عادت "الحراسة الليلية" إلى المشهد الفلسطيني في ظل تصاعد هجمات المستوطنين الإسرائيليين على البلدات والقرى والأحياء الفلسطينية، باعتبارها ضرورة لمواجهة الاعتداءات وتقليل أضرارها.
الحراسة الليلية تتبع اللجان الشعبية التي تتشكل في البلدات الفلسطينية، وسط مطالب بإعادة تفعيلها وزيادة الدعم لها، لما لها من دور في مواجهة هجمات المستوطنين، وهي تقوم على تشكيل فرق من الشبان الفلسطينيين المتطوعين، لحراسة البلدات، بالانتشار في محيطها ومرتفعاتها، لرصد تحركات المستوطنين وتنبيه الأهالي في حال اقترابهم بهدف شن هجمات، ومحاولة صدهم.
بلدة "بورين" الفلسطينية، شهدت اعتداءً مماثلا لما حصل في بلدة حوارة القريبة منها، لكن هبّة المواطنين حالت دون أن يتمكن المستوطنون من ارتكاب مزيد من الشغب والانتهاكات والتخريب، بعد أن تمكنوا من صد الهجمات بوسائل شعبية متواضعة.
رافق "عربي بوست" أحد أفراد الحراسة الليلية في بلدة حوارة، أثناء دوريته لحماية البلدة في وقت متأخر من الليل، متحدثا عن الدور الذي يقومون به، وأهميته، خشية من هجوم مماثل لما وقع يوم الأحد 26 فبراير/شباط 2023 في حوارة، حيث استشهد شاب وحرقت عشرات المنازل والسيارات والمحال التجارية على أيدي مئات المستوطنين.
عضو لجنة الحراسة في بلدة حوارة (ع،م) أوضح أنه يتم التبليغ عن أي هجوم للمستوطنين بما يتوفر من وسائل، مثل مجموعات التواصل الاجتماعي أو تفعيل إنذار الخطر من خلال سماعات المساجد.
وسط حالة الإرباك والإرهاق الذي حدث لأهالي حوارة بعد هجمات المستوطنين وحصار البلدة من جيش الاحتلال الإسرائيلي، تعمل لجان الحراسة على متابعة تحركات المستوطنين بشكل مستمر، وللتأكد من أي محاولة لهم للهجوم والإبلاغ عنها، بحسب المتحدث ذاته.
عن أدوات المواجهة الشعبية، أوضح أنها بالاشتباك المباشر معهم بما يتوفر من عصي أو كراسي أو حجارة، لكن "المواجهة الحقيقية معهم هي الاشتباك بالأيادي".
في مقابل غياب دعم كاف للجان الشعبية والحراسة الليلية للفلسطينيين، يمتلك المستوطنون أدوات خطيرة مثل السكاكين أو حتى إطلاق النار الحي أو غاز الفلفل، وسط حماية الجيش الإسرائيلي لهم.
ويسمح الجيش الإسرائيلي للمستوطنين بحمل السلاح، ويقوم بعمل دورات تدريب على حمل السلاح بشكل مستمر لهم، مقابل تنفيذ إعدام ميداني مباشر لأي فلسطيني تجد معه قوات الاحتلال أي سلاح ناري أو حتى سكينا.
انطلاقة عمل لجان الحراسة
وفقا لنشطاء المقاومة العشبية والفصائلية، فإن محرقة عائلة دوابشة التي راح ضحيتها عائلة مكونة من الأب والأم وطفل رضيع بينما نجا ابنهم أحمد، رغم تعرضه لحروق شديدة، دفعت نحو انطلاقة عمل لجان الحراسة الليلية التي تأخذ على عاتقها مراقبة القرى والبلدات التي تشهد هجمات للمستوطنين أو تكون قريبة من البؤر والمستوطنات.
قال الناشط وخبير الاستيطان بشار القريوتي لـ"عربي بوست"، إن تفعيل اللجان الشعبية وتشكيلها، جاء بعد حرق عائلة دوابشة، واستشعار الخطر من المستوطنين الذين شكلوا حركات إرهابية مثل "شبيبة التلال" و"تدفيع الثمن" في محيط جنوب نابلس في الضفة الغربية.
وتابع بأنه "يتم العمل منذ ذلك الحين على تشكيل لجان الحراسة الليلية في كل موقع نشعر أنه بحاجة لوجود حماية، خاصة مع تصاعد عدوان المستوطنين، وزيادة عدد عصابات الإرهاب الاستيطانية، التي تأخذ من مناطق جنوب نابلس مقرا لها في المستوطنات".
تجربة ناجحة في "قصرة"
يأتي ذلك لا سيما أنه عادة ما تتعرض بعض المناطق في جنوب نابلس الى هجمات من المستوطنين، وأغلبها تتم على الطرقات الواصلة بين مدن شمال ووسط الضفة الغربية، من خلال تحطيم المركبات الفلسطينية المتنقلة عبر تلك الطرق.
من النماذج الناجحة في تشكيل لجان الحماية والحراسة، ما جرى في بلدة "قصرة" (جنوب شرق نابلس) التي تصدت أكثر من مرة للمستوطنين، وأشبعهم الشبان الفلسطينيون ضربا، واحتجزوهم، ما شكل رادعا لتلك العصابات، بحسب القريوتي.
أضاف القريوتي أن اختيار تلك اللجان يكون من خلال فئات نشيطة لها دور فاعل في القرى والبلدات المعرضة لهجمات استيطانية، كما يأخذ بالحسبان مكان سكنهم أن يكون قريبا من المناطق المهددة.
رغم أثر لجان الحراسة في الدفاع عن كثير من المناطق، إلا أن القريوتي يخشى من أن بعض اللجان يقل نشاطها أحيانا، الذي لا يعود إلا بعد تجدد الاعتداءات.
أدوات المواجهة
لا تمتلك لجان الحراسة من وسائل الدفاع الا القليل جدا كالعصي والحجارة وبعض الكشافات الليلة التي يرعبون بها المستوطنين الذي يحاولون الاقتراب من البلدات الفلسطينية لعمل شغب فيها، فيما لا تستطيع تلك اللجان حمل السلاح كي لا تكون عرضة للاستهداف من جيش الاحتلال.
تعمل لجان الحراسة بشكل تطوعي من شبان القرى والبلدات، ولا يتلقون أية رواتب على نشاطهم في اللجان الشعبية والحراسة الليلية. ولا يتلقون إلا مساعدات بالاتصال، وتوفير بعض المستلزمات الخاصة بالحراسة، بحسب المصدر الأول الذي يعد أحد أعضاء لنة حراسة حوارة.
يجري التنسيق ما بين أصحاب بعض منازل الفلسطينيين وهذه اللجان، من أجل الحراسة الليلية، إما في فناء تلك المنازل أو أسطحها، وتكون مستعدة لأي طارئ.
استهداف اللجان الشعبية
أكد القريوتي أيضا أن الاحتلال بدأ يستهدف اللجان الشعبية والحراسة الليلية، ويعمل على التضييق عليهم في كثير من المناطق، فهم عرضة للاعتقال أو الاحتجاز.
أشار كذلك إلى أن ناشطين كانوا يتواجدون في الجبال لإبلاغ البلدات بأي هجوم قريب من المستوطنين، أصبحوا الآن داخل البلدات والقرى أو أطرافها، بسبب ملاحقات جيش الاحتلال لهم.
عادة ما توكل مهمة إيقاظ المواطنين الفلسطينيين على عاتق لجان الحراسة الليلية، فهم من يعملون على الوقاية من الهجمات والتجهز لها، بالتنبيه حال وجود خطر أو هجوم للمستوطنين، سواء عبر مكبرات الصوت أو وسائل التواصل وسماعات المساجد.
بحسب القريوتي، فإن لجان الحراسة تواجه جهتين في الوقت ذاته، وهي المستوطنين الذين يحاولون إحراق او تحطيم ممتلكات ومنازل الفلسطينيين، وكذلك جيش الاحتلال الذي يعتدي بإطلاق النار أو الاعتقال على الشبان في حال تصديهم للمستوطنين.
ويحصل المواطنون المتطوعون في اللجان، على تمويل من مؤسسات المجتمع المدني، أو جهات مانحة، أو عبر مؤسسات حكومية فلسطينية من خلال المحافظة أو هيئة مقاومة الجدار والاستيطان التي لم تستجب لطلبات التعليق على دورها ودعمها للجان الشعبية.
من يدعم هذه اللجان؟
تعمل اللجان الشعبية والفصائل والمجالس القروية والبلدية بالتنسيق والتعاون مع هيئة مقاومة الجدار والاستيطان على تشكيل تلك اللجان، وفقا للقريوتي.
بدأت الفصائل بالتعاون مع المؤسسات المحلية في القرى والبلدات بتفعيل وتشكيل نحو 14 لجنة في مواقع مختلفة من محافظة نابلس بالتنسيق مع هيئة مقاومة الجدار والاستيطان.
جاء ذلك بحسب ما أكده رئيس لجنة التنسيق بين الفصائل في محافظة نابلس، نصر أبو جيش، لـ"عربي بوست"، مؤكدا أن هذه اللجان يجب أن تفعل بشكل دائم، وتكون نشيطة دائما، لأن بعضها يشهد ركودا في عملها أحيانا.
أضأف أبو جيش بأن هيئة مقاومة الجدار والاستيطان تقوم على تشكيل تلك اللجان بالتعاون مع الفصائل الفاعلة أو المجالس القروية والبلديات لاستقبال المتطوعين، وتقديم بعض الوسائل اللازمة لعملها.
تعمل المؤسسات المحلية على تقديم بعض الدعم للجان، خاصة بعض الدورات في الإسعاف الأولي، وتزويدهم بمعدات ووسائل اتصال، بحسب أبو جيش، الذي أشار إلى أن عمل اللجان يجب أن يكون نشيطا، وليس مرهونا بردات الفعل على اعتداءات المستوطنين.
بالإضافة إلى ذلك، بعد هجمات المستوطنين في حوارة تعمل البلدة بمؤسساتها على التعاون والتنسيق مع هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، لتفعيل عمل تلك اللجان.
إعادة تفعيل الحراسة الليلية
رئيس بلدية حوارة معين ضميدي، أوضح أن لجان الحراسة لم تكن فعالة على مدار الساعة في البلدة، وباتت هناك ضرورة لعملها بشكل دائم، رغم أن عملها هو عمل تطوعي خالص، من أجل البلدة وأهلها، وستعمل المؤسسات لتوفير ما يمكن من أجل بقائها فعالة ونشطة.
وتعمل تلك اللجان على حراسة المواطنين وممتلكاتهم من خلال التناوب ليلا علتبليغ الأهالي حال وجود أخطار، إضافة الى توثيق وتصوير أي اعتداءات استيطانية.
من جهة أخرى، أشار أبو جيش إلى أن هذه اللجان من مهمتها أيضا مراقبة الأراضي، ومحاولات المستوطنين الاستيلاء عليها، والاستيطان فيها، من أجل إقامة الفعاليات الشعبية للدفاع عن الأراضي المهددة أو إزالة البؤر الاستيطانية التي يضعها المستوطنون.
بدوره، دعا إبراهيم عمران رئيس مجلس قروي بورين جنوب مدينة نابلس، إلى تنظيم وتفعيل لجان الحراسة، والاهتمام أكثر بأعضائها، من خلال توفير مقومات استمرارها كالدعم المادي واللوجستي.
عن الأمور في قريته، أوضح أن شبانها هم أعضاء في لجان الحراسة، ويعملون بشكل متواصل للدفاع عن القرية، ولكن كل ذلك من دافع شخصي وتطوعي ووطني.
من جانبه، اعتبر مسؤول ملف الاستيطان في شمال الضفة الغربية غسان دغلس، أن لجان الحراسة وتفعيلها تحمل مداليل ورسائل عدة، أبرزها للمستوطنين، بأن الأهالي يقظون ويقفون لهم بالمرصاد، وسيتصدون لهم مهما كلف الأمر.
أما الرسالة الثانية، فهي "رسالة دعم ومناصرة للأهالي، بأنهم ليسوا وحدهم في مواجهة أي عدوان، ما يعني رفع معنوياتهم وصمودهم في وجه اعتداءات المستوطنين".
عن دعم جهود اللجان، أشار إلى أن نائب رئيس حركة فتح محمود العالول، يشرف على تفعيل عدد منها، خاصة بعد عدوان حوارة.
وأشار دغلس الى أن هناك تسهيلات ومساعدات تجري في الوقت الحالي لهذه اللجان الشعبية.
لجان الحراسة الليلية
عن الحراسة الليلية، قال مدير دائرة العمل الشعبي في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان عبد الله أبو رحمة، لـ"عربي بوست"، إن تشكيل لجان الحراسة يأتي امتدادا لعمل اللجان الشعبية منذ 20 عاما وما تلاه من فعاليات للجان الشعبية في بعض القرى من خلال تنظيم المسيرات الأسبوعية ضد الاستيطان وجدار الفصل العنصري.
وانتشرت الفكرة في كثير من المواقع على اختلاف درجة نشاط تلك اللجان فيها، بينما تفعلت في مناطق رام الله بعد عام 2019، عندما بدأت تلك العصابات بالاعتداء على مناطق شرق رام الله وشمالها.
وشدد أبو رحمة على أن أهمية أن تبقى تلك اللجان فعالة، لأنه للأسف تشهد حالات مد وجزر في عملها، فأحيانا تنشط وأحيانا يقل نشاطها، ولكن يجب أن تبقى فاعلة وناشطة، خاصة بعد الذي جرى في حوارة و بورين والقرى المحيطة بهما.
وأوضح أبو رحمة بأنه تقع في هذه المناطق نحو 10 بؤر استيطانية يقطنها عناصر "تدفعي الثمن" و"شبيبة التلال" الذين ينفذون هذه الانتهاكات.
وأشار أبو رحمة إلى تشكيل لجنة حراسة في قرية "ترمسعيا" شمال رام الله، التي تعرضت فيها عائلة يقع منزلها على أطراف القرية، فبادرت هيئة مقاومة الجدار إلى تفعيل لجان الحماية والمبيت بشكل يومي بالتناوب بين بعض الأهالي وموظفي الهيئة، والتواجد الدائم في منزل العائلة.
أهمية دور اللجان الشعبية
عن تجربة قرية ترمسعيا، قال المواطن أبو خالد، إنه منذ تشكيل اللجنة وتفعيلها في البلدة لم يجرؤ المستوطنون على تنفيذ أي هجوم على منزله والحي الذي فيه.
أكد أبو خالد بأنه هيئة مقاومة الجدار من خلال تواجدها الدائم وحضور المتطوعين، أبعد أي هجمات للمستوطنين عن منزل العائلة.
بينما في وقت سابق، عندما لم تكن هذه المبادرة، كان المستوطنون ينفذون اعتداءات متكررة على المنزل.
ووفق فراس ضميدي أحد متضرري الهجوم في بلدة حوارة، فإن وجود مثل هكذا لجان سيحد إن لم يمنع عدوان المستوطنين، ويقلل الخسائر على المواطنين رغم الأدوات البسيطة التي تملكها.
حول تجربته الخاصة، بشأن ما جرى في منزلهم ومحاصرة والدته لـ48 ساعة بفعل النيران التي أشعلها المستوطنون، قال إنه كان عملا فظيعا، فلو تواجدت لجان الحراسة لما وصل الأمر إلى هذا الحد.
يشار إلى أن الأحد 26 فبراير/شباط 2023، لم يكن يوما عاديا على بلدة حوارة جنوب مدينة نابلس شمال الضفة الغربية وبعض القرى المحيطة، حيث شهدت هجمات واسعة من مئات المستوطنين على الأهالي وممتلكاتهم، وكل ما استطاعت عصابات المستوطنين الوصول إليه إما بالتكسير أو الحرق أو حتى سرقة الماشية.
أكثر من 30 منزلا فلسطينيا في بلدة حوارة تعرض لاعتداءات، إما بالحرق أو التكسير أو التحطيم. كذلك تعرضت المحال التجارية وممتلكات المواطنين الفلسطينيين للتدمير والسرقة والحرق، فوصل مجموع الاعتداءات في البلدة 110 اعتداء في ذلك اليوم، بحسب رئيس بلدية البلدة.
أما خسائر بلدة حوارة جراء هجمات المستوطنين في ذلك اليوم، بلغت بحسب الضميري نحو 18 مليون شيكل.