قال موقع Middle East Eye البريطاني، في تقرير نشره الجمعة 14 أبريل/نيسان 2023، إن معسكراً للمهاجرين تم إنشاؤه مؤقتاً داخل زقاق ضيق بجوار منظمة الهجرة الدولية في تونس، يحتوي على بضع مراتب ويُؤوي نحو 50 شخصاً، غالبيتهم من اللاجئين وطالبي اللجوء من دول إفريقيا جنوب الصحراء. ولا توجد خيام لحمايتهم من العوامل الجوية، ولا قدور من أجل الطبخ. بينما يعانون من نقصٍ شديد في إمدادات الطعام والماء.
حيث شارك العديد من هؤلاء اللاجئين من قبل في الاعتصام الذي استمر شهراً أمام المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وذلك من أجل المطالبة بإجلائهم عن تونس لأسباب إنسانية. لكن الشرطة أجبرتهم على مغادرة المنطقة، بعد تدمير ما تبقى من أغراضٍ قليلةٍ كانت في حيازتهم.
مهاجرون يواجهون ازمة في تونس
تُسلِّط حملة الشرطة الأخيرة الضوء على غياب حقوق الإنسان للاجئين في تونس، مما يدفع بهم على حد تعبير أحد اللاجئين إلى الاختيار بين الحياة والموت.
حيث قال أحمد لموقع Middle East Eye البريطاني: "لقد فررنا من بلادنا حتى نأتي إلى هنا… والحل الوحيد بالنسبة لي الآن هو البحر، سواءً كنت سأعيش أو سأموت".
جدير بالذكر أنه وفي الـ10 من أبريل/نيسان 2023، بدأت الشرطة في قمع احتجاج اللاجئين أمام مفوضية اللاجئين، وهجمت على المشاركين في الاعتصام بقنابل الغاز المسيل للدموع والهراوات بحسب شهود العيان.
إذ قال إيمانويل، طالب اللجوء الذي شارك في الاعتصام: "لقد هربنا من أمامهم ولم يبدر منا رد فعل (على تصرفاتهم)". وأظهرت مقاطع الفيديو المتداولة على الشبكات الاجتماعية المحتجين وهم يركضون من الشرطة، ويصبون الحليب على أنفسهم لتخفيف الألم الحارق.
بينما قال مارك (30 عاماً)، من نيجيريا: "عادت الشرطة بجاهزيةٍ أكبر في الصباح التالي. ويبدو أنه كانت لديهم أوامر واضحة".
في ذلك الصباح، صفع ضابط شرطة امرأةً سودانية على وجهها حسب المزاعم، مما تسبب في تصعيد المواجهة. واستجابت الشرطة بتغطية موقع الاحتجاج بالغاز المسيل للدموع.
وقالت ناتاشا، طالبة اللجوء من سيراليون: "لم يكترثوا لوجود أطفال، ونساء حوامل، ومرضى بيننا. لقد أطلقوا الغاز المسيل للدموع على الجميع".
فيما أوضح إيمانويل: "لقد ضربونا بالهراوات العادية والهراوات الصاعقة، وما تزال آثار الاعتداء تغطي أجسامنا. لم نَرُد إلا بإلقاء الحجارة دفاعاً عن أنفسنا".
في المقابل فقد انتشرت تقارير حول تهشيم نوافذ بعض السيارات في المنطقة المحيطة بمفوضية اللاجئين.
فيما قال مارك إنه تعرض لإصابة في إحدى عينيه، كما يعاني من تلف في حاسة السمع نتيجة عنف الشرطة. وأخبر الموقع البريطاني: "لا أعلم كيف نجوت من الأساس، وكيف ما زلت حياً لأتحدث معكم اليوم. لقد كانت ساحة حرب حقيقية. لقد رمينا الحجارة فقط بدافع الخوف. ولم نتعمّد تدمير أي ممتلكات".
روايات متضاربة حول الأحداث
من جهة أخرى قدَّمت الحكومة ومفوضية اللاجئين روايات متضاربة حول الأحداث. إذ قال المتحدث باسم وزارة الداخلية إن الشرطة كانت تتحرك بالنيابة عن مفوضية اللاجئين، التي طلبت المساعدة في فض اعتصام اللاجئين.
ففي بيانٍ صادر بتاريخ 11 أبريل/نيسان 2023، زعمت مفوضية اللاجئين أن "بعض اللاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين اقتحموا مقرها بالقوة، وتسببوا في بعض الأضرار المادية؛ مما أسفر عن مواجهات متوترة مع قوات الشرطة المحلية". وأردف البيان: "نطالب باحترام الطبيعة الإنسانية لعملنا". ولم ينكر المحتجون هجومهم على المركبات خارج مقر مفوضية اللاجئين، لكنهم أكدوا أن ذلك حدث دفاعاً عن النفس في الأغلب ورداً على عنف الشرطة.
اللجوء إلى العنف
في حين تساءل أحد طالبي اللجوء قائلاً: "كنا نحتج بصورةٍ سلمية لنحو شهرٍ حتى الآن، فهل سألوا أنفسهم: لماذا لجأنا إلى العنف اليوم فحسب؟". وربما أدى الشعور الهائل بالإحباط والظلم إلى دفع بعض المحتجين لفقدان أعصابهم، وفقاً لعدد من اللاجئين في المعسكر المؤقت أمام منظمة الهجرة الدولية.
في أعقاب حملة الشرطة على الاعتصام، تداولت وسائل الإعلام المحلية عدة تقارير من جانب واحد تُظهر المهاجرين الأفارقة كجماعةٍ عنيفة وخطيرة، مع التركيز على المركبات التي تضررت خلال المواجهة.
كذلك فقد غضب اللاجئون بسبب زعم مفوضية اللاجئين أنها كانت على اتصال مباشر بالمحتجين، حتى تستمع إلى مطالبهم وتُزودهم "بمعلومات عن خياراتهم المتاحة".
حيث قال مارك: "كلها أكاذيب. لم يحضر أحد للحديث معنا. وأحد الموظفين أخبرنا بأننا سنموت هنا جميعاً. هذا كل ما وصلنا من مفوضية اللاجئين. وقد ذهبنا إلى هناك، لأن وظيفتهم هي حمايتنا. هذه هي مسؤوليتهم".
اعتقال عشرات المهاجرين
من جهة أخرى اعتقلت الشرطة نحو 80 من اللاجئين وطالبي اللجوء في الاحتجاجات واقتادتهم إلى مخفر الشرطة. وقال مارك للموقع البريطاني: "قضيت سبع ساعات في الانتظار. وكانوا يرون أنني مصاب لكنهم لم يوفروا لي أي مساعدة طبية"، مضيفاً أنه لم يحصل على طعامٍ أو ماء أيضاً.
بينما قال شهود العيان إن غالبية اللاجئين قد أُطلق سراحهم في وقتٍ لاحق من اليوم نفسه، لكن نحو 30 محتجاً ظلوا رهن الاحتجاز، وبينهم مجموعة من المحتجين الأعلى صوتاً.
إذ قالت لاجئة حامل في شهرها الثالث: "اختفى زوجي لأكثر من يومٍ كامل. وما زلت لا أعرف مكانه أو ما أصابه".
كما برزت بعض التقارير عن تعذيب وإساءة معاملة المعتقلين. وبعد فض الاعتصام، عاد المحتجون إلى الموقع ليجدوا أن أغراضهم قد اختفت. وأوضحوا أن الشرطة قد تخلصت من خيامهم، وثيابهم، وحتى نقودهم وهواتفهم التي حصلوا على غالبيتها من تبرعات منظمات المجتمع المدني.
قالت ناتاشا: "لا أستطيع حتى ارتداء ملابس نظيفة. لقد أخذوا كل خيامنا، ونحن ننام في العراء ببساطة، ووسط الجو البارد. ولا يمكننا طبخ الطعام. كيف يعاملون البشر بهذه الطريقة؟ إنهم يفتقرون إلى الإنسانية".
بينما تساءل طالب لجوء آخر: "ألم يفكروا في أنهم يرمون حياة إنسانٍ بالكامل في القمامة؟ إنهم يعاملوننا كالحيوانات".
تحول في موقف تونس
في سياق متصل، قال بعض اللاجئين إنهم شعروا بالتحوُّل المفاجئ في موقف البلاد منهم عقب تصريحات قيس سعيد، حيث انتشرت الاعتداءات وعمليات الإجلاء بحق الأفارقة الذين يعيشون في تونس بعدها.
حيث قال أحمد إنه تعرض للفصل من وظيفته بعد أيامٍ من إدلاء الرئيس بتصريحاته، موضحاً أن "سلوكيات الناس تغيّرت بالكامل".
أما بالنسبة لإيمانويل، فقد صرح للموقع البريطاني قائلاً: "بعد أن دفعت الإيجار في 21 مارس/آذار، حضر مالك المنزل ليخبرني بأنه لم يعد بإمكانه إيواء أي إفريقي، بأمرٍ من رئيس الجمهورية".
بينما نشر آخرون روايات عن الوقائع العنصرية التي تعرضوا لها. حيث تعرّض بعضهم للضرب بواسطة الجيران، بينما تعرض البعض الآخر لهجوم بالحجارة داخل ملجأ مفوضية اللاجئين في رواد.
في المقابل يطالب اللاجئون وطالبو اللجوء بحقوق وحماية أفضل في تونس منذ سنوات، لكنهم يشعرون بعد خطاب سعيد، بأن حياتهم أصبحت معرضة للخطر اليوم، لهذا يطالبون بإعادة توطينهم في أي بلدٍ آخر يحترم حقوقهم كبشر.
حيث قال أحمد: "لماذا أرغب في البقاء هنا بلا وظيفة، وبلا منزل، وبينما يُعاملوننا كأننا لسنا من البشر؟! لا يعيش المرء سوى مرة واحدة، ولا يمكننا إهدار حياتنا في الانتظار هنا".
في حين كتب مدير حساب Refugees in Tunisia على تويتر: "لطالما كانت هناك عنصرية في تونس. لكننا لم نشهد هذا القدر من العنف من قبل. كيف يمكننا مواصلة العيش هنا والناس يكرهوننا؟".