قالت صحيفة New york times الأمريكية في تقرير نشرته السبت 22 أبريل/نيسان 2023، إنه مع انزلاق السودان في الحرب الدائرة الآن بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، تحركت دول من كل أنحاء العالم بسرعة للتعامل مع الأمر.
في حين سارعت مصر لإعادة 27 من جنودها إلى الوطن، الذين أسرهم أحد الأطراف المتحاربة في السودان، في إشارة إلى قوات الدعم السريع، قال مسؤولون أمريكيون إن أحد أمراء الحرب الليبيين، في إشارة إلى خليفة حفتر، عرض أسلحة على الجانب المفضل لديه، في إشارة إلى دقلو.
دعوات بوقف القتال في السودان
في سياق متصل، دعا دبلوماسيون من إفريقيا والشرق الأوسط والغرب إلى وقف القتال الذي حول أجزاء من العاصمة الخرطوم إلى ساحة معركة مشتعلة.. حتى زعيم قوات فاغنر، رئيس الشركة العسكرية الخاصة الأكثر شهرة في روسيا، قد شارك وعرض علانية المساعدة في التوسط بين الجنرالات المتنافسين على السلطة، لكن المسؤولين الأمريكيين يقولون إنه عرض الأسلحة أيضاً.
حيث قال يفغيني بريغوجين، مؤسس فاغنر، في بيان: "الأمم المتحدة والعديد من الآخرين يريدون دماء السودانيين". وأضاف السيد بريغوجين، الذي يشن حملة عسكرية شرسة نيابة عن روسيا في أوكرانيا، دون أي إشارة إلى السخرية: "أريد السلام".
قد يبدو اندفاع النشاط الدولي مفاجئاً، لكنه يعكس ديناميكية تلوح في أفق السودان قبل وقت طويل من انقلاب جنراليها البارزين على بعضهما البعض الأسبوع الماضي: السودان كان لقمة سائغة للقوى الأجنبية.
إنهاء ديكتاتورية عمر البشير
كان من المفترض أن تبشر ثورة 2019 – التي أنهى فيها عشرات الآلاف من المتظاهرين ديكتاتورية الرئيس عمر حسن البشير، التي استمرت ثلاثة عقود – بمستقبل مشرق وديمقراطي. لكنها أوجدت أيضاً فرصاً جديدة للقوى الخارجية لتحقيق مصالحها الخاصة في ثالث أكبر دولة في إفريقيا – دولة تطفو استراتيجياً على نهر النيل والبحر الأحمر، وتتمتع بثروة معدنية هائلة وإمكانات زراعية، والتي لم تخرج إلا مؤخراً من عقود من العقوبات.
حيث سعت روسيا إلى الوصول البحري لسفنها الحربية في موانئ البحر الأحمر بالسودان. قدم فاغنر المركبات المدرعة والتدريب مقابل امتيازات تعدين الذهب المربحة. قال مسؤولون إن الإمارات العربية المتحدة دفعت لأحد الجنرالات السودانيين المتحاربين، الفريق محمد حمدان، لمساعدتها في القتال في اليمن. في حين دعمت مصر الجنرال الآخر، اللواء عبد الفتاح البرهان، بإرسال جنود وطائرات حربية في عرض دعم متنازع عليه بشدة.
فرصة لإسرائيل لكسب النفوذ
في حين رأت إسرائيل، المنبوذة منذ فترة طويلة في العالم العربي، فرصة لكسب شيء كانت تطمع إليه من السودان وهو: الاعتراف الرسمي. ودفعت الدول الغربية بما قد يكون أصعب فكرة على الإطلاق – الانتقال إلى الديمقراطية – بينما تأمل أيضاً في مواجهة النفوذ المتزايد للصين وروسيا في إفريقيا.
عندما انحازت بعض القوى الأجنبية إلى أحد جانبي الصراع، ووصل الأمر إلى درجة تسليم الأسلحة، فقد تسببت في إضعاف القوات المؤيدة للديمقراطية في السودان وساعدت في دفع البلاد نحو الحرب، من خلال دعم الخصوم العسكريين الذين يتقاتلون الآن في شوارع الخرطوم.
في الأسبوع الماضي، قتل أكثر من 400 شخص وأصيب 3500، بحسب الأمم المتحدة، في معارك ضارية بين الجانبين – الجيش النظامي بقيادة اللواء البرهان، وقوات الدعم السريع شبه العسكرية بقيادة الملازم أول اللواء حمدان.
دور بارز للإمارات في السودان
من بين أهم اللاعبين الأجانب في السودان الإمارات العربية المتحدة، الدولة الخليجية الغنية بالنفط والتي وسعت نفوذها بقوة في القرن الإفريقي في السنوات الأخيرة.
يعود اهتمامها بالسودان إلى أكثر من عقد من الزمان، بدءاً من الإمكانات الزراعية الهائلة للبلاد، والتي يأمل الإماراتيون أن تخفف من مخاوفهم بشأن الإمدادات الغذائية. لكن الإماراتيين اختلفوا مع السيد البشير بعد أن رفض دعمهم في خلافهم مع جارهم قطر. بمجرد الإطاحة به، أعلنت الإمارات والسعودية عن مساعدات واستثمارات بقيمة 3 مليارات دولار لمساعدة السودان على الوقوف على قدميه.
الإمارات تدعم دقلو
في عام 2018، دفع الإماراتيون للجنرال حمدان لإرسال آلاف الجنود للقتال في اليمن – وهو صراع قال مسؤولون سودانيون إنه أثرى الجنرال. وامتنعت وزارة الخارجية الإماراتية عن التعليق.
كما نال الجنرال حمدان ثراءً من الذهب المستخرج في السودان وشحنه إلى دبي. فيما زار المسؤولين الروس في موسكو في بداية الغزو الأوكراني ودخل في شراكة مع فاغنر مقابل الحصول على ترخيص لتعدين الذهب في السودان.
قال عدد من المسؤولين الغربيين إن ثروة الجنرال حمدان تشمل الماشية والعقارات وشركات الأمن الخاصة. ساعدته تلك الأموال، التي يحتفظ بمعظمها في دبي، على بناء قواته شبه العسكرية، التي أصبحت الآن أفضل تجهيزاً من الجيش السوداني النظامي – وهي نقطة احتكاك أخرى بين الجانبين.
زعيم دولة الإمارات العربية المتحدة، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، هو واحد من ثلاثة رؤساء فقط التقوا علناً بالجنرال حمدان، مؤخراً في فبراير/شباط، ومنح رجل الدولة هالة من الواضح أنه كان يتوق إليها. (الآخرون هم قادة إريتريا وتشاد).
لكن أقرب حليف للجنرال حمدان في الإمارات، وفقاً لدبلوماسيين في السودان، هو نائب رئيس البلاد الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، صاحب نادي مانشستر سيتي البريطاني لكرة القدم، والذي لديه اتصالات طويلة الأمد مع الجماعات المسلحة في دارفور.
استثمار إماراتي مع الجيش السوداني
مع ذلك، يحب الإماراتيون التحوط في رهاناتهم، وقد وقف أمراء آخرون إلى جانب منافسي اللواء حمدان. في عام 2020، استثمر الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، نائب حاكم أبوظبي حالياً 225 مليون دولار مع أسامة داوود، رجل الأعمال السوداني المقرب من الجيش، في مشروع زراعي يمتد على مساحة 100.000 فدان من أفضل الأراضي الزراعية في البلاد.
منذ بدء القتال في نهاية الأسبوع الماضي، قال العديد من المسؤولين الأجانب إن الدبلوماسيين الإماراتيين يشاركون في التدافع المحموم لوقفه، وقال مسؤول غربي إن الإماراتيين لديهم على ما يبدو حالة "تأنيب الضمير". ولكن حتى مع احتدام القتال، استمرت بعض إمدادات الأسلحة في التدفق.
يقول المسؤولون الأمريكيون إن الجنرال حمدان حصل على أسلحة من خليفة حفتر، وهو أمير حرب ليبي تم تسليحه وتمويله أيضاً من قبل الإمارات.
يقول المسؤولون إنه من غير الواضح ما إذا كانت هذه الأسلحة من مخزون حفتر، أو من الإمارات مباشرة.
مصر تنحاز للبرهان
في المقابل فإن مصر، وهي دولة عربية أكبر بكثير، وإن كانت أفقر، تقع على الجانب الآخر من الانقسام العسكري في السودان، ومع تصاعد التوترات داخل السودان في العام الماضي، انحاز الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، علناً إلى قائد الجيش اللواء البرهان.
في حين تعتبر الثورة المؤيدة للديمقراطية التي أطاحت بالرئيس السوداني البشير معادية للسيسي، وهو جنرال عسكري حكم بقبضة من حديد منذ وصوله إلى السلطة في انقلاب عام 2013، كما أنه يشك بشدة في الجنرال حمدان، قائد ميليشيا ذات مرة، ويفضل أن يرى السودان يحكمه ضابط مدرب رسمياً مثله.
هناك أيضاً علاقة شخصية تجمع الرجلين، فقد التحق السيد السيسي واللواء البرهان بالكلية العسكرية نفسها.
مبادرة سياسية مصرية
في وقت سابق من هذا العام، أطلقت مصر مبادرة سياسية في القاهرة للجمع بين الفصائل السودانية، لكن الدبلوماسيين الأجانب في الخرطوم، الذين كانوا يحاولون التوصل إلى حل وسط بين الجنرال حمدان والجنرال البرهان، رأوا المصريين يلعبون دور المخرب لجهود المصالحة، حيثُ يتصرفون لصالح الجيش السوداني وضد الجنرال حمدان.
يقول كاميرون هدسون، وهو موظف سابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ويعمل حالياً محللاً سياسياً متخصصاً في شؤون إفريقيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن: "لقد أوضحت مصر أنها لن تتسامح مع زعيم ميليشيا على حدودها الجنوبية".
ساعدت التوترات بشأن دور مصر في السودان على دفع الجنرالات إلى الحرب، ففي الثاني عشر من أبريل/نيسان 2023، أي قبل ثلاثة أيام من اندلاع القتال، حاصرت القوات شبه العسكرية التابعة للجنرال حمدان قاعدة عسكرية في مروي على بعد 200 ميل شمال الخرطوم، حيث تمركز جنود مصريون وحوالي 12 طائرة حربية مصرية.
هذه الخطوة دفعت الجيش السوداني لإصدار ردة فعل علنية، حيثُ أصر على أن المصريين كانوا يتواجدون في مروي من أجل التدريب، لكن من الواضح أن اللواء حمدان كان يخشى أن يأتي المصريون لتقديم الدعم الجوي لعدوه المتمثل في الجيش السوداني في حالة نشوب القتال.
عندما اندلع الصراع، ألقت قوات اللواء حمدان القبض على ما لا يقل عن 27 مصرياً من قاعدة مروي – مما دفع المسؤولين الغربيين إلى بذل جهود مكثفة لنزع فتيل الأزمة وتجنب احتمال اتساع الصراع الإقليمي.
تسليم الجنود المصريين
بدا أن تلك الدراما تنتهي يوم الخميس عندما سلمت قوات اللواء حمدان المعتقلين المصريين. لكن مسؤولين غربيين قالوا إن خطر انزلاق مصر في صراع السودان لا يزال قائماً.
فمع تصاعد المعركة على العاصمة في الأيام الأخيرة، تعرضت القوات شبه العسكرية التابعة للجنرال حمدان لهجمات الطائرات الحربية التي أطلقت الصواريخ والقنابل على الخرطوم، وهي مدينة ذات كثافة سكانية عالية ويقطنها ملايين الأشخاص.
لكن في الأيام الأخيرة، تلقت قوات الدعم السريع عرضاً بأسلحة قوية، بما في ذلك صواريخ أرض جو، من السيد بريغوجين، على حد قول المسؤولين الأمريكيين.
وقال المسؤولون إن الجنرال حمدان لم يقرر ما إذا كان سيقبل الأسلحة التي ستأتي من مخزونات فاغنر في جمهورية إفريقيا الوسطى.
علاقات روسية قوية مع الجيش السوداني
تتمتع روسيا بعلاقة طويلة الأمد مع الجيش السوداني، ومنذ عام 2019 وسعت فاغنر أنشطتها المتمثلة في تعدين الذهب واستكشاف اليورانيوم وتزويد منطقة دارفور المضطربة بالمرتزقة.
إسرائيل أيضاً لها مصلحة بعد أن وقعت بدعم من الولايات المتحدة صفقة لتطبيع العلاقات مع السودان في عام 2020.
في حين أنه وفي العام الماضي، زار وفد من وكالة المخابرات الخارجية الإسرائيلية (الموساد) السودان لعقد اجتماعات مع قادة أمنيين بمن فيهم الجنرال حمدان الذي عرض على الإسرائيليين التعاون في مكافحة الإرهاب والاستخبارات، وفقاً لمسؤولين غربيين وسودانيين مطلعين على المحادثات.
المشروع الأجنبي الأقل نجاحاً في السودان هو المشروع الذي أيدته الدول الغربية المتمثل في التحول إلى الديمقراطية، وهذا الشهر، كان من المفترض أن يسلم الجنرالان اللذان كانا يشتركان في السلطة الحكم إلى حكومة يقودها مدنيون.
أما الآن فإن القوى الغربية تدفع قوى الخليج مثل السعودية والإمارات لاستخدام نفوذهم لإجبار الجنرالين المتحاربين على التنحي بعد أن أصبح هدف الديمقراطية في حالة يرثى لها. يقول آلان بوسويل، الخبير في مجموعة الأزمات الدولية الذي طرح فكرة أن دول الخليج يمكن أن تضغط على جنرالات السودان من خلال استهداف ثرواتهم "هل سيجمدون الأصول إذا لم يستمعوا لنداءات الغرب؟". مضيفاً: "لا أحد يريد دولة فاشلة في السودان".