اختارت المعارضة التركية بعد أشهر من الجدل والخلاف، الإثنين 6 مارس/آذار 2023، زعيم حزب "الشعب الجمهوري" العلماني، كمال كليجدار أوغلو مرشحاً لها لمواجهة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في انتخابات الرئاسة المزمع عقدها يوم 14 مايو/أيار 2023، والتي يقول مراقبون إنها ستشهد منافسة محتدمة.
فمن هو كليجدار أوغلو الذي علّقت المعارضة آمالها عليه في منافسة أردوغان، وكيف تحوّل من موظف إلى زعيم لأكبر أحزاب المعارضة في تركيا؟
ما قبل دخوله السياسة
ولد كليجدار أوغلو في ديسمبر/كانون الأول 1948، في مقاطعة تونجلي، وهو نجل موظف حكومي وينتمي للطائفة العلوية، التي تشكل 15 إلى 20% من سكان تركيا البالغ عددهم 85 مليون نسمة.
تتبنى الطائفة نهجاً قائماً على مزيج من المعتقدات الشيعية، والصوفية، والمحلية في منطقة الأناضول، واعترف كليجدار بأنه علوي لكنه يتجنب الحديث عن هذه المسألة علناً، بحسب وكالة رويترز.
تعود أصول عائلة كليجدار أوغلو إلى خراسان في إيران، وبحسب صحيفة "يني شفق" التركية، فإن كليجدار تَخرَّج عام 1971 في "أكاديمية العلوم التجارية والاقتصادية في أنقرة".
عمل كليجدار (الذي يبلغ من العمر الآن 74 عاماً) في وزارة المالية عقب اختبار المساعدة للمحاسبين، ثم ترأس مؤسسة التأمين الاجتماعي التركية لمعظم التسعينيات، وكثيراً ما انتقص أردوغان، في خطاباته، من أدائه في هذا الدور.
البداية من البرلمان
في نوفمبر/تشرين الثاني 2002، دخل كليجدار أوغلو إلى البرلمان التركي كنائب عن مدينة إسطنبول، وممثل لحزب "الشعب الجمهوري" الذي أنشأه مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك، والذي وجد صعوبة في تجاوز قاعدته الشعبية العلمانية واستقطاب الأتراك المحافظين.
في العام 2007 انتُخب كليجدار أوغلو أيضاً نائباً عن إسطنبول في الانتخابات العامة، وفي هذه الفترة كان يعمل بمجلس الإدارة المركزية لحزب "الشعب الجمهوري".
تولى كليجدار منصب نائب رئيس الحزب، قبل أن يقرر الترشح لرئاسة الحزب، وفي العام 2010 استقال زعيم "الحزب الجمهوري"، دنيز بايكال، بعد نشر تسجيل مصور على شبكة الإنترنت، قيل إنه يظهر بايكال مع امرأة في غرفة نوم، وقال بايكان حينها "إنه ضحية مؤامرة"، وفقاً لرويترز.
عقب استقالة بايكال تم انتخاب كليجدار رئيساً للحزب، ومع توليه المنصب عام 2010، أصبح كليجدار أوغلو من أشد المنتقدين لحزب "العدالة والتنمية" وأفكاره، ولشخص أردوغان على وجه التحديد.
خسائر عدة أمام العدالة والتنمية
تاريخ كليجدار أوغلو يحتوي على العديد من الهزائم التي مُني بها خلال منافسة حزب أردوغان "العدالة والتنمية"، وهو الأمر الذي كان يشير إليه رافضون لترشيح كليجدار أوغلو لمنافسة أردوغان المُخضرم والموجود في السلطة منذ العام 2002، والذي ساعدته شخصيته المؤثرة وحضوره الطاغي بالحملات الانتخابية في تحقيق أكثر من 12 نصراً انتخابيا على مدى عقدين من الزمن.
في العام 2009، ترشح كليجدار إلى رئاسة بلدية إسطنبول الكبرى، ولم يحظ سوى بـ 37% فقط من الأصوات، وخسر الانتخابات لصالح مرشح حزب "العدالة والتنمية" آنذاك، قدير توباش.
عقب تعيينه رئيساً لحزب "الشعب الجمهوري" عام 2010، قاد كليجدار أوغلو حزبه في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في حزيران 2011، ولم يفلح في الفوز فيها، وحلّ في المرتبة الثانية بنسبة 26% من الأصوات، فيما حل حزب "العدالة والتنمية" بالمرتبة الأولى وحقق %49,8 من الأصوات.
عاد كليجدار أوغلو ليخسر مجدداً في الانتخابات البرلمانية عام 2015، وحل حزب "الشعب الجمهوري" في المرتبة الثانية أيضاً بنسبة 25%، وتصدر "العدالة والتنمية" الانتخابات بنسبة 41%.
تشكيل تحالف المعارضة
الهزائم المتتالية لحزب "الشعب الجمهوري" أمام "العدالة والتنمية" والفشل بهزيمة أردوغان، واستخفاف الأخير بقائد المعارضة، كلها أسباب دفعت كليجدار أوغلو في العام 2018 إلى تشكيل تحالف بين حزبه، و"الحزب الجيد"، و"حزب السعادة" مما مهّد الطريق لنجاحات في الانتخابات المحلية في العام 2019.
في انتخابات 2019 ألحق حزب "الشعب الجمهوري" بقيادة كليجدار أوغلو، هزيمة بحزب "العدالة والتنمية"، وفاز مرشحا الحزب بمنصبي رئاسة البلدية في إسطنبول وأنقرة، بفضل دعم من أحزاب المعارضة الأخرى، واستمد كليجدار دعمه من هذا الانتصار.
يقول منتقدو كليجدار أوغلو إنه يفتقر إلى قدرة أردوغان على حشد الجماهير، وإلى رؤية واضحة أو مقنعة لما سيكون عليه عصر ما بعد أردوغان، واعتبرت ميرال أكشينار زعيمة "حزب الجيد" أحد أحزاب المعارضة المتحالفة مع "الشعب الجمهوري، أن كليجدار أوغلو يفتقر إلى تأييد الرأي العام لهزم أردوغان في الانتخابات الرئاسية.
من جانبه، يرى جونول تول، رئيس برنامج تركيا في معهد الشرق الأوسط ومقره واشنطن أن أنصار كليجدار يؤكدون "سمعته كبيروقراطي يتمتع بالأخلاقيات الواجب توافرها فيمن يخوض غمار العمل العام".
تشير استطلاعات الرأي إلى أن التنافس سيكون كبيراً في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، والتي ستحدد ليس فقط من يقود تركيا وإنما كيف تُحكم وإلى أين يتجه اقتصادها وما هو الدور الذي قد تلعبه لتخفيف الصراع في أوكرانيا والشرق الأوسط.
لذا يتساءل كثيرون عما إذا كان كليجدار الموظف الحكومي السابق قادراً على هزيمة أردوغان، الزعيم الأطول خدمة في البلاد، والذي ساعدته شخصيته المؤثرة وحضوره الطاغي في الحملات الانتخابية في تحقيق أكثر من اثني عشر نصراً انتخابياً على مدى عقدين من الزمن.
كان كليجدار أوغلو قد تحدث في السنوات القليلة الماضية عن الرغبة في مداواة الجراح القديمة مع المسلمين المحافظين والأكراد، بما في ذلك مجموعات في ديار بكر التقى بها وأقر بأن حزب "الشعب الجمهوري" أثار استياءهم في الماضي، لكن كليجدار يجد صعوبة في الاحتفاظ بهذه القوة الدافعة.
وجاء ترشيح كليجدار الآن لخوض انتخابات الرئاسة، بعد اتفاق ما بات يُعرف بأحزاب "الطاولة السداسية" للمعارضة التركية، والتي شهدت تصدعاً قبل أيام من انسحاب حزب "الجيد" الذي اعترض على ترشيح كليجدار، قبل أن تتم تسوية الخلافات.
ماذا تقول استطلاعات الرأي؟
يأتي ترشيح كليجدار بعد شهر من وقوع زلزالين ضخمين دمّرا جنوب شرق تركيا، وكانت المعارضة قد وجهت انتقادات للحكومة واتهمتها بعدم التجاوب بشكل جيد مع الكارثة، وهو ما نفته الحكومة.
رغم ذلك، أشارت استطلاعات الرأي الأولية منذ الزلزالين إلى أن أردوغان قادر على الاحتفاظ بشعبيته إلى حد بعيد، لكن محللين يقولون إن ظهور معارضة موحدة، حتى بعد التأخير في اختيار مرشحها، قد يمثل تحدياً أكبر للرجل القوي.
كذلك أظهرت استطلاعات رأي في الآونة الأخيرة أن شعبية أردوغان ارتفعت منذ الصيف الماضي بفضل إجراءات من بينها زيادة الحد الأدنى للأجور.
يقول الباحث نزيه أونور كورو، إنه في أعقاب الزلزال، تبنى كليجدار خطاباً هجومياً ساعده على تعزيز قاعدته لكنه لم يبلغ به حد كسب ود الناخبين المترددين، وأضاف: "في أوقات الأزمات، يتطلع ناخبو الوسط واليمين الذين يشكلون أكثر من 60% من الناخبين إلى رسائل موحدِة من الساسة. ولم يفعل كليجدار أوغلو ذلك"، وأردف: "هذا لن يساعد المعارضة عموماً".
من جهته، قال إمري بيكر، مدير إدارة أوروبا في مجموعة أوراسيا، إن كليجدار أوغلو قد يواجه صعوبة في تكرار فوز 2019؛ إذ تلوح الهزائم الانتخابية السابقة لحزب الشعب الجمهوري في الأفق، وأضاف: "أردوغان سيُظهر كليجدار أوغلو في مظهر الخاسر".
مواقف مناهضة للاجئين والعرب
يُعد حزب "الشعب الجمهوري" الذي يترأسه كليجدار، من بين أبرز أحزاب المعارضة الرافضة لتواجد اللاجئين والمهاجرين في البلاد، وتوعد كليجدار اللاجئين السوريين الذين يعيشون في تركيا منذ سنوات بإرسالهم إلى بلادهم، كما تربطه علاقات مع نظام بشار الأسد الذي تسبب بخروج السوريين من بلاده.
انتقد كليجدار مراراً وتكراراً استقبال تركيا للاجئين، ووعد بتطبيق سياسات مشددة ضد اللاجئين والمهاجرين، ومثّل ترحيل اللاجئين السوريين أحد الوعود التي قدمها كليجدار لأنصاره في حال وصوله إلى السلطة خلال مدة لا تتجاوز عامين.
كذلك يتبنى كليجدار أوغلو مواقف مناهضة لاستثمارات العرب في تركيا، وفي مايو/أيار 2022، نشر كليجدار تغريدة كتبها باللغة العربية، وحملت تهديداً مبطناً للمستثمرين العرب، وقال فيها: "لا يمكن بيع أي شيء صنع عن طريق سرقة أموال الشعب لطرفكم. إذا كانت هنالك جريمة ارتُكبت بحق أموال الدولة سوف لا نغض النظر عن أي شخص من مرتكبيها حتى لو كنتم أنتم. إذا فكرتم بالمجيء فاعلموا هذا الأمر جيداً"، بحسب قوله.