تزامناً مع التصعيد الذي شهدته الأراضي الفلسطينية في الأيام الأخيرة، أقر الاحتلال بتعرضه لعشرات الهجمات السيبرانية، التي استهدفت قطاعات مدنية وعسكرية له، وسط تكتم إسرائيلي لافت في الحديث عن نتائج وتداعيات ذلك.
تعد الهجمات السيبرانية الأخيرة التي تلقاها الاحتلال الأكبر من نوعها التي يشهدها الاحتلال الإسرائيلي منذ مطلع العام الجاري، وفق ما أكدته وسائل إعلام عبرية.
الهجوم الأكبر منذ مطلع العام
الهجوم الكبير الذي تتحدث عنه الأوساط الإسرائيلية وقع الجمعة، 14 أبريل/نيسان 2023، تزامناً مع إحياء ما يُعرف بيوم القدس العالمي، إذ قالت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، إن قطاع البنوك استحوذ على الجزء الأكبر من هذا الهجوم السيبراني، حيث تم الإبلاغ عن اختراق في بنوك "مزراحي"، و"ديسكونت"، و"لئومي"، و"القدس"، و"طفحوت"، و"ميركانتيل"، و"مساد"، و"أوتسار هحيال"، و"هبينليئومي".
يضاف إليهم بريد إسرائيل المركزي، وموقع شركة الكهرباء، والأنظمة المشغلة لتطبيق صافرات الإنذار، وآخرها اختراق نظام الأختام بمطار بن غوريون، الذي تسبب في أزمة بعدم تمكن آلاف المسافرين المغادرين والقادمين من ختم جوازاتهم، ما أدى لحالة من الفوضى داخله.
تكشف هذه الهجمات الأخيرة عن "معركة ظل" تدور منذ سنوات بين فصائل المقاومة وإسرائيل، حيث استطاعت الفصائل الفلسطينية، وتحديداً كتائب القسام، الذراع العسكرية لحماس، تسجيل نقاط مهمة في معركة السايبر، وفق ما أكدته اعترافات ضباط كبار في الاستخبارات وقيادة الجيش الإسرائيلي.
يشير مصدر في الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة لـ"عربي بوست"، إلى أن المعركة مع إسرائيل لم تقف عند حدود الرد العسكري بإطلاق الصواريخ من غزة نحو البلدات الإسرائيلية، بل إن الفصائل تخوض معركة في الظل، هدفها "توجيه ضربات أمنية عبر اختراق أنظمة الرقابة والحماية للقطاعات المدنية والعسكرية في إسرائيل".
يضيف المصدر أنه "منذ سنوات ونحن نعمل في الفصائل الفلسطينية على تطوير وحدات السايبر داخل الأجنحة العسكرية، وأفراد هذه الوحدات هم من النخب ومختصون، ويعملون على مدار الساعة في أقسام وغرف مشتركة لجمع أكبر قدر من المعلومات عن خبايا وأسرار دولة الاحتلال للتعرف على نقاط الضعف والقوة لديه لتوظيفها في فترات التصعيد".
ويتابع: "أدركنا منذ سنوات مدى الأهمية الاستراتيجية التي تمثلها هجمات السايبر في المعركة بين الحروب، وقد نجحنا في التعرف على الثغرات الموجودة في نظام إسرائيل الأمني، فمن خلال سلسلة عمليات معقدة تمكنت المقاومة من اختراق هواتف العديد من الجنود وضباط الجيش، كما باتت لدينا قواعد بيانات مختلفة ومحدثة بشكل مستمر عن المنشآت العسكرية وأماكن انتشارها، ووظفنا هذه المعلومات في توجيه ضربات صاروخية دقيقة، حققت أهدافها خلال جولات التصعيد الأخيرة".
ممّ تخشى إسرائيل؟
ينظر المسؤولون الإسرائيليون إلى معركة السايبر على أنها تحد استراتيجي يجب على الجيش والاستخبارات أن تضع حداً لها، فتمكن المقاومة من فك الشيفرة الخاصة بالنظام الأمني سيهز من صورة إسرائيل في المنطقة، كما سيتسبب بأضرار استراتيجية على المدى البعيد.
يقول نائب رئيس نظام السايبر الوطني في إسرائيل، العقيد نيتسان عمار، إن هناك زيادة مضطردة في عدد هجمات السايبر، نلاحظها عاماً بعد عام، فمن متوسط 80 هجوماً شهرياً في عام 2021، تضاعف العدد في عام 2022 لأكثر من 200 هجوم بشكل شهري، مضيفاً: "هذا يعني أن أعداءنا باتوا يمتلكون جرأة كبيرة لمهاجمتنا من الداخل، وعبر الفضاء الرقمي".
عن القلق الإسرائيلي يشير تامير باردو، الرئيس السابق لجهاز الموساد، أن "حروب السايبر جعلت التهديد بالفوضى بمثابة السلاح الأكثر تحقيقاً لانتصارات مستقبلية؛ فأعداء إسرائيل لن يكونوا بحاجة لطائرات أو صواريخ، فقط باستطاعتهم حيازة إمكانيات تكنولوجية وقدرات سيبرانية لمهاجمتنا، كي تتسبب بإحداث شلل في كافة مجالات العمل داخل الدولة".
يشير كذلك مائير حيون، قائد جهاز منع العنف والجريمة في إسرائيل، إلى أن "بعض التحديات التي تواجهنا، أن العناصر المخترقة من الهاكرز والقراصنة تمتاز بذكاء متقدم، ولا تترك خلفها آثاراً لتعقبها، لذلك نبذل جهوداً حثيثة لجمع المعلومات عنهم".
يضيف: "إننا نخوض حرباً في مجال السايبر لا تتوقف، ونواجه تحديات داخلية وخارجية في مجال الاختراقات الواردة من جهات معادية".
تطور حماس في حروب السايبر
ليس سراً أن حماس تخوض حرباً إلكترونية مع إسرائيل منذ سنوات، رغم أن قدراتها في هذا المجال متواضعة، لكنها استثمرت خلال العقد الأخير الكثير من المقدرات المالية والمعدات لإقامة منظومة تقنية لجمع معلومات استخبارية عن الجيش الإسرائيلي.
اعترفت حماس، في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2022، لأول مرة، بامتلاك جهازها العسكري، لوحدة خاصة تحمل اسم وحدة الحرب الإلكترونية "سلاح السايبر" تأسس في عام 2014، وتمكن من اختراق 30 ألف هدف، غالبيتها منشآت أمنية وعسكرية، وفقاً لما جاء على لسان القيادي في الحركة زكريا أبو معمر.
إلا أن بدايات حماس في مجال الحرب الإلكترونية تعود لحرب غزة الأولى في عام 2008، حينما هاجمت الحركة عدداً من المواقع الإلكترونية الإسرائيلية، بينها موقعا قيادة الجبهة الداخلية والناطق العسكري باسم الجيش.
في عام 2013، هاجمت مجموعة من القراصنة باسم مقاتلي عز الدين القسام، موقع الإنترنت لشركة "أميركان إكسبريس" في إسرائيل، وخلال حرب غزة عام 2014، سجلت زيادة في محاولات مهاجمة المواقع الإلكترونية، لأهداف مدنية وعسكرية في إسرائيل.
في 2017 تم الكشف عن أن عشرات الهواتف المحمولة للجنود والضباط الإسرائيليين تم اختراقها على أيدي "قراصنة" حماس، ممن اقتحموا مجموعات على فيسبوك، بعضها مغلق، وتتناول قضايا عسكرية، وتتحدث عن تدريبات عسكرية وتجنيد للجنود.
في 2018، كشف الجيش الإسرائيلي عن أن حماس شنّت هجمة إلكترونية منظمة من خلال حسابات مزورة عبر شبكات التواصل، بهدف التحكم في هواتف الجنود، وحاولت مهاجمتهم عبر الواتساب، ونجحت في هذا الهجوم بصورة نسبية، بحصولها على كاميرات وسماعات الأجهزة المحمولة.
في العام ذاته، كشفت شبكة تأمين المعلومات "كليرسكي"، أن حماس حاولت زراعة برامج تجسس في الأجهزة المحمولة للإسرائيليين، من خلال تنزيلها عبر حسابات مزيفة على موقعي "فيسبوك" و"تويتر"، بحيث ينجح الجهاز المهاجم في تعقب الجهاز الذي تعرض للهجوم، والتحكم به عن بعد.
عشرات الهجمات وقعت خلال عام 2023
رغم أن السياسة الإسرائيلية دأبت طوال تاريخها على تجنب الاعتراف بالخسائر جراء الهجمات التي تتعرض لها، فإن هذا العام أقرت فيه إسرائيل بوقوع سلسلة هجمات "سايبر"، استهدفت قطاعات مختلفة داخل الدولة، منها تعرض معهد "التخنيون"، أحد أهم المعاهد الإسرائيلية للعلوم، في 12 من فبراير/شباط 2023 لهجوم سايبر.
استطاع القراصنة من خلاله اختراق النظام الحاسوبي الخاص بالمعهد، واشترطوا الحصول على 70 قطعة "بيتكوين"، كشرط لعدم نشر بيانات المعهد أمام الجمهور.
في 9 من الشهر الجاري، أقرت إسرائيل بتعرض أنظمة الري ومعالجة مياه الصرف الصحي في الجليل الأعلى لهجوم سايبر، دفع بالمسؤولين المحليين لتوجيه تعليمات للمواطنين بفصل نظام الري الإلكتروني، وتحويله يدوياً، خشيةً من كوارث بيئية قد يتسبب بها هذا الهجوم.
منذ مطلع أبريل/نيسان 2023، اعترفت إسرائيل بتعرض شركات الاتصالات الخلوية لهجوم سايبر استهدف شركات Cellcom Pelephone، Hot ،Mobile 012.
خلال الفترة ذاتها، تعرّضت شركة خدمات التوصيل "Yango Delivery"، وموقع شركة "Mekorot" للمياه، لهجوم سايبر.
يشير الخبير والمختص في الأمن القومي إبراهيم حبيب لـ"عربي بوست" إلى أن "فصائل المقاومة أدركت جيداً أهمية الحرب الإلكترونية في صراعها مع إسرائيل، فحرب العقول قد توفر على الطرف الذي يجيد توظيفها تكلفة كبيرة على المستوى البشري والعسكري، وتمنحه نقاط قوة أثناء الصدام العسكري المباشر".
يضيف المتحدث: "حينما تتعامل مع إسرائيل كقوة عسكرية أولى في الشرق الأوسط فعليك كمقاومة أن تخوض حرب استنزاف مدروسة، من خلال وضع الدولة في حالة استنفار كامل".
وختم بأن ذلك "قد يتسبب في إرهاق واستنزاف القدرات البشرية الإسرائيلية، التي لن يكون بمقدورها الصمود لفترات طويلة، في حال كانت قوات وأذرع الأمن مشغولة على مدار الساعة".
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة للمعلومات التي تأكدنا من مصداقيتها من خلال مصدرين موثوقين على الأقل. يرجى تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو سلامتها.