على بُعد أيام من الانتخابات التركية المقرر عقدها في 14 مايو/أيار 2023، تحتدم المنافسة بين المرشحين لانتخابات الرئاسة والبرلمان التركي. وبينما تحظى الانتخابات الرئاسية بالاهتمام الأكبر؛ نظراً لحكم تركيا بالنظام الرئاسي منذ عام 2018؛ فإن الانتخابات البرلمانية لا تقل عنها أهمية، بحسب تصريحات قيادات تحالفي الحكومة والمعارضة.
بحسب رئيسة حزب "الجيد" ميرال أكشينار، فإن الانتخابات القادمة ستكون هي الفيصل بين استمرار حكم البلاد بالنظام الرئاسي أو عودتها إلى نظام الحكم البرلماني المعزز؛ الذي ترغب المعارضة التركية في إعادة تركيا مرة أخرى إليه.
ومن أجل تحقيق ذلك يجب على المعارضة التركية الحصول على 360 نائباً في البرلمان القادم، بما يؤهلهم لتعديل الدستور وإعادة البلاد إلى النظام البرلماني الذي حكمت به تركيا نحو 95 عاماً من تاريخها.
في المقابل يشدد قادة تحالف "الشعب" بقيادة حزب العدالة والتنمية الحاكم على ضرورة بقاء الأغلبية في يد التحالف من أجل تجاوز المشكلات التي واجهها النظام الرئاسي في نسخته الأولى التي طبقت في 9 يوليو/تموز 2018، عقب انتخاب الرئيس رجب طيب أردوغان وفق النظام الرئاسي الجديد.
المتنافسون على البرلمان التركي
ويتنافس في الانتخابات البرلمانية التركية 24 حزباً، و151 مرشحاً مستقلاً. فيما تحالفت بعض الأحزاب في 5 تحالفات انتخابية رئيسية هي: تحالف "الشعب" ويتكون من حزب العدالة والتنمية الحاكم وحزب الحركة القومية والوحدة الكبرى وحزب الرفاه من جديد.
وإضافة إلى تحالف "الشعب"، هناك تحالف "الأمة" المعارض بمشاركة حزب الشعب الجمهوري وحزب الجيد والسعادة والمستقبل والديمقراطية والتقدم والحزب الديمقراطي.
وإلى جانب هذين التحالفين الرئيسيين، هناك كذلك تحالف "الأجداد" الرافض للاجئين، وتحالف "العمل والحرية"، الذي يضم الأحزاب الكردية، إضافة إلى تحالف "اتحاد القوى الاشتراكية".
النظام الرئاسي
ومع الاستفتاء على الدستور الذي شهدته تركيا في 16 أبريل/نيسان 2017، تحولت تركيا إلى نظام الحكم الرئاسي مع تطبيقه في 9 يوليو/تموز 2018، عقب انتخاب زعيم حزب العدالة والتنمية حينها رجب طيب أردوغان كأول رئيس لتركيا وفق نظام الحكم الجديد.
ويرى نبي ميش، الأكاديمي والباحث في نظم الحكم السياسية بمركز "سيتا" للدراسات في تركيا؛ أنه رغم تحول تركيا إلى النظام الرئاسي ظل البرلمان التركي (الجمعية الوطنية الكبرى) محتفظاً بصلاحياته كاملة وزاد النظام الرئاسي العديد من الصلاحيات الأخرى.
قوانين البرلمان أقوى
وأضاف ميش لـ "عربي بوست" أنه بحسب النظام الرئاسي في تركيا، يُمكن لرئيس الجمهورية إصدار مرسوم بقانون، ولكن في المقابل بإمكان البرلمان التركي إصدار قانون آخر في نفس الموضوع، وعندها سيكون قانون البرلمان هو الأكثر قوة في مواجهة مرسوم الرئيس الذي سيكون بلا جدوى، ويجب على رئيس الجمهورية نشره في الجريدة الرسمية.
حالة الطوارئ
وبحسب الباحث التركي، يمكن لرئيس الجمهورية التركية إعلان حالة الطوارئ؛ ورغم ذلك؛ يجب على البرلمان التركي قبول حالة الطوارئ. بعبارة أخرى، يمكن للبرلمان، الذي تمثل أغلبيته في المعارضة (حال حدوث ذلك)، منع الرئيس من استخدام سلطة إصدار حالة الطوارئ.
تعديل الدستور
وتابع الباحث التركي نبي ميش أنه بإمكان أغلبية البرلمان تعديل دستور البلاد شرط موافقة ثلثي أعضاء البرلمان البالغ عدده 600 عضو.
وإن لم يحدث ذلك في التصويت الأول فيمكن للأغلبية تعديل الدستور بموافقة 360 عضواً في التصويت الثاني. وفي حال حصول المعارضة على أغلبية البرلمان فيمكنها وقف ومعارضة كل قرارات الرئيس.
حل البرلمان
ويمكن لرئيس الجمهورية التركية حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات جديدة بحسب الدستور التركي كما يقول ميش، لكنه في المقابل سيخسر بذلك إحدى ولايتيه الانتخابيتين اللتين يسمح الدستور بهما للرئيس.
ويعطي الدستور حق رئاسة البلاد للفائز في الانتخابات الرئاسية لفترتين فقط؛ مدة كل منها 5 سنوات.
وأضاف أن صلاحيات البرلمان المنصوص عليها في الدستور التركي وفق النظام الرئاسي الجديد نجحت في وضع فصل واضح وشامل بين سلطات البلاد؛ بما يوفر حرية أكبر لرئيس الجمهورية من أجل اتخاذ القرارات العاجلة بصورة سريعة.
وتابع أن النظام البرلماني يحفظ تركيا من المشكلات التي واجهتها من قبل من خلال الحكومات الائتلافية التي أدخلت البلاد في العديد من الأزمات الاقتصادية الكبرى التي عصفت بها وبمواطنين، مشيراً إلى أن معظم الانقلابات التي وقعت في تركيا لم تأتِ إلا في عهد الحكومات الائتلافية.
ويرى "ميش" أن ترشيح العدالة والتنمية كل وزرائه في الحكومة التركية يظهر إلى أي مدى يهتم الحزب الحاكم بانتخابات البرلمان مقارنة بالانتخابات السابقة، إضافة إلى استنفار كل عناصر الحزب عبر عملهم المتواصل لإقناع الناخبين بمرشحيهم للانتخابات البرلمانية القادمة.
المعارضة التركية
ورغم تلك الصلاحيات الممنوحة للبرلمان التركي، فإن المعارضة التركية لا تتوقف عن وصف النظام الرئاسي المطبق في تركيا بنظام "حكم الرجل الواحد". كما يردد قادة المعارضة في الطاولة السداسية تلك المقولة في كل حملاتهم الانتخابية الحالية.
ومن أجل التخلص من هذا النظام -بحسب أستاذة القانون بجامعة "غلطة سراي" بإسطنبول شولا أوزسوي بيونسوز- يجب على المعارضة تحقيق الأغلبية في البرلمان القادم وإعادة البلاد على النظام البرلماني التي تراه أستاذة القانون الدستوري هو الأنسب لقيادة تركيا.
لكن بيونسوز تتوقع في حديثها لـ"عربي بوست" أنه في حال فوز مرشح تحالف الأمة المعارض كمال كليتشدار أوغلو بالانتخابات الرئاسية؛ فقد يكون من الصعب على تحالف المعارضة الحصول على أغلبية البرلمان خلال هذه الدورة؛ في ظل قانون التحالفات الذي تم إقراره في شهر أبريل/نيسان 2022.
تعديلات أبريل 2022
وتضيف أستاذة القانون أن التعديلات التي تمت الموافقة عليها بأغلبية نواب حزب العدالة والتنمية الحاكم مع حليفه حزب الحركة القومية؛ رفعت شرط تحقيق العتبة الانتخابية عن الأحزاب المتحالفة، وبالتالي سيكون داخل البرلمان القادم العديد من الأحزاب الصغيرة التي ستحول دون تحقق الأغلبية البرلمانية للمعارضة في البرلمان.
وترى شولا أوزسوي بيونسوز أن القائمة المشتركة التي دخلت بها المعارضة الانتخابات البرلمانية مع الحزب "الجيد" في 16 ولاية تركية قد تسهم في زيادة حصة المعارضة، إضافة إلى دخول مرشحي بقية أحزاب الطاولة السداسية كـ "السعادة والمستقبل والديمقراطية والتنمية والديمقراطي" على قائمة حزب الشعب الجمهوري.
وتضيف أستاذة القانون لـ "عربي بوست" أنه بعد فوز مرشح تحالف الأمة، كيليجدار أوغلو، في الانتخابات؛ وبما أن النظام يقوي الرئيس كثيراً جداً فإن الاستحواذ على البرلمان مهم جداً لقوى المعارضة.
وكما هو معروف بحسب بيونسوز – فإن أهم سبب لتوحيد مكونات تحالف الأمة منذ البداية هو الرغبة في الانتقال إلى نظام برلماني معزز. لذلك، فإن أحد أهم الوعود الانتخابية هو الانتقال إلى نظام برلماني معزز، وهناك دراسات ومسودات وخطط لهذا.
وتضيف أن المعركة الانتخابية وإن كان في ظاهره التنافس على سيادة المجمع الرئاسي في العاصمة أنقرة وتولي منصب الرئيس الثالث عشر في تاريخ الجمهورية التركية؛ فإن الانتخابات البرلمانية لا تقل عنها أهمية لكلا الطرفين؛ خاصة أن الدورة القادمة من البرلمان (الدورة الثامنة والعشرين)؛ ستكون إما داعمة بشكل كامل أو معرقلة لكل قرارات رئيس الجمهورية التركية المنتخب.
البرلمان التركي
ويحظى البرلمان التركي بأهمية كبيرة لدى جموع الشعب التركي المؤيد للحكومة منهم والمعارض. فالمجلس الذي تم افتتاحه في 23 أبريل/نيسان 1920، يعتبر – بحسب الدستور التركي – هو اللبنة الأولى التي وضعت في مسيرة تأسيس الجمهورية التركية.
وعلى مدار سنوات الجمهورية التركية التي ستتم 100 عام في 29 أكتوبر/تشرين الأول القادم، كان مجلس الأمة التركي أو ما يعرف بالجمعية الوطنية في تركيا اللاعب الأولى في السياسية التركي نظراً لحكم البلاد بالنظام البرلماني منذ نشأتها.
وبعد 23 عاماً من حكم الحزب الواحد في تركيا (حزب الشعب الجمهوري) لتركيا، ودخول البلاد حقبة التعددية السياسية عام 1946، لعب البرلمان دوراً بارزاً في إدارة الدولة؛ بعدما أصبح معبراً عن الإرادة الشعبية للمواطنين عبر صناديق الانتخاب.
وأُجريت أول انتخابات متعددة الأحزاب في تاريخ الجمهورية عام 1946 (لا تزال مثيرة للجدل حتى اليوم)، وحصل حزب الشعب الجمهوري الحاكم على 397 نائباً، بينما فاز الحزب الديمقراطي المعارض بقيادة عدنان مندريس على 61 نائباً.
ومع التعديل الذي أدخل على قانون الانتخابات، أجريت انتخابات 1950 بالاقتراع السري المباشر، وفاز الحزب الديمقراطي بقيادة مندريس بأول انتخابات بهذا النظام، بعدد 416 نائباً، وفاز حزب الشعب الجمهوري، الذي تحول إلى دفة المعارضة بـ 69 نائباً؛ فيما فاز حزب الأمة بمقعد برلماني واحد.
ومنذ انتخابات عام 1950 التي فاز بها مندريس، تمت إدارة تركيا بالنظام البرلماني باستثناء بعض الفترات التي شهدت تطبيق الأحكام العرفية بسبب الانقلابات العسكرية التي شهدتها البلاد خلال السنوات التي تلت هذه الانتخابات؛ وصولاً إلى تطبيق النظام الرئاسي في البلاد عام 2018.