حصل عليها 100 أجنبي في عامين.. تعديلات قانون الجنسية المصرية تستهدف وقف خروج الأموال الساخنة

عربي بوست
تم النشر: 2023/03/13 الساعة 08:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/03/13 الساعة 09:56 بتوقيت غرينتش
تعديلات قانون الجنسية المصرية تهدف لمنع خروج الأموال الساخنة

 أثارت التعديلات التي أقرتها الحكومة المصرية بشأن ضوابط منح الجنسية المصرية للأجانب جدلاً واسعاً في مصر خلال الأيام الماضية، لعدم توضيح الجهات الرسمية الأهداف التي دفعت لإقرارها أو الأشخاص الذين تستهدفهم من وراء هذا القرار، وما إذا كان تخفيف إجراءات منح الجنسية في مقابل مئات الآلاف من الدولارات كافياً لمواجهة التحديات التي تجابه الحكومة المصرية لتوفير العملة الصعبة من عدمه.

وقال مصدر حكومي مطلع لـ"عربي بوست" إن القرار يستهدف تشجيع الآلاف من الوافدين العرب المقيمين على الأراضي المصرية ممن لديهم إمكانية مادية كبيرة للحصول على الجنسية وتقديم مزيد من التسهيلات لهم، سواء كان ذلك بهدف الإقامة المستمرة مدى الحياة على الأراضي المصرية أو لتشجيعهم على تنفيذ مشروعاتهم الاستثمارية والاستفادة الحالية من تراجع قيمة الجنيه.

وأشار إلى أن التعديلات جاءت بعد تواصل من جانب جهات رسمية مع العديد من العرب والوافدين الذين يقيمون في البلاد لأكثر من عشر سنوات ولديهم رغبة في الحصول على الجنسية المصرية.

وأضاف أن الجنسيات السورية واليمنية والفلسطينية هي الأكثر استهدافاً وفقاً للقرار الأخير، وأن توسع حجم الاستثمارات السورية في مصر خلال الخمس سنوات الماضية شجع الحكومة المصرية على إدخال تعديلات من شأنها التسهيل عليهم للدخول بقوة في مجالات العقارات تحديداً، وهو ما يساهم في الوقت ذاته في تحريك سوق العقار في المدن الجديدة التي بحاجة إلى استثمارات هائلة لم تتوافر حتى الآن.

100 أجنبي فقط حصلوا على الجنسية المصرية خلال عامين

وأوضح المصدر الحكومي المطلع لـ"عربي بوست" أن ما يقرب من 100 أجنبي حصلوا على الجنسية المصرية خلال العامين الماضيين بالفعل، في أعقاب إدخال تعديلات على قانون الجنسية المصرية في العام 2019.

لكنه شدد في الوقت ذاته على أن هناك مئات الرغبات الأخرى للحصول على الجنسية مقابل شراء العقارات، لكن العديد منهم طالبوا بإدخال تعديلات أخرى على الإجراءات، تدفعهم للقبول بالفكرة.

وأدخل البرلمان المصري تعديلات على قانون الجنسية المصرية الذي يحمل رقم 140 في العام 2019، وأجاز لرئيس الوزراء منح الجنسية المصرية لكل أجنبي اشترى عقاراً مملوكاً للدولة أو لغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة، أو بإنشاء مشروع استثماري وفقاً لقانون الاستثمار رقم 72 لسنة 2017، مع استحداث وحدة بمجلس الوزراء لفحص طلبات التجنس.

الجنسية المصرية
100 أجنبي حصلوا على الجنسية المصرية خلال العامين الماضيين

ولفت المصدر ذاته إلى أن إقدام الحكومة المصرية على تخصيص الأراضي للمستثمرين الأجانب دون التقيد بالمشاركة في المزايدات التي تطرحها هيئة المجتمعات العمرانية التي تتبع وزارة الإسكان المصرية، شريطة سداد كامل قيمة الأرض بالدولار وتحويلها من خارج مصر، يشجع على إنجاح الفكرة مع ضرورة إنهاء العقبات التي تعترض عملية التطبيق بسبب الإجراءات الروتينية التي يشكو منها غالبية المستثمرين.

الحكومة المصرية تستهدف الوافدين والراغبين في شراء العقارات

وقبل أيام خفَّفت الحكومة المصرية شروط منح الجنسية المصرية للأجانب من خلال تسهيلات تمثلت في الشروط المالية للاستثمار وإيداع الأموال بهدف جذب العملة الأجنبية.

وبحسب القرار المنشور في الجريدة الرسمية المصرية، فإن الحكومة خفَّضت المبلغ المطلوب لشراء عقار مملوك للدولة أو لغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة من 500 ألف دولار إلى 300 ألف دولار، وأتاحت تسديد المبالغ من داخل مصر، بشرط سابقة دخوله من منفذ جمركي بعد أن كانت تشترط تحويله من الخارج، وقدمت إمكانية تقسيط ذلك المبلغ خلال سنة.

كما خفَّضت الحكومة المصرية قيمة المبالغ المطلوبة لإنشاء مشروع استثماري أو المشاركة فيه من 400 ألف دولار إلى 350 ألف دولار، وألغت نسبة الشراكة من جانبها في تلك المشروعات التي وصلت في السابق إلى 40%.

كما أتاحت الحصول على الجنسية من خلال ودائع بنكية مباشرة مقابل 500 ألف دولار وكانت تشترط في السابق إيداع مبلغ 750 ألف دولار من الخارج كوديعة لمدة 5 سنوات، أو إيداع مليون دولار كوديعة لمدة 3 سنوات.

ويمكن القول بأن عنصر الجذب الأكبر الذي تعول عليه الحكومة أيضاً لتشجيع الوافدين والمهاجرين إلى أراضيها متمثل في منح الجنسية مقابل إيداع إيرادات مباشرة لصالح الخزانة العامة لا ترد بقيمة 250 ألف دولار فقط مع إمكانية سداده من الخارج أو من الداخل مع إثبات دخوله من منفذ جمركي، وقد سمحت التعديلات الجديدة تقسيط هذا المبلغ لمدة سنة.

الجنسيات الأكثر حصولاً على الجنسية المصرية

وتشير قرارات مجلس الوزراء المصري المعلنة بشأن الحاصلين على الجنسية المصرية خلال العامين الماضيين إلى أن السوريين هم الأكثر إقداماً على التجاوب مع التسهيلات المصرية.

قبل أسبوعين تقريباً، أصدر الدكتور مصطفى مدبولي القرار رقم 596 لسنة 2023، بالموافقة على منح الجنسية المصرية لعدد 11 مستثمراً سورياً، ومستثمر وحيد عراقي الجنسية، وقبلها بعدة أشهر منح الجنسية لـ15 سورياً وإيطالي وفلسطيني.

وهو ما تكرر قبل عام أيضاً حينما وافق على منح الجنسية لـ15 سورياً مقابل إيداع 750 ألف دولار في البنك المركزي المصري كوديعة مستردة بعد مرور 5 سنوات، ومن دون فوائد.

ومن بين هؤلاء فلك محمد باسل رضوان سماقية، ابنة المستثمر السوري ورجل الأعمال محمد باسل رضوان سماقية، مالك شركة "قطونيل" التي تعمل في الملابس القطنية الداخلية والذي حصل بدوره أيضاً على الجنسية المصرية قبل عامين تقريباً.

الرئيس المصري عبد الفتاج السيسي/رويترز

ولدى الأجهزة المعنية معلومات تشير إلى أن المستثمرين السوريين في مصر يمتلكون رأس مال يقدر بـ23 مليار دولار، وأن عدد رجال الأعمال السوريين يصل إلى 30 ألفاً، وتقدر استثماراتهم الحالية بنحو مليار دولار تتوزع على مجالات متنوعة من بينها صناعات الإسفنج والورق والصناعات البلاستيكية والمنتجات الغذائية والنشاط التجاري والخدمي.

وتتباين أعداد الجالية السورية في مصر، بين 146 ألف شخص بحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وقرابة نصف مليون وفق رواية السلطات المصرية، ويتركز السوريون في مصر في عدة محافظات، أبرزها القاهرة والإسكندرية والجيزة ومحافظات الدلتا، وبعض المدن الجديدة مثل مدينة 6 أكتوبر.

فشل حكومي في جذب المستثمرين

وقال نائب بالبرلمان المصري قريب من الحكومة – شريطة عدم ذكر اسمه-، إن ما أصدره رئيس الوزراء يندرج تحت بند تعديل القرارات المنظمة لتعديلات قانون منح الجنسية الصادر في العام 2019، وليس إدخال تعديلات على القانون نفسه.

وبالتالي فإنه لم تتم مناقشته في البرلمان، والذي سيكون دوره لاحقاً في تلك الحالة من خلال الرقابة على الحكومة عبر الاستجوابات وطلبات الإحاطة للتعرف على رؤيتها بشأن إصدار تلك القرارات.

وأكد أن القيمة المتدنية للأموال التي قدرتها الحكومة بالعملة الصعبة في مقابل الحصول على الجنسية المصرية ستكون محل تساؤل، لكن في الوقت ذاته فإن إدخال تعديلات على القرارات المنظمة لأحد القوانين يكون نتيجة لعدم تحقيق الهدف منها.

وقال إنه من الواضح أن الحكومة فشلت خلال العامين الماضيين في جذب أصحاب الجنسيات الأجنبية للاستثمار داخل مصر، وقررت تقديم مزيد من التسهيلات إليهم.

وأشار إلى أن الفكرة ليست جديدة على مصر، كما أن العديد من الدول تطبقها، وأن الهدف بالأساس إيجاد حلول لسد الفجوة التمويلية لسداد الديون المقدرة هذا العام بـ"17 مليار دولار"، وإذا حققت الحكومة مبلغ مليار دولار هذا العام جراء تلك التعديلات، فإنها ستكون حققت نجاحاً مهماً، وأنها تستهدف تقديم مزيد من التسهيلات التي تضمن وصول العملة الصعبة سريعاً، وضمنها منح تيسيرات لاستيراد سيارات المصريين بالخارج مع موافقة البرلمان المبدئية على القانون 121 لسنة 2022.

ورد النائب على التخوفات المتعلقة بشأن أن تقود التعديلات الأخيرة لأخطار تهدد الأمن القومي بتأكيده على أن جميع طلبات الحصول على الجنسية تخضع لمراجعات دقيقة من أجهزة أمنية مصرية رفيعة ولا تتم الموافقة على أي طلب حتى وإن كان مستوفياً لكافة الاشتراطات دون موافقة جهات أمنية عديدة، وأن كثيراً من الذين يستهدفهم القرار يتواجدون بالفعل على الأراضي المصرية منذ سنوات وهناك معلومات دقيقة عنهم.

خبراء يستبعدون جذب الجنسية للمستثمرين الأجانب

وأشار خبير اقتصادي مصري إلى أن الجنسية المصرية لن تكون عامل جذب للمستثمرين الأجانب المقيمين خارج البلاد أو الذين لديهم جنسيات أخرى في دول توفر مناخاً إيجابياً أكثر للاستثمار، لكنها تشجع بالأساس المقيمين على الأراضي المصرية أو من لديهم الرغبة في الاستقرار في مصر، وتوقع عوائد القرارات الأخيرة لن يكون سهلاً في الوقت الحالي ويمكن الانتظار لشهرين أو أكثر للتعرف على مدى الإقبال عليها.

يعتبر المصدر ذاته أن مخاطر مثل هذه القرارات على الأمن القومي تبقى أكثر من مكاسبها الاقتصادية التي قد لا تتجاوز بضعة مليارات ولن تساهم في تحريك حركة الاستثمارات الخاصة، وأن الجهات الأمنية سيكون عليها مراقبة ما إذا كان الساعون إليها لديهم صلات بدولة معادية مثل إسرائيل أو أي بلدان أخرى لديها علاقات عداء مع الدولة المصرية.

وتعد شبه جزيرة سيناء هي العامل الأشد خطورة في القرارات الأخيرة، وفقاً للمصدر ذاته الذي يشير إلى أن شراء الأراضي على الحدود الشرقية المصرية يبقى هدفاً رئيسياً للإسرائيليين وأتباعهم من جنسيات أخرى، وأن المخاوف تتمثل في انجراف الحكومة المصرية نحو بيع الأصول وتسهيلات بيع الأراضي وتملكها بالدولار بحثاً عن العملة الصعبة.

التضخم في مصر
الجنيه في مصر يمر بأزمة مقابل الدولار ما أدى إلى ارتفاع كبير في الأسعار – رويترز

وإذا كان الهدف جذب الاستثمار – بحسب المصدر – ذاته فإنه يكفي منح الإقامة الدائمة للمستثمر وأسرته، ويرى أن فتح الباب على مصراعيه أمام تجنيس الأجانب ستكون له تأثيرات سلبية على الهوية المصرية، وهناك إجراءات أخرى أكثر فاعلية بينها تحسين بيئة الاستثمار في الداخل.

وعرضت الحكومة المصرية العديد من الأصول المملوكة للدولة للبيع، وقالت إنها تعتزم بيع حصص في 32 شركة، لكنها منذ ذلك الحين طرحت حصصاً في شركات أخرى للبيع أيضاً، وتعوّل على قرارات تسهيل الحصول على الجنسية منح المستثمرين مزيداً من الأمان دون تحويل الأرباح إلى الخارج، إلى جانب تسويق العقارات المصرية الفخمة مرتفعة الثمن والتي تبنيها الدولة ولا يتجه لشرائها المصريون من طبقة الأغنياء الذين يفضلون البنايات التي يشرف القطاع الخاص على بنائها.

إجراء استباقي خوفاً من تخارج الأموال الساخنة

وذهب خبير اقتصادي لتأكيد أن قرارات الحكومة المصرية بمثابة إجراءات استباقية خوفاً من تخارج مزيد من الأموال الساخنة مجدداً، بعد إعلان محافظ الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي جيروم باول أن أسعار الفائدة على الدولار ربما تكون أعلى من المتوقع في المرحلة المقبلة.

وأوضح أن ذلك لم يمنع أصحاب تلك الأموال من تحويل أموالهم إلى الخارج إذا كان ذلك في صالحهم، وأن الفكرة لن تكون مجدية على مستوى إيجاد ولو جزء من الحل للأزمة الاقتصادية الراهنة.

وذكر لـ"عربي بوست" أن الحكومة المصرية كعادتها لم تدرس القرار بشكل جيد قبل إصداره؛ لأن الواقع يشير إلى أن الأجانب في مصر يتمتعون بمزايا تفوق ما يحصل عليه المصريون أنفسهم، كما أن استهداف السوريين والليبيين والسودانيين وغيرهم من الدول التي تشهد صراعات سياسية وعسكرية وقدموا إلى مصر بدافع اللجوء ليس منطقياً أيضاً.

وإذا توافرت لدى هؤلاء الأموال التي تحددها الحكومة المصرية فسيتجهون إلى دول أخرى من الممكن أن يحصلوا فيها على مميزات استثمارية أكبر من التي تقدمها الدولة المصرية التي تعاني حالة من الهشاشة الاقتصادية.

ولفت إلى أنه في حال وجهت الحكومة المصرية اهتماماتها نحو تطوير الإنتاج المحلي وزيادة حصيلتها الدولارية من التصدير إلى جانب تحسين عوامل الجذب السياحية، فإن ذلك سيكون مجدياً على نحو أكبر، "لكنها ما زالت تبحث عن الحلول التي تساعدها على توفير العملة الصعبة خلال فترة وجيزة دون العمل وفقاً لاستراتيجيات طويلة المدى"، على حد قوله.

ويشكل التحدي الأكبر أمام الحكومة المصرية أن العرب والوافدين المقيمين على أراضيها يدركون تماماً أن سياساتها الاقتصادية والسياسية الخاطئة تعد سبباً رئيسياً في الأزمة الراهنة التي وصل إليها الاقتصاد المصري، وبالتالي فإن الجنسية لا تشكل عامل جذب إليهم.

ووفقاً للمصدر ذاته، فإن الاتجاه لتقسيط الأموال قد يكون محفزاً مقبولاً للبعض ممن استقرت حياته في العاصمة القاهرة أو غيرها من المحافظات الأخرى.

ولا يشكل جواز السفر المصري عنصراً جاذباً في حد ذاته؛ لأنه يحتل المرتبة 92 وفقاً لمؤشر جايد Guide لترتيب جوازات السفر، ويتيح لحامليه إمكانية السفر بدون تأشيرة، أو الحصول على تأشيرة عند الوصول إلى 48 دولة فقط.

تحميل المزيد