صوّت مجلس الشيوخ الأمريكي لصالح المضي قدماً في طرح تشريع يقضي بإلغاء التفويض الرسمي لشن الحرب في العراق الساري منذ عقدين، في الوقت الذي يبحث فيه مشرعون يقودون تلك الجهود عن سبل أخرى "لكبح جماح" السلطة التنفيذية.
وأجرى مجلس الشيوخ، الخميس 16 مارس/آذار 2023، أول تصويت إجرائي لإلغاء الموافقة على "تفويض استخدام القوة العسكرية" (AUMF)، لحرب الخليج عام 1991 وحرب العراق عام 2002، بحسب موقع "أكسيوس" الأمريكي.
ووفقاً للموقع الأمريكي، فقد صوّت أعضاء المجلس بأغلبية 68 صوتاً (أي أغلبية الثلثين) مقابل 27، لصالح التقدم بالقرار المشترك. ومن المتوقع أن يطرحه المجلس للتصويت النهائي الأسبوع المقبل، بالتزامن مع الذكرى العشرين للغزو الأمريكي للعراق.
كما أفاد الموقع بأن جميع أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين الحاضرين، و19 جمهورياً صوّتوا لصالح الإلغاء، في تصويت من الحزبين على نحو غير معتاد في مجلس نادراً ما يتفق بشأن مشروعات القوانين الرئيسية.
استعادة الصلاحيات
الموقع أشار إلى أن تاريخ السلطات الرئاسية في الولايات المتحدة شكّل قصة "توسع مستمر"، حيث تسارع فقط هذا النمو في القرن الحادي والعشرين. وفي الوقت الراهن، يريد البعض في الكونغرس استعادة تلك الصلاحيات.
إلى ذلك، قال المشرعون الذين يؤيدون القرار إن قوانين "تفويض استخدام القوة العسكرية" أصبحت قديمة، ومنحت الرؤساء السلطات لاستخدامها بما يتجاوز أهدافها الأصلية.
وأشار البعض إلى استخدام "تفويض استخدام القوة العسكرية" لعام 2002 كمبرر للعديد من العمليات العسكرية في عهد إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، أكثرها إثارة للجدل اغتيال قائد "فيلق القدس" السابق في "الحرس الثوري" الإيراني قاسم سليماني، في هجوم بطائرة مسيرة في العراق عام 2020.
وكان السيناتور الديمقراطي من ولاية إلينوي ديك دوربين قال في كلمة ألقاها، الخميس، لدعم إلغاء قوانين التفويض: "يجب علينا اتباع الدستور بشكل صحيح، والسماح للشعب الأمريكي بأن يكون له صوته الخاص في هذه العملية من خلال ممثليه المنتخبين في الكونغرس".
من جانبه، قال مكتب الإدارة والميزانية بالبيت الأبيض إن الرئيس جو بايدن يؤيد الإلغاء، لافتاً إلى أنه "لن يكون له أي تأثير على العمليات العسكرية الأمريكية الحالية".
ولم يتضح بعد ما إذا كان رئيس مجلس النواب النائب الجمهوري من كاليفورنيا كيفن مكارثي سيطرح مشروع القانون للتصويت عليه، على الرغم من دعم التشريع من قبل العديد من المتشددين اليمينيين الذين يدعمهم.
إذ قال النائب الجمهوري من ولاية تكساس تشيب روي، وهو عضو محافظ في لجنة القواعد شارك في رعاية إلغاء التفويض في مجلس النواب، لموقع "أكسيوس"، إنه يتوقع إجراء تصويت في المجلس، في حين لم يرد مكتب مكارثي على طلب للتعليق.
تفويضات سابقة
كما أشار "أكسيوس" إلى تواريخ مثيرة تتعلق بتفويضات الحروب الأمريكية السابقة، فعلى سبيل المثال صدر تفويض بالحرب في طرابلس (ليبيا) عام 1802 وتم إلغاؤه فقط بعد 154 عاماً، وتحديداً في عام 1956.
وصدر أيضاً تفويض أمريكي للحرب في الجزائر عام 1815، بينما لم يتم إلغاؤه إلا في عام 1956 أيضاً، أي بعد 141 عاماً.
والغريب أن هناك تفويضات أمريكية بالحرب لا تزال سارية حتى الآن رغم مرور وقت طويل على صدورها، واختلاف الظروف التي صدرت خلالها اختلافاً كلياً. من ذلك مثلاً تفويض أمريكي بالحرب في فرنسا عام 1798، وتفويض بالحرب ضد القراصنة عام 1819، وتفويض بالحرب في الشرق الأوسط عام 1957، هذا بالإضافة إلى تفويضين لحربي العراق عامي 2002 و1991.
ترسيخ سلطة الكونغرس
وبحسب الموقع الأمريكي، فقد طرح أعضاء مجلس الشيوخ، الذين يقودون هذه الحملة لإلغاء قوانين التفويض القديمة، مبادرات أخرى لإعادة تأكيد سلطات الكونغرس في مواجهة الصلاحيات الرئاسية المتنامية.
إذ قال السيناتور الجمهوري من ولاية كنتاكي راند بول إن إلغاء قانون تفويض حرب العراق إجراء "رمزي إلى حد كبير"، وإنه يفكر في اقتراح مشروع قانون لإلغاء الحرب على الإرهاب لعام 2001 كتعديل، مضيفاً: "هذا هو (القانون) الذين يشيرون إليه جميعاً ويبرر 20 حرباً مختلفة حول العالم".
كما أشار عضو مجلس الشيوخ عن ولاية كنتاكي أيضاً إلى مشروع قانون السيناتور الديمقراطي عن ولاية فرجينيا، مارك وارنر الذي يمكّن الرئيس من حظر "تيك توك"، كمثال على تراجع الكونغرس عن الضغط لممارسة سلطته.
في غضون ذلك، قال السيناتور الجمهوري من ولاية تكساس جون كورنين، وهو أحد أعضاء مجلس الشيوخ الذين صوّتوا ضد الإلغاء، الخميس، لموقع "أكسيوس"، إن الرؤساء "يبدو أنهم يجدون دائماً سلطة المادة الثانية (من دستور الولايات المتحدة) لفعل ما يريدون".
وبموجب المادة الثانية من دستور الولايات المتحدة تناط السلطة التنفيذية برئيس الولايات المتحدة، ويشغل الرئيس منصبه مدة 4 سنوات، ويجري انتخابه مع نائبه، الذي ينتخب للمدة نفسها.
كما ذكر الموقع أن المشرعين شعروا بالغضب عندما استند بايدن إلى المادة الثانية، التي تسمح للرئيس بالتصرف في إطار الدفاع عن النفس لحماية أفراد الخدمة العسكرية، لإعطاء الإذن بشن غارات جوية على فصائل مدعومة من إيران في سوريا عام 2021.
وبدأ الغزو الأمريكي الأخير على العراق في 19 مارس/آذار 2003، في حين شاركت القوات الأمريكية في عملية تحرير الكويت في عام 1991.
وظل المشرّعون لسنوات يشكون من تنازل الكونغرس عن الكثير من سلطاته للرئيس، فيما يتعلق بإرسال قوات للقتال بالخارج عن طريق تمرير تفويضات تسمح بشن حروب طويلة استخدمها الرؤساء بعد ذلك لتبرير عملهم العسكري حول العالم. وبموجب الدستور، يحق للكونغرس فقط وليس الرئيس إعلان الحرب.