تُذكّر أزمة إفلاس البنوك الأمريكية الثلاثة بما شهدته الولايات المتحدة في عام 2008، حين عانت من انهيار مالي كبير أثّر حينها على الأسواق العالمية، ومنها العربية، ما يثير تساؤلات عن تداعيات ما يحصل حالياً؛ هل يطولها مجدداً أم لا؟
في مؤشرات أولية بعد إعلان "سيليكون فالي" إفلاسه كثالث بنك يقدم على ذلك، تراجعت أسعار النفط التي تعد محفزاً رئيسياً للأسواق المالية الخليجية، 4 دولارات، متأثرة بانهيار البنك.
وتراجع المؤشر السعودي في البورصة 0.8%، في حين أغلق مؤشر دبي على انخفاض 0.9%، كما انخفض المؤشر القطري 1.5%، يوم الإثنين 13 مارس/آذار 2023.
انخفض كذلك مؤشر الأسهم القيادية المصري 3.1% في اليوم ذاته، متأثراً بانخفاض سهم البنك التجاري الدولي، أكبر مقرض في البلاد 3.9%، على خلفية انهيار البنوك الأمريكية الثلاثة.
تعليقاً على ذلك، قال فادي رياض، كبير محللي السوق لدى "كابيكس دوت كوم"، لوكالة "رويترز"، إن الإخفاقات التي يشهدها القطاع المصرفي الأمريكي لا تزال تؤثر على أسواق الأسهم الخليجية، وزادت من حالة عدم اليقين حول السياسة النقدية الأمريكية.
هل تمتد الأزمة إلى الدول العربية؟
الإجابة: لا، وفق الخبير الاقتصادي نهاد إسماعيل، الذي قلل في حديثه لـ"عربي بوست" من حجم التأثيرات التي حدثت في البورصة العربية، واصفاً إياها بـ"الطفيفة والمؤقتة".
أما عن سبب ما حصل في الأسواق العربية بعد إعلان إفلاس بنك "سيليكون فالي"، فأوضح أنه جاء مدفوعاً بالمخاوف والذعر، بعد الصدمة التي سببتها أزمة البنوك الأمريكية بشكل متتالي.
لكنه قال إن المصارف العربية ليست لها علاقة مباشرة مع هذه البنوك الثلاثة، التي لا يوجد لها ارتباط مالي بالبورصات العربية.
عن إعلان بنك "وادي السيليكون" إفلاسه، قال إسماعيل، إنه "ليس بنكاً كبيراً كما يعتقد الكثيرون، بل هو رقم 16 في الولايات المتحدة من حيث الأصول والودائع، بالإضافة إلى أنه مختص بقطاع التكنولوجيا الحديثة فقط، إلى جانب أن الأزمة يتم احتواؤها بالوقت الحالي، وبعد ذلك ستسترد البنوك عافيتها".
وقال مطمئناً: "لن نرى إفلاسات مشابهة في البنوك العربية، التي لا يوجد منها ما هو مرتبط أساساً في قطاع التكنولوجيا، على عكس بنك سيليكون فالي".
العملات المشفرة وإفلاس بنكين
للتوضيح أكثر بهذا الخصوص، أوضح إسماعيل أن استبعاده وجود تداعيات مباشرة على الدول العربية، يعود إلى طبيعة الأسباب وراء إعلان البنوك الثلاثة إفلاسها.
وقال: "البنكان اللذان أفلسا قبل سيليكون فالي (سيغنتشر بنك، وسيلفرغيت كابيتال بنك)، هما بنكان صغيران، وسبب إفلاسهما مرتبط بالعملات المشفرة، التي خسرت سوقُها منذ سبتمبر/أيلول 2022 السيولة، وأصبحت متزعزعة، وكانت هناك تكهنات من حينها بوقوع مشكلة مشابهة لما حدث بالفعل بسبب استثمار أموال المودعين في العملات المشفرة".
وأكد إسماعيل، أن البنوك العربية غير مرتبطة بالعملات المشفرة، ولا مخاطر عليها من الانهيارات المتكررة لسوق العملة الرقمية.
يشار إلى أنه منذ عام 2022، انخفض سوق العملات الرقمية بشكل كبير، متأثراً بارتفاع المخاوف التضخمية، المتعلقة بالمزيد من النفقات على تكاليف المعيشة، بالإضافة إلى عدم اليقين بسبب ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وتجريم تداول العملة المشفرة في الصين.
سبب إفلاس "سيليكون فالي"
البنك الثالث الذي أعلن إفلاسه هو "سيليكون فالي"، الذي قال عنه إسماعيل لـ"عربي بوست"، إن "مشكلته نتجت بسبب أن هذا البنك استثمر أموال المودعين قصيرة الأمد في سندات الخزينة الأمريكية طويلة الأمد".
السندات طويلة الأمد تشهد تنافساً مع مؤسسات تدفع فائدة على الودائع، ولذلك، فإنه في ظل رفع أسعار الفائدة بهدف مكافحة التضخم في الولايات المتحدة، تسبب ذلك بشكل غير مباشر في التأثير على السندات طويلة الأمد بتخفيض قيمتها، وفق إسماعيل.
ولأن بنك "سيليكون فالي" استخدم 91 مليار دولار من أموال المودعين في استثمار السندات طويلة الأمد وقروض الرهن العقاري، وجد نفسه أمام أزمة بعد ارتفاع أسعار الفائدة.
لذلك، عندما ارتفعت قيمة السندات طويلة الأمد، خسر بنك "سيليكون فالي" 15 مليار دولار، ما أدى إلى إحداث ضجة كبيرة، الأربعاء 8 مارس/آذار 2023، ليشعر البنك حينها أنه يعاني من نقص في السيولة، ليقوم بعدها بطرح أسهم جديدة للشراء بهدف جني 2.5 مليار دولار.
طرح الأسهم الجديدة انتبه إليه "وول ستريت" الحي المالي الكبير في الولايات المتحدة، الذي فسرّه بأنه يعكس أزمة عميقة في بنك "سيليكون فالي".
على إثر ذلك، شبّ ذعر لدى عملاء البنوك والمودعين، ليقوموا بسحب ودائعهم بشكل جماعي، ما أدى إلى سقوط أسهم الشركات والبنوك. لكن أكبر خسارة كانت من نصيب "سيليكون فالي"، حيث خسر 60% من قيمته السوقية.
تدحرجت كرة الثلج، وبدأت الأزمة الحالية تتضح أكثر مع إفلاس بنك "سيليكون فالي"، إلا أن السلطات الأمريكية قامت بإيقاف النزيف، وتم ترتيب خطة إنقاذية، بحسب القراءة الاقتصادية التي قدمها إسماعيل.
بدأت الخطة الإنقاذية، بأن قامت سلطات التنظيم المصرفي في أمريكا بالاستيلاء على الأصول والقروض للبنوك الثلاثة، بالتالي بات إفلاس هذه البنوك لا يعني أن أموال المودعين قد ذهبت، بل سيتم تنظيمها.
الأكبر منذ أزمة 2008
وصفت وسائل الإعلام الأمريكية، أزمة إفلاس البنوك الثلاثة، بأنها الأزمة المالية الأكبر التي تشهدها البلاد منذ عام 2008.
أزمة 2008، هي حادثة شهيرة في أمريكا قبل 15 عاماً، ظهرت على السطح فجأة عام 2007، واستمرت للعام الذي تلاه، وسميت بأزمة الرهن العقاري.
فجّرها في البداية تهافت البنوك على منح قروض عالية المخاطر لمحدودي الدخل، الذين لم يستطيعوا السداد، ما دفع البنوك إلى الحجز على بيوتهم وعرضها للبيع، ما تسبب بخفض قيمة العقارات، وشكل أزمة رهن عقارية كبيرة بسبب زيادة المعروض بشكل أكبر بكثير من الطلب.
بدأت الأزمة تكبر حينها لتهدد قطاع العقارات في الولايات المتحدة، ثم البنوك والأسواق المالية العالمية، لتشكل تهديداً للاقتصاد المالي العالمي، وانتهت بتدخل الحكومة الأمريكية لإنقاذ كبار المصارف وشركات المال الأمريكية، ووضع سياسات جديدة تمنع تكرار هذه الأزمة.
لذلك، أكد الخبير الاقتصادي إسماعيل، أن سيناريو 2008 مشابه لما يحدث الآن من حيث المخاوف فقط، ولن تسمح السلطات في أمريكا بتكرار ما حصل حينها.
رأى أيضاً أنه يمكن مقارنة ما يحصل حالياً بما حدث في عام 2008، ولكن من حيث المخاوف فقط، التي تدفع بالمودعين إلى سحب ودائعهم من البنوك لتستمر الأزمة بالتدحرج، إلا أن مستوى الأزمة غير متماثل، "لأنه منذ ذلك الوقت تم تشريع قوانين وأنظمة لسلامة النظام المصرفي تحول دون تكرار ما حصل".
من بين هذه الأنظمة -بحسب إسماعيل- رفع عتبة القاعدة المالية للمصارف لتقليل خطورة الإفلاس، وفتح الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي خطاً جديداً للبنوك، التي تعاني من السيولة، وسمَّته (برنامج التمويل البنكي)، الذي يسمح للبنوك بالاقتراض المباشر من البنك الفيدرالي المركزي الأمريكي لتجنب خسائر في بيع الأصول مثل السندات.
سبق أن أعلن مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) ووزارة الخزانة الأمريكية، مساء الأحد 12 مارس/آذار 2023، مجموعة من الإجراءات لتحقيق الاستقرار في النظام المصرفي، وقالا إن المودعين في بنك "سيليكون فالي" سيكون بإمكانهم الوصول إلى ودائعهم في اليوم التالي.
اتخذت السلطات الأمريكية إجراءات طارئة كذلك لتعزيز الثقة في النظام المصرفي، بعد أن هدد انهيار بنك سيليكون فالي بإثارة أزمة مالية أوسع نطاقاً.
أزمة إفلاس البنوك وعلاقتها بالفائدة
أشار إسماعيل بهذا الخصوص، إلى أن رفع أسعار الفائدة، كان له تأثير على قيمة السندات طويلة الأمد، لذلك فإن البنوك مثل "سيليكون فالي"، التي قامت بشرائها من أموال المودعين قصيرة الأمد، وجدت نفسها في أزمة.
من جانبه، اعتبر الخبير جيل جيبو من شركة "أكسا إيم" في حديثه لوكالة الأنباء الفرنسية، أن هذه الاضطرابات "تسلط الضوء على تأثير ارتفاع أسعار الفائدة على البنوك".
وكانت الارتفاعات الحادة في أسعار الفائدة قد ساهمت، خلال العام الماضي 2022، بهدف كبح التضخم، في إضعاف البنوك وتباطؤ النشاط الاقتصادي.
وتقنع الأحداث الأخيرة مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بإبطاء الإيقاع في اجتماعهم المقبل في 21 و22 مارس/آذار 2023.
انخفضت أسعار الفائدة للسندات السيادية في السوق، الإثنين 13مارس/آذار 2023. وبلغت نسبة الفائدة على القرض الأمريكي لمدة 10 سنوات 3,46% في مقابل 3,70% الجمعة عند الإغلاق.
هذا إلى جانب سباق محموم لإعادة تقدير زيادات أسعار الفائدة المتوقعة لاهتزاز الأسواق، إذ يراهن المستثمرون على أن يحجم مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) عن رفع أسعار الفائدة الأسبوع المقبل.
بلغت نسبة من يراهنون على ذلك 50%، بألا يرفع المركزي الأمريكي الفائدة في الاجتماع المقبل، مع استيعابهم لخفض الفائدة في النصف الثاني من العام، بحسب "رويترز".