لا يزال العراق بعد مرور 20 عاماً على الاحتلال الأمريكي، يعاني من تداعيات تأثير الولايات المتحدة على سياسته النفطية التي كانت متبعة منذ تأميم النفط في الأول من يونيو/حزيران 1972، من الاعتماد بشكل كامل على الشركات الوطنية، ليُجبر على نفوذ شركات النفط الأجنبية في العراق، لم يستطع التخلص منها حتى الآن.
19 مارس/آذار 2003، في هذا التاريخ شنت قوة مشتركة تقودها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا حرباً ضد العراق، انتهت بإعلان احتلاله وإسقاط نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في 9 أبريل/نيسان من العام ذاته، الذي استمر حتى الانسحاب نهاية عام 2011.
عقدان على الغزو الأمريكي للعراق، ولا تزال تداعياته مستمرة، لا سيما على القطاع النفطي المهم، الذي تعتمد ميزانيته بأكثر من 95% على مبيعات النفط، وفق الأرقام الحكومية.
أما بحسب بيانات البنك الدولي، فإنه خلال السنوات العشر الماضية، مثلت إيرادات النفط 99% من إجمالي صادرات العراق، وبمعدل 85% من الموازنة العامة للبلاد، ونحو 42% من الناتج المحلي الإجمالي.
يرصد "عربي بوست" في هذا التقرير الأضرار التي لا تزال تلحق بالقطاع النفطي في العراق، بسبب تغيير الولايات المتحدة سياسته النفطية، التي تمنع إعادة تشكيل شركة النفط الوطنية، وتصب في صالح شركات النفط الأجنبية في العراق.
تغيير السياسة النفطية
بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، تعرضت شركات ومنشآت وزارة النفط إلى أعمال نهب وسلب وحرق وتدمير وفق عمليات منظمة فقدت شركات الوزارة فيها معلومات وأجهزة ومعدات ودراسات وبحوثاً مهمة جداً، وفق المسؤولين العراقيين حينها.
في أبريل/نيسان 2003، وضع الاحتلال الأمريكي سياسة نفطية جديدة أجهزت على ما تبقى من الجهود الوطنية العراقية في إعادة تأهيل نفسها، ليتولى وقتها إدارة الملف النفطي لاستعادة معدلات الإنتاج النفطية التي كانت عليها البلاد قبل الحرب الأخيرة، وفق دراسة للخبير النفطي شريف علي محسن، نشرها موقع "المنتدى العراقي للنخب والكفاءات" في يناير/كانون الثاني 2019.
عند هذه النقطة تحديداً، قال وزير النفط العراقي الأسبق عصام الجلبي (1987 – 1990)، خلال مقابلة تلفزيونية في 12 مارس/آذار الجاري، إن "لجاناً مختصة في الولايات المتحدة كانت تعمل قبل احتلال البلد على وضع سياسة نفطية للعراق لما بعد مرحلة الاحتلال في 2003".
أوضح الجلبي أن "العراق منع من إعادة تشكيل شركة النفط الوطنية، وذهب باتجاه إدخال شركات النفط الأجنبية في العراق للاستثمار في هذا المجال، التي بدورها لم تساهم حتى اليوم في رفع إنتاج النفط، رغم حديثهم عن ذلك".
تحدث الوزير الأسبق بالأرقام، لافتاً إلى أن "العراق كان يصدر في عام 1979 عندما كان يعتمد على شركة النفط الوطنية أكثر من 3.2 مليون برميل يومياً، وفي عام 2023 صدّر العراق خلال شهر فبراير/شباط الماضي 3.5 مليون برميل نفط يومياً، بالتالي لا يوجد فرق بين الرقمين".
أكد كذلك أنه "رغم الحرب مع إيران، فإن العراق أنتج في يوليو/تموز 1990، نحو 3.3 مليون برميل يومياً. وبذلك تكون الأرقام مقاربة رغم مرور 20 عاماً على منح النفط لشركات النفط الأجنبية في العراق".
الإغراق بجولات التراخيص
في السياق ذاته، قال وائل عبد اللطيف محافظ البصرة الأسبق ووزير الدولة في حكومة رئيس الوزراء العراقي إياد علاوي (2004- 2005)، إن "الولايات المتحدة كانت متعمدة بالتأكيد في تغيير السياسة النفطية للعراق، وإرغامه على الذهاب نحو جولات التراخيص، والابتعاد عن تطوير الشركات الوطنية"، لصالح شركات النفط الأجنبية في العراق.
لفت عبد اللطيف في حديثه لـ"عربي بوست"، إلى أن "سياسة الولايات المتحدة في ما يخص الطاقة بالعراق غير محمودة أبداً، وتمارس نوعاً من الضغط على البلد، حتى تدخل شركاتها بصفة جولات تراخيص أو مستثمرين وغيرها من الصفات، وهذا موضوع غريب من دولة يفترض أنها جاءت لمساعدتها وليس لإيذائها".
أطلق الوزير السابق على سياسة الولايات المتحدة في العراق وصف "التخريبية"، مشدداً على ضرورة أن يتخذ العراق سياسة نفطية مستقلة، وإقناع الجانب الأمريكي بأن يعتمد البلد على شركاته الوطنية، "التي تعد أفضل من الأجنبية التي تأخذ نحو نصف أموال ما يدّره العراق".
أوضح عبد اللطيف أيضاً أن "العراق بعد عام 1970 وحتى عام 2003 استطاع تأسيس كادر نفطي وطني عراقي، وأن ينهض بأعباء الشركات النفطية الموجودة، ودرّب الآلاف من كوادره البشرية في روسيا وغيرها من الدول النفطية، ليكتسبوا خبرات نفطية عالية جداً"، دون الذهاب إلى شركات النفط الأجنبية في العراق.
وتابع: "تفاجأنا أن وزير النفط العراقي الأسبق حسين الشهرستاني (2006 – 2010) بإدخال شركات النفط الأجنبية في العراق عبر أربع جولات تراخيص نفطية، في سياسة لا تخدم الاقتصاد الوطني".
لكنه أكد أن "العراق لديه كادر وطني مختص في مجال النفط ممتاز جداً، بالإمكان الاستعانة به أولاً، ثم إذا لم تتحقق الأهداف يمكن بعدها الذهاب إلى التعاقد مع شركات أجنبية".
رأى عبد اللطيف أن "العراق بإمكانه استيراد أي من المعدات النفطية المتطورة من خارج العراق، واستبدال المعدات القديمة الرديئة والمستهلكة، خصوصاً أن الفترة ما بين 2006 وحتى 2014 كانت موازنات العراق المالية فيها ضخمة جداً، حتى إنها وصلت إلى 150 مليار دولار في عام 2014".
عن جولات التراخيص، قال إنها لم تكن تبرم بطريقة تحافظ على أموال البلاد، لأن العراق دفع مبالغ طائلة غير محسوبة، للشركات الأمنية وغيرها، ويجري استقطاع كل مصاريفها وسفرها وسكنها من إيرادات النفط العراقي.
أكد عبد اللطيف أنه "قبل بداية الحرب مع إيران، كان نفط العراق ينتج بجهد وطني بحت، والكوادر النفطية الوطنية كانت ولا تزال قادرة على مزاولة العمل بكفاءة عالية، تستطيع الوصول بإنتاج النفط إلى ما يقرب على 7 ملايين برميل في اليوم، بدون تدخل شركات النفط الأجنبية في العراق".
وقال إنه بعد الغزو الأمريكي "زعمت الحكومة العراقية حينها أن شركات النفط الأجنبية في العراق ستصل بالإنتاج إلى 12 مليون برميل يومياً، لكن العراق حتى اليوم يراوح الـ4 ملايين برميل يومياً فقط، لذلك لم نستفِد شيئاً من هذه الشركات التي دخلت البلد وفق السياسة النفطية التي وضعتها الولايات المتحدة بعد عام 2003".
توقف وحل الشركات الوطنية
عن مصير شركات النفط الوطنية في العراق، قال الخبير الاقتصادي العراقي عبد الرحمن المشهداني لـ"عربي بوست"، إنها "توقفت، وباتت بحكم المنحلة".
وأوضح أنه قبل 2003، كان الحصار الاقتصادي الذي فرض على البلد سبباً في عدم دخول معدات جديدة للحفر، إضافة إلى أن الناقلات أصبحت متهالكة كونها كانت راسية طيلة هذه المدة دون تحرك، لأنها مشمولة بالعقوبات.
أما عن إعادة تأميم النفط العراقي، فقال إن "العراق عندما أمم النفط في سبعينيات القرن العشرين، كانت الظروف مهيأة حينها لأن تكون الشركات الوطنية العراقية قادرة على إدارة العملية الانتاجية من حفر وتسويق ونقل النفط".
زاد كذلك بأن "الشركة الوطنية العراقية كانت تمتلك المعدات والدعم الحكومي، إضافة إلى أن التوجه العالمي كان داعماً للنظام في العراق آنذاك، من خلال تقديم المعدات، حتى يصل إلى ما وصل إليه من نحو إنتاج 3.8 مليون برميل نفط يومياً".
لذلك، فإن إعادة تهيئة هذه الظروف ذاتها اليوم، مهمة صعبة، بحسب الخبير، الذي أشار إلى أن "مسألة تجديد كل هذه المعدات بعد عام 2003 كانت بحاجة إلى أموال ضخمة جداً، وكذلك كل الحكومات التي جاءت بعد هذا التاريخ لم يكن لديها توجه نحو تخصيص جزء من الموازنات المالية من أجل شراء ناقلات نفط جديدة، وتغيير عمليات الحفر، لذلك لجأوا إلى جولات التراخيص وإيكال هذه المهمّة إلى شركات النفط الأجنبية في العراق".
وقال: "كلنا معترضون على جولات التراخيص، ونعتقد أن التخصيصات المالية التي تدفع لشركات النفط الأجنبية في العراق يمكن الاستفادة منها، فهي تصل إلى نحو مليار، فلو ذهبت إلى الجهد الوطني، لكنا قادرين على زيادة الانتاج النفطي".
أكد المشهداني أنه من الصعوبة بمكان إعادة تأميم النفط والاعتماد على الشركات الوطنية، لأن ما جرى في السبعينيات عندما أمم العراق نفطه، كان قد دخل في مفاوضات مع شركات النفط التي كان متبقياً لها نحو 20 عاماً حتى تنتهي عقودها، إذ تصل مدتها في تلك المرحلة من 70 إلى 100 عام، ثم جرى تعويضها في عام 1977.
وحول الشروط الجزائية، أوضح أنها ستكون أصعب، فإذا لجأت شركات النفط الأجنبية في العراق إلى التحكيم الدولي فسيتكبّد العراق خسائر كبيرة، فضلاً عن أن البلد لم يربح سابقاً أي قضية من هذا القبيل، بالتالي سيتم أخذ أضعاف مضاعفة عن المبالغ التي تحصل عليها شركات النفط الأجنبية في العراق حالياً.
خلص المشهداني في حديثه، إلى أن جولة التراخيص مضى عليها 13 عاماً وبقي من مدتها 17 عاماً حتى تنتهي عقود هذه شركات النفط الأجنبية في العراق، لذلك، فإن التعامل مع الأمر الواقع حالياً أفضل بكثير من خلق مشكلات معها، بحسب تقديره.
عزا الخبير العراقي ذلك إلى أن "العراق لا يحظى بموقف سياسي قوي قياساً مع ما كان عليه في السبعينيات والثمانينيات، حين كان أقوى بكثير سواء في المؤسسات الدولية، إضافة إلى القوة المالية التي كان يمتلكها في تلك المرحلة".
عزا ذلك إلى السياسة النفطية الأمريكية التي رسمتها للعراق، من أجل الوصول إلى الواقع الحالي، الذي يعرقل ويمنع إعادة تأميم النفط، وعودة الشركات الوطنية حصراً للإنتاج النفطي.
يشار إلى أن شركة النفط الوطنية العراقية هي المختصة بنفط العراق، وأسست شركات محلية أخرى، وتتعامل مع شركات مستقلة محلية أيضاً من بينها:
- شركة نفط الشمال.
- شركة نفط الجنوب.
- شركة ناقلات النفط العراقية.
- شركة نفط العراق المحدودة.
- المؤسسة الوطنية لتسويق النفط
- الشركة العراقية للمشاريع النفطية.
- شركة التنقيب عن النفط
- شركة تسويق النفط (سومو).
- شركة مصافي الوسط.
- شركة نفط البصرة.
- شركة نفط العراق.
- شركة نفط الوسط.
- شركة نفط ذي قار.
- شركة نفط ميسان.
شركات النفط الأجنبية في العراق
كانت الحكومات العراقية السابقة بدأت بإطلاق جولات التراخيص (Licensing Agreement)، في عام 2009، وعبر 4 جولات رهنت فيها نفط البلاد إلى شركات النفط الأجنبية في العراق لمدة 30 عاماً.
جرى بموجبها توقيع عقود مع شركات النفط الأجنبية في العراق الأمريكية والأوروبية والروسية والصينية لاستثمار 13 حقلاً نفطياً كبيراً في مختلف مناطق العراق، رغم ما أثارته من ضجة حينها، وسط اعتراضات من مسؤولين وأعضاء في البرلمان حينها.
على نحو مماثل، قدم 23 خبيراً نفطياً عراقياً رسالة إلى الحكومة العراقية التي كان يرأسها نوري المالكي، رفضوا فيها العقود وطلبوا تأجيل العمل بها، ووصفوها بأنها مقدمة لاحتلال العراق اقتصادياً، ومجازفة رهنت من خلالها ثروة العراق النفطية لسنوات طويلة للخارج.
شركات النفط الأمريكية التالية دخلت العراق بعد الغزو كانت:
- شركة كوستال.
- شركة فونيكس.
- شركة تشيفرون.
- شركة موبيل.
بعد مرور 20 عاماً، لا تزال شركات النفط الأجنبية في العراق لها عقود مستمرة لعشرات السنوات، إلا أن خبير النفط العراقي، حمزة الجواهري، قال في حديث لـ"عربي بوست" إن "جولات التراخيص جميعها لا توجد فيها حالياً، ولا شركة واحدة أمريكية تعمل في العراق، إذ إن آخرها هي شركة "إكسون موبيل" وهي في طريقها للانسحاب الكامل من حقل (غرب القرنة 1) في البصرة جنوب البلاد، بعدما باعت حصتها إلى جهة أخرى".
وقال: "في بداية الاحتلال الأمريكي للعراق، كانت هناك هيمنة من الولايات المتحدة على جميع ما يخص النفط العراقي من مؤسسات وأنابيب وآبار، لكن ذلك انتهى شيئاً فشيئاً".
لفت كذلك إلى أنه لا توجد الآن أي شركة أمريكية تعمل ضمن جولات التراخيص التي تعمل على تطوير 13 حقلاً نفطياً تخضع للتطوير حالياً في العراق، إضافة إلى أنه ليس لديها استثمارات في المصافي أو أي مجال آخر يخص قطاع النفط العراقي.
شركات نفط أجنبية أخرى انسحبت بحسب الخبير ذاته، الذي قال: "كانت شركتا (شيفرون) و(إكسون موبيل) متواجدتين في إقليم كردستان العراق، وانسحبتا مؤخراً، لأنهما رأتا أن العمل غير مجدٍ لهما اقتصادياً، فالأخيرة انسحبت طوعياً من 5 مواقع جغرافية كانت قد وقعت اتفاقاً عليها".
وكان العراق قد اختار في جولات التراخيص الأربع الأولى، أكثر 31 شركة تطابقت مع المواصفات المطلوبة، من بينها شركتا "لوك أويل" و"غازبروم" الروسيتان و7 شركات أمريكية و11 من آسيا و9 شركات أوروبية واثنتان من أستراليا.
فازت في جولات التراخيص النفطية العراقية، شركة "BP" البريطانية وشركة "CNPC" الصينية، بعد انسحاب شركتي "أكسون موبيل" الأمريكية و"بتروناس" الماليزية. وكذلك تعمل في العراق شركتا "كوغاز" (KOGAS) الكورية، "تي بي أو" (TBO) التركية.
منذ عام 2009 وحتى 2011، وقع العراق على أربع جولات تراخيص نفطية للتطوير الأساسي في حقول منتشرة بمناطق مختلفة من البلاد، معظمها تمد إلى 30 عاما، التي بقي لها حاليا نحو 17 عاما لانتهاء عقودها.
في 24 فبراير/ شباط 2023، وقع العراق جولة تراخيص نفطية خامسة، التي تتراوح مددها بين 20 عاما و34 عاما، حيث فازت بها شركتا "جيو جيد" و"يو أي جي" الصينيتين، إضافة إلى شركة "نفط الهلال"، بحسب وزارة النفط العراقية.
تأميم النفط في العراق تاريخياً
في بدايات اكتشاف النفط في العراق، كان البلد حينها ضمن سلطة الدولة العثمانية، وتأسست في عام 1912 شركة النفط التركية، التي عدت حينها من الشركات العالمية الكبرى، التي أسسها وأدارها مهندس النفط الأرمني المولود في إسطنبول كالوست كولبنكيان.
بعد الحرب العالمية الأولى (1914- 1918) جرى تأسيس شركة "نفط العراق" الإنجليزية (ipc) من الشركات العالمية الأربع "شل" و"بي بي" و"توتال" الفرنسية و"تنمية الشرق الأوسط" الأمريكية، حصة كل واحدة منها 23.5%، إلى جانب حصة لـ"كولبنكيان" تقدر بـ5%، وذلك في مرحلة الاحتلال البريطاني.
في عام 1936، تأسست شركة "نفط الموصل"، وبعدها بعامين أعلن عن تأسيس شركة نفط البصرة، ثم دخلت مرحلة قانون رقم 80 في عام 1961 أصدرته السلطات العراقية، الذي ألغى كل امتيازات الشركات النفطية على أرض العراق غير المستثمرة، والبالغة 95% من مساحة البلد.
على ضوء قانون رقم (81) العراقي، جرى تأسيس شركة النفط الوطنية العراقية عام 1964، التي باشرت في إعادة تقييم المسوحات الزلزالية واستقطاب كفاءات عراقية، التي تشكلت منها فرق زلزالية لاكتشاف الرقع النفطية في البلاد.
بعد مفاوضات طويلة ومعقدة، بين شركة "نفط العراق" والحكومة العراقية، جرى إعلان تأميم عمليات الشركة في الأول من يونيو/حزيران عام 1972، ثم تأميم عمليات شركة "نفط البصرة" عامي 1973 و1975، فيما جرى التنازل عن عمليات شركة "نفط الموصل" لصالح العراق في 1 مارس/آذار 1973.
شهدت الصناعة النفطية خلال فترة السبعينيات ما بعد التأميم، نمواً وتوسعاً كبيراً تزامن ذلك مع ارتفاع كبير بأسعار النفط العالمية، ما أدى إلى قيام وزارة النفط العراقية بالاستثمار في مجال تطوير الحقول وزيادة الطاقات الإنتاجية، وإنشاء خطوط أنابيب، سواء للتصدير أو للنقل الداخلي، للمشتقات النفطية والغاز الطبيعي، والغاز المصاحب.
على الوتيرة ذاتها، أنشأ العراق موانئ تصدير النفط الخام عبر تركيا والخليج العربي وتطوير طاقات التصفية، وخزن النفط وصناعة الغاز، كما وضعت شركة النفط الوطنية خططاً طموحة لزيادة الطاقة الإنتاجية إلى 5.5 مليون برميل في اليوم.
في سبتمبر/أيلول عام 1980 وحتى 8 أغسطس/آب 1988، أي طيلة مرحلة الحرب العراقية الإيرانية (الخليج الأولى) توقفت كل تلك الخطط، لكن وزارة النفط استطاعت خلال المدة هذه إنجاز مشاريع كبرى مثل أنبوب النفط العراقي السعودي، ومصافي بيجي، ومضاعفة طاقة الأنبوب العراقي التركي ومجمعي غاز الشمال وغاز الجنوب.
الطاقة الإنتاجية للنفط وغزو العراق
عند غزو العراق لدولة الكويت في أغسطس/آب 1990، كانت طاقة العراق الإنتاجية 3.8 مليون برميل في اليوم الواحد، إضافة إلى أن طاقة التصفية وصلت في حينها إلى 680 ألف برميل يومياً.
لكن في مرحلة استعادة الكويت في عام 1991، تعرضت المنشآت النفطية العراقية في حرب "الخليج الثانية" إلى تدمير شامل بلغ في قسم منها 100%، لكن الكوادر العراقية استطاعت إعادة إعمارها.
تثبت أرقام منظمة "أوبك"، أن العراق قبل غزوه للكويت كان معدل إنتاج النفط الخام يبلغ 2.95 مليون برميل يومياً، وفي يوليو/تموز عام 1990 سوّت منظمة "أوبك" حصة العراق بكمية ما تنتجه جارته الشرقية إيران، أي 3.14 مليون برميل يومياً.
بعد حرب عام 1991 وما شهده من تدمير المنشآت وحصار تصدير النفط من الأمم المتحدة، انخفضت معدلات إنتاج النفط العراقي إلى 0.5- 1.15 مليون برميل يومياً، مقتصراً على تغذية المصافي المحلية ومصانع معالجة الغاز.
في نهاية عام 1997، ومع عودة تصدير النفط بموجب مذكرة التفاهم مع الأمم المتحدة المسماة "النفط مقابل الغذاء والدواء"، وصلت معدلات الإنتاج النفطي العراقي إلى 1.5 – 2.2 مليون برميل يومياً.
في 15 أبريل/نيسان 1998، أصدر خبراء الأمم المتحدة تقريراً أكدوا فيه أن "الصناعة النفطية في العراق في وضع مزرٍ، وأن حقول النفط المنتجة قد بدأت إنتاجيتها بالهبوط بشكل خطير، وقسم منها غير قابل للإصلاح، وأنه خلال العقدين السابقين تبدو تلك الصناعة أقرب إلى الدمار في الأمد القصير منه إلى التحسن".
خلال فترة الحصار (1991- 2003) جرى التفاوض مع العديد من الشركات العالمية ما عدا الأمريكية والبريطانية، حول المشاركة في تطوير الحقول النفطية بموجب عقود المشاركة في الإنتاج التي تفضله تلك الشركات، ما أدى إلى إبرام عقدين تطويريين مع شركتي "سي إن بي سي" الصينية، و"لوك أويل" الروسية، لكن لم يأخذا طريقهما للتنفيذ حتى الاحتلال الأمريكي عام 2003.
ولا تزال الشركات الصينية من بينها شركة "سينوبك" الحكومية الصينية، ومؤسسة البترول الوطنية الصينية، لها عقود في العراق.
الجدير ذكره بهذا الصدد، أن الصين أكبر مستثمر في العراق، وكذلك من أكبر المشترين للخام العراقي.