الحشد الشعبي على 3.56 تريليون دينار عراقي (2.7 مليار دولار). ولا شك في أن الزيادة الكبيرة في أعداد مقاتلي الحشد الشعبي على مدار عامين فقط، والميزانية الضخمة المخصصة للقوات، تُثيران العديد من التساؤلات حول طبيعة الدور الذي ستلعبه في السنوات القليلة المقبلة.
زيادة كبيرة في قوات الحشد الشعبي
حصل الموقع البريطاني على ملاحق ميزانية 2021 ومسودة ميزانية 2023، التي تُخصَّص لأعضاء الحكومة والبرلمان. وأظهرت هذه الوثائق عدد الأشخاص المدرجين على كشوف الأجور الحكومية. وتكشف هذه الوثائق عن تضخم بمقدار 116.000 مقاتل في صفوف الحشد الشعبي خلال عامين، ليصل إجمالي القوات إلى 238.000 مقاتلٍ اليوم.
عند المقارنة، سنجد أن عدد جنود وموظفي وزارة الدفاع قد ارتفع بمقدار 25.000 فقط على مدار الفترة نفسها، ليصل إلى 450.000 إجمالاً. وعلى نحوٍ مماثل، سنجد أن أعداد قوات وزارة الداخلية زادت بمقدار 22.250 فقط، لتبلغ 700 ألف شرطي إجمالاً.
مع ذلك، لم يتأكد بعدُ مدى دقة تلك الأرقام في التعبير عن عدد المقاتلين الحقيقي. إذ يُشتبه في أن الحشد الشعبي وأفرع القوات الأمنية الأخرى تُضخِّم أعداد المقاتلين في صفوفها، وذلك من أجل اختلاس الأموال الحكومية لأغراضٍ أخرى.
هيمنة "الإطار التنسيقي"
ربما تتفوق قوات أمن وزارة الداخلية على قوات الجيش والحشد الشعبي من حيث العدد، لكن غالبية قوام الداخلية تتألف من وحدات مدنية وشرطية غير مقاتلة، بحسب ما ذكره قادة عسكريون ومسؤولون أمنيون من العراق للموقع البريطاني.
فيما تحدث بعض المسؤولين الأمنيين عن وجود نقاشات جارية لتعديل مسؤوليات الشرطة الاتحادية، بحيث تتولى قوات الحشد الشعبي بعض مهام الاستجابة المسلحة، مما قد يفسر الزيادة الكبيرة في أعداد مقاتلي القوات شبه العسكرية. لكن بعض المصادر رأت في زيادة أعدادهم مؤشراً على اتجاه مختلف.
حيث قال مسؤول أمني بارز للموقع البريطاني، إن قوات الحشد الشعبي هي الجناح العسكري الفعلي للإطار التنسيقي "سواءً أعجبنا الأمر أم لم يعجبنا". يُذكر أن الإطار التنسيقي هو تحالف سياسي شيعي يُهيمن على حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني.
أردف المسؤول: "من الطبيعي أن يحاولوا تقوية هذا الجناح بالمال والأفراد متى سنحت الفرصة. وتبدو هذه الزيادة منطقية ومبررة؛ نظراً إلى توافر الغطاء القانوني اللازم، لأن البرلمان والحكومة الحالية يقعان تحت سيطرة الإطار التنسيقي بالكامل تقريباً".
سياسة "شراء الأمن"
وصل حجم الميزانية المقترحة لعام 2023 إلى نحو 200 تريليون دينار تقريباً (153 مليار دولار). وقد مررتها الحكومة الشهر الماضي، على افتراض أن أسعار النفط لن تنخفض إلى أقل من 70 دولاراً للبرميل، مع القدرة على تصدير 3.5 مليون برميل من الخام يومياً.
ستكون هذه هي أكبر موازنة في تاريخ العراق، كما من المتوقع أن تصبح نموذجاً لميزانية عامي 2024 و2025 في حال تمريرها داخل البرلمان.
حيث أوضح جمال كوجر، عضو اللجنة المالية بمجلس النواب العراقي، خلال حديثه للموقع البريطاني: "تُعَدُّ المبالغ المقترحة في هذه الميزانية ضخمةً للغاية وتفوق الميزانية السابقة (2021) بمقدار 400%، لكنها لا تغطي سوى 10% فقط من الاحتياجات الفعلية للوزارات والهيئات الحكومية مع الأسف".
كما تحدث أحد نواب البرلمان -شريطة الحفاظ على سرية هويته- قائلاً إن الميزانية الجديدة مرتبطة بمبيعات النفط بكل وضوح، "مما يضع العراق تحت رحمة أسعار النفط العالمية مرةً أخرى".
رغم هذه التداعيات التي تنذر بخطرٍ جسيم، يقول نواب البرلمان إن من المنتظر خلق 829.000 فرصة عمل في القطاع العام، كما من المتوقع توسيع شبكة الرعاية الاجتماعية للتأمين على مليون عراقي آخر.
حيث أوضح مسؤول أمني بارز للموقع البريطاني: "تعتبر هذه التعيينات جزءاً من سياسة شراء الأمن التي تتبعها حكومة السوداني منذ اليوم الأول. إذ يريد السوداني تجنب المظاهرات، وتحقيق الاستقرار السريع والمؤقت".
كما أضاف: "ورغم خطورة تداعيات هذه السياسة والأجل القصير لتأثيرها داخل بلدٍ مثل العراق، الذي يعاني من وجود موظفين عموميين أكثر من اللازم وغياب التخطيط الاستراتيجي؛ فلا يستطيع أحدٌ إنكار قدرة هذه السياسة على شراء الولاء والهدوء والوقت. والسوداني في أمسّ الحاجة إلى هذه العوامل الثلاثة خلال العام الأول لحكومته على أقل تقدير".