أمريكا تفقد بريق نفوذها.. دول تتجنب الانحياز لواشنطن بصراعها مع روسيا والصين، وأخرى تستغل خلافاتها

عربي بوست
تم النشر: 2023/04/30 الساعة 09:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/04/30 الساعة 09:24 بتوقيت غرينتش
الرئيس الأمريكي جو بايدن - رويترز

كشفت وثائق أمريكية مسربة، أن نفوذ الولايات المتحدة في عدد من الدول يتراجع، ويتمثل ذلك في تجنب الدول الانحياز لأمريكا في مواجهتها مع الصين وروسيا، وذلك في وقت ذكر موقع "Axios" الأمريكي أن استطلاعاً للرأي أُجري في 137 دولة وإقليم، أظهر أن القبول العالمي لقيادة أمريكا للعالم سجل تراجعاً. 

صحيفة Washington Post ذكرت السبت، 29 أبريل/نيسان 2023، أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، تواجه تحديات خطيرة، في الوقت الذي تحاول فيه كبرى الدول النامية تحاشي الانحياز لواشنطن، بل وتستغل هذه الدول المنافسة بين أمريكا والصين وروسيا لتحقيق مكاسب لمصلحتها، وفقاً لتقييمات الاستخبارات الأمريكية السرية.

تقدم هذه الوثائق، وهي ضمن مجموعة الأسرار الأمريكية المسربة على منصة "ديسكورد"، لمحة نادرة عن الحسابات السرية التي تجريها كبريات الدول الناشئة، مثل الهند والبرازيل وباكستان ومصر، لتجنب الانحياز في عصر لم تعد فيه أمريكا القوة العظمى الوحيدة بالعالم.

تتحدث التقييمات الاستخباراتية المسربة، عن عقبات تواجهها إدارة بايدن في تأمين دعم عالمي لجهودها في منع انتشار الاستبداد، واحتواء حروب روسيا خارج حدودها، ومواجهة انتشار الصين العالمي المتزايد.

في إحدى الوثائق المسربة، تقول هينا رباني خار، وزيرة الدولة الباكستانية للشؤون الخارجية، في مارس/آذار 2023، إن بلادها "لم يعد بإمكانها اتخاذ موقف وسط بين الصين والولايات المتحدة".

نبّهت خار  إلى ضرورة أن تتجنب إسلام أباد الظهور بمظهر استرضاء الغرب، وقالت إن غريزة الحفاظ على شراكة باكستان مع أمريكا، ستحرم البلاد الفوائد الكاملة لما اعتبرته شراكة "استراتيجية حقيقية" مع الصين. 

تتحدث وثيقة أخرى، مؤرخة في 17 فبراير/شباط 2023، عن مداولات رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف، مع أحد مساعديه بخصوص تصويت في الأمم المتحدة على قرار يخص الحرب في أوكرانيا، وما توقعته الحكومة أن يكون ضغطاً غربياً جديداً لدعم قرار يدين الغزو الروسي.

تشير الوثيقة الاستخباراتية إلى أن المساعد قال لشريف إن دعم هذا الإجراء قد يوحي بتغير موقف باكستان بعد امتناعها السابق عن التصويت على قرار مماثل، وأشار المساعد إلى أن باكستان لديها القدرة على إبرام اتفاقيات تجارة وطاقة مع روسيا، وأن دعم القرار الغربي قد يعرض تلك العلاقات للخطر.

تُشير الصحيفة الأمريكية، إلى أنه حين صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 23 فبراير/شباط 2023، كانت باكستان من بين 32 دولة امتنعت عن التصويت.

كذلك حين زار وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن جنوب إفريقيا في العام 2022، أخبره المسؤولون بأنهم لن يتخذوا قرارات لا تناسبهم، وكانت جنوب إفريقيا قد أجرت مؤخراً تدريبات عسكرية مع روسيا، وقد ترفض طلباً من المحكمة الجنائية الدولية باعتقال بوتين إذا زارها خلال قمة ستنعقد هذا العام.

بالمثل، بدا أن الهند تتجنب هي الأخرى الانحياز إلى أحد الطرفين بين واشنطن وموسكو، خلال محادثة في 22 فبراير/شباط 2023، بين مستشار الأمن القومي الهندي أجيت كومار دوفال، ونظيره الروسي نيكولاي باتروشيف، وفقاً لإحدى الوثائق المسربة.

تقول الوثيقة إن دوفال أكد لباتروشيف دعم الهند لروسيا في المنتديات متعددة الأطراف، وأن نيودلهي تعمل لضمان عدم إثارة الحديث عن الحرب خلال اجتماع لمجموعة العشرين برئاسة الهند، رغم "الضغط الكبير" الذي يسببه ذلك عليها.

وبالفعل، خلال اجتماع وزراء خارجية مجموعة العشرين في نيودلهي بعد أسبوع، أدى خلاف حول أوكرانيا إلى الفشل في صياغة إجماع حول التحديات العالمية الأكبر.

تظهر الوثيقة المسربة أيضاً، أن دوفال أشار كذلك إلى رفض الهند لضغوط تعرضت لها لدعم قرار الأمم المتحدة المدعوم من الغرب بخصوص أوكرانيا، قائلاً إن بلاده "لن تحيد عن موقفها الذي اتخذته في الماضي".

استفادة من منافسة أمريكا والصين

أما دول آسيا الوسطى "فتتطلع إلى استغلال" هذه الخصومة والاستفادة من الاهتمام المتزايد من جانب الولايات المتحدة والصين وأوروبا، في سعيها لتقليل اعتمادها على روسيا، وفقاً لتقييم يعود لتاريخ 17 فبراير/شباط 2023، من مكتب مدير المخابرات الوطنية. 

لم تحدد الوثيقة هذه الدول، لكنها على الأرجح تشمل دولاً مثل كازاخستان التي تسعى لتقليص النفوذ الروسي وتطوير شراكات جديدة في الطاقة والتجارة، وتقول الوثيقة إن قادة المنطقة "حريصون على العمل مع من يقدم الخدمات الفورية، أي الصين في الوقت الحالي".

بحسب "واشنطن بوست"، يحاول بعض المسؤولين في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، تبني موقف الجسر الدبلوماسي بين الخصوم الثلاثة، ومن بين هؤلاء الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، الذي يسعى إلى إكساب بلاده دوراً عالمياً رائداً بعد فترة من الخطوات الانعزالية في عهد سلفه جايير بولسونارو.

في هذا الصدد، تعرض الوثائق المسربة اقتراح لولا لتشكيل "تكتل سلام عالمي" للتوسط في المصالح الأمريكية والصينية، ولإنهاء القتال في أوكرانيا، وأشارت إلى أن الزعيم البرازيلي ذا الميول اليسارية كان يعتزم مناقشة هذه المبادرة مع الرئيس شي جين بينغ، خلال زيارة إلى الصين، التي حدثت في أبريل/نيسان 2023.

تقول وثيقة مسربة أخرى إن رئيس الأرجنتين، ألبرتو فرنانديز، كان يخطط لتشكيل تحالف جديد لدول أمريكا اللاتينية، يضم الأرجنتين والمكسيك والبرازيل، لتأمين المزيد من القوة في المفاوضات مع الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي.

القبول بأمريكا يتراجع

يأتي الكشف عن محتوى الوثائق المسربة، فيما ذكر موقع Axios الأمريكي، السبت 29 أبريل/نيسان 2023، أن استطلاعاً أجرته مؤسسة غالوب في 137 دولة وإقليم، أظهر أن القبول العالمي لقيادة الولايات المتحدة تراجع في العام الثاني من ولاية بايدن. 

يُشير الموقع إلى أنه رغم ذلك فإن أمريكا لا تزال تتقدم بفارق كبير على الصين وروسيا، وأضاف أن الاستطلاع أُجري في منتصف إلى أواخر عام 2022، بعد الانسحاب الفوضوي الأمريكي من كابول، وبعد الغزو الروسي لأوكرانيا أيضاً.

كذلك أظهر الاستطلاع تراجع القبول بالقيادة الروسية عموماً، وإن ظل مرتفعاً بشكل لافت في مجموعة من البلدان الإفريقية، ففي مالي، التي ينتشر بها مرتزقة فاغنر الروس، بلغت نسبة القبول 90%.

في حين انخفض متوسط القبول بالقيادة الأمريكية من 41% إلى 39% في أوروبا، ومن 52% إلى 36% في الأمريكتين في العام الثاني لبايدن.

لكن الصين لم تتقدم على الولايات المتحدة إلا في عدد قليل من بلدان المنطقتين، ومن ضمنها روسيا بطبيعة الحال، وبلغ متوسط القبول بالقيادة الصينية 16% فقط في أوروبا و23% في الأمريكتين.

أما في إفريقيا، جنوب الصحراء الكبرى، فكان القبول بالقيادة الأمريكية (بمتوسط 59%) والصينية (52%) مرتفعاً نسبياً، وفي آسيا كانت الصورة أقل حسماً، إذ تقدمت الصين بفارق كبير في باكستان وإيران، على سبيل المثال، في حين كانت نسبة القبول بالقيادة الأمريكية أعلى بكثير في الهند.

وحظيت القيادة الأمريكية بشعبية خاصة في كوسوفو (90%)، وبولندا (80%)، ونيجيريا (78%)، وإسرائيل (65%)، والفلبين (62%)، فيما حظيت بشعبية محدودة في روسيا (4%)، وإيران (8%)، والأراضي الفلسطينية (13%).

تحميل المزيد