تعاني مناطق السنة في العراق بسبب وجود قوات "الحشد الشعبي"، الأمر الذي أقرّ به مؤخراً رئيس الحكومة محمد السوداني، متعهداً بإخراجها، ما يثير تساؤلات عن إمكانية تحقيق ذلك، الأمر الذي عجز عنه سابقوه منذ انتشار هذه القوات عام 2014 وحتى اليوم.
وجود الحشد الشعبي في مناطق السنّة، أمر يثير سخط السكان، الذين يطالبون باستمرار بإخراجها، وبوجود القوات الأمنية التابعة لوزارتي الدفاع والداخلية لتحل مكانها للحفاظ على الأمن، مؤكدين أنهم يعانون من "انتهاكات وجرائم تنفذها هذه الميليشيات".
السوداني، رئيس الحكومة التي شكلها الإطار التنسيقي، تعهد بتنفيذ الاتفاق السياسي الذي تشكلت حكومته على أثره، وتضمن ملف إخراج الحشد الشعبي من مناطق السنة، بحسب تصريحات من الكتلة السنية داخل "الإطار" نقلتها وسائل إعلام محلية.
التعهد الذي أعلن عنه رئيس الحكومة جاء خلال اجتماع مغلق جمعه بتحالف السيادة (السني) الأسبوع الماضي، بإخراج الميليشيات من المناطق السنية التي يوجدون فيها منذ استعادتها من تنظيم الدولة الإسلامية، الذي أعلنت بغداد هزيمته عام 2017.
مهلة زمنية
واضعاً مهلة زمنية لتنفيذ ذلك، أوضح السوداني أن إخراج الحشد الشعبي سيجري خلال مدة تتراوح من 6 أشهر إلى عام واحد.
بحسب قناة "يو تي في" المحلية العراقية، فإن قيادات ونواب تحالف السيادة الممثلين للمحافظات السنية، قدّموا لرئيس الحكومة أدلة على الانتهاكات والجرائم الصارخة من قوات الحشد الشعبي، بينها "عمليات قتل خارج إطار القانون، ومصادرة الأراضي، وفرض جباية مالية على المشاريع الاستثمارية".
تواصلت "عربي بوست" مع العديد من النواب في "تحالف السيادة" السني والممثلين للسنّة في البرلمان العراقي لأخذ تعليق منهم على جهودهم بشأن ملف إخراج الحشد الشعبي، والاتفاق مع مكونات الحكومة بتنفيذ ذلك، إلا أنها لم تتلق أي رد منهم.
مناطق وجود الحشد الشعبي
تشهد مناطق السنة وجوداً مكثفاً لقوات الحشد الشعبي في كل محافظات "نينوى، والأنبار، وصلاح الدين، وكركوك، وديالى، وشمال بابل".
هذه المناطق تشهد وجود الحشد الشعبي منذ عام 2014، بحجة محاربة تنظيم الدولة الإسلامية الذي انتهى وجوده فيها أواخر عام 2017، إلا أن هذه القوات لم تنسحب من مناطق السنّة، وحافظت على وجودها فيها رغم الانتقادات الكثيرة.
هل يكون للجيش دور بإخراج الحشد الشعبي؟
من جهته، علّق الخبير العسكري العراقي والعقيد السابق، حاتم الفلاحي، على إمكانية إشراف الجيش على إخراج الحشد الشعبي من مناطق السنّة، بالقول إنه يمكنه ذلك في حال "وجود القرار السياسي وإيقاف تغول الميليشيات المسلحة غير النظامية عليه".
بشأن القرار السياسي وعلاقته بدور محتمل للجيش العراقي في إخراج الحشد الشعبي، أوضح في حديثه لـ"عربي بوست"، أن "مسألة إشراف الجيش على هذه المسألة ليست بمشكلة، فهو يتبع القرار السياسي للدولة وينفذه، فإذا توفر ذلك، فإنه سينفذ ما يملى عليه من أوامر، لكن المشكلة تكمن بأن القرار السيادي مُصادَر في العراق، وهو تابع لأجندة خارجية".
بسبب ذلك، عبر عن استيائه من أن "المؤسسة العسكرية في العراق لم تستطع فرض الأمن والاستقرار في الداخل العراقي؛ لأنها تعاني من تغول ميليشيات الحشد الشعبي عليها، وظهورها بأنها هي القوة الرئيسية في الدفاع عن الدولة الآن، بحسب تصريحات من قادة الحشد، من بينهم رئيسها فالح الفياض، ورئيس تحالف الفتح هادي العامري".
بناء على ما ذكره، قال إن "إشراف الجيش على إخراج الحشد من المناطق السنية لن يكون دون قرار سياسي، فهو عاجز عن التدخل، والدليل على ذلك ما يحصل من جرائم في محافظة ديالى ومناطق أخرى، حيث تقف الأجهزة الأمنية عاجزة على وقف ما تقوم به ميليشيات الحشد الشعبي من تجاوزات"، معتبراً أن ذلك يعني "عدم قدرة السوداني على فرض ما تم الاتفاق عليه مع الأطراف السنية، لذلك لن يتغير شيء مع الحكومة الجديدة التي ترأسها".
أضاف الفلاحي إلى ذلك، أن "هناك مشاكل حقيقية في بقية أجهزة الدولة، فقيادة قوات بغداد لا ترتبط بوزارة الدفاع ولا حتى الداخلية، وكذلك الأمر ذاته بالنسبة لجهاز مكافحة الإرهاب"، ما يعني أنه لا يمكن أن يكون لهما دور كذلك في عملية إخراج الحشد الشعبي.
صفقة سياسية
تعهد رئيس وزراء العراق بما يخلص الحشد الشعبي داخل مناطق السنّة، "يأتي ضمن صفقة سياسية" بحسب الفلاحي، الذي أوضح أنها جرت عند تشكيل الحكومة ما بين الإطار التنسيقي والكتلة السنية والكتلة الكردية.
حول ما يعيق تنفيذ السوداني هذا التعهد، أوضح أن "الحكومة الجديدة يمكن وصفها بأنها إطارية بامتياز، فهي تابعة للإطار التنسيقي، ورغم أن الأخير شهد صفقة سياسية داخل مكوناته شملت إخراج الحشد من مناطق السنّة، لكن ذلك لا يمنع وجود خلافات داخله، لا سيما من المكون الشيعي، الذي قد يمنع تنفيذ الاتفاق مع بقية الكتل السياسية، خصوصاً بما يتعلق بملف انتشار الحشد الشعبي في المناطق السنية".
بالنسبة لسكان المناطق السنية، فإن "بقاء وجود الحشد الشعبي فيها يعكس استمراراً للسياسات الطائفية للحكومات السابقة، لا سيما بعد 2014، ويُعد جزءاً من السيطرة الإيرانية"، وفق ما أكده الفلاحي.
في حين حاول موقع "عربي بوست" التواصل مع الحكومة العراقية والإطار التنسيقي وممثلين عن الحشد الشعبي، إلا أنه لم يتلق رداً حتى ساعة نشر التقرير.
ما هي قوات الحشد الشعبي؟
تأسس "الحشد الشعبي" بناءً على "نداء" أطلقه زعيم أكبر المرجعيات الشيعية في العراق، علي السيستاني، عقب سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على مدينة الموصل عام 2014، لمواجهة امتداده الذي وصل إلى محافظة الأنبار ومدينة تكريت، خشية زحفه نحو العاصمة بغداد.
استجابة لنداء "السيستاني" تجمّع الآلاف من عناصر الميليشيات الشيعية، وشكّلوا "الحشد الشعبي" المتهم بـ"ولائه لإيران، وعدائه للسنّة"، وفق ما جاء في تقارير حقوقية محلية ودولية.
لا توجد معطيات رسمية حول تعداد هذه القوات، لكن هناك تقديرات نشرتها وكالة "الأناضول"، بأن عدد عناصرها بلغ قرابة 300 ألف.
"الحشد الشعبي" يتشكل من مجموعات من الفصائل الشيعية، أبرزها "قوات بدر"، و"كتائب حزب الله"، و"عصائب أهل الحق"، و"كتائب الإمام علي"، و"كتائب سيد الشهداء"، و"سرايا الخرساني"، و"كتائب أنصار المرجعية"، و"كتائب علي أكبر"، و"فرقة العباس القتالية"، و"سرايا عاشوراء"، و"سرايا أنصار العقيدة"، و"سرايا الجهاد"، و"فيلق الكرار"، و"كتائب المنتظر".
يمكن القول أيضاً إن هناك 3 جهات تمثل مكونات الحشد الشعبي، بحسب الفلاحي، الذي أوضح لـ"عربي بوست"، أن الأولى تتبع مرجعية علي السيستاني، والثانية تعود لمرجعية مقتدى الصدر، والأخيرة تأتمر بأمر إيران مباشرة".
ودأب من يشغل منصب رئيس فيلق قدس الإيراني التابع للحرس الثوري، عقد لقاءات مستمرة مع قيادات الحشد الشعبي بشكل علني، وأحيانا في زيارات سرية تكشف عنها تقارير إعلامية باستمرار.
رغم أن "الحشد الشعبي" تأسس بهدف دعم القوات العراقية، التي لم تستطع مقاومة امتداد "داعش" نحو الموصل وتكريت والأنبار، إلا أن عناصره قاموا بمهاجمة بيوت ومحال أهل السنّة في تكريت وديالى ومناطق أخرى، وأضرموا فيها النار، ونهبوا ممتلكاتها، بحسب اتهامات من أطراف سنية عراقية عدة، ووفق ما وثقته منظمة "هيومن رايتس ووتش".
"انتهاكات وجرائم" وتنديد حقوقي
ذكر تقرير صادر عن منظمة "هيومن رايتس ووتش"، الحقوقية الدولية، في شهر يناير/كانون الثاني الماضي، أنّ ممارسات بعض مجموعات "الحشد الشعبي" في مناطق السنّة، ترقى لمستوى "جرائم حرب".
وأضاف التقرير أنّ الميليشيات الشيعية أحرقت العشرات من المساجد والمحال التجارية العائدة للسنّة، مشيراً في هذا الخصوص، إلى وقوف "قوات بدر" و"عصائب أهل الحق"، وراء هذه الجرائم.
مجزرة ديالى نموذجاً
كذلك أكد الفلاحي أن "أهالي المناطق السنية في العراق، لا يزالون يشكون من الانتهاكات والجرائم التي ترتكبها قوات الحشد الشعبي"، وضرب بذلك مثالاً قريباً، قائلاً: "رأينا الإثنين، 20 فبراير/شباط 2023، جريمة بشعة في مدينة الخالص في محافظة ديالى، حيث قتل أكثر من 10 شخصيات بدم بارد من قبل هذه الميليشيات أمام مرأى ومسمع القوات الأمنية الموجودة في تلك المنطقة".
هذه الحادثة الأخيرة بحسب المتحدث ذاته، تشير إلى خطورة وجود "سلاح خارج إطار الدولة، ولا يأتمر بأمرها، لذلك يرى سكان المناطق السنية أن الانتهاكات هذه ستستمر ما بقيت هذه الميليشيات خارج إطار المساءلة القانونية في غياب للعدالة والمحاسبة لها".
وشدد على أن "خروج الحشد الشعبي مطلب جميع المناطق السنية التي دخلتها هذه القوات عنوة بعد 2014″، وأن "الأهالي لن يكفّوا عن مطلب خروجها، لأن المعاناة ستبقى بسببها ما بقيت هناك".
من المؤسسات التي ترصد الانتهاكات في مناطق السنة، هيئة علماء المسلمين في العراق، وتنشر باستمرار بيانات توضح حجمها وتطلق نداءات لإخراج الميليشيات المسلحة من المحافظات السنية.
تحدث "عربي بوست" مع مسؤول القسم السياسي في هيئة علماء المسلمين في العراق (السنية)، مثنى حارث الضاري، الذي أدان المجزرة في ديالى التي وقعت في قرية "الجيايلة"، مشيراً إلى أنها تُعد "نموذجاً لما يجري ضد العراقيين من هذه الميليشيات" التي تُعد الحكومة مسؤولة عنها.
استهجن كذلك أن "الميليشيات التي ارتكبت المجزرة تتقوى بالسلطة والسلاح المنفلت، والهيمنة على الموارد الاقتصادية في المناطق المنكوبة لديمومة إجرامها".
أما عن الجهود النيابية بملف إخراج الحشد الشعبي من مناطق السنّة، فعلق بالقول إن "ما يجري لا يرقى إلى ما يطمح إليه سكان هذه المناطق، فهو لا يتعدى استنكارات وإدانات خجولة ومحسوبة بدقة لعدم إزعاج هذا الطرف أو ذاك، فضلاً عن أن الأطراف المهيمنة على الحكومة ومؤسساتها لا تأبه بمثل هذه الاستنكارات، ولا تلتفت لها بتاتاً؛ والدليل ما جرى في مجزرة قرية (الجيايلة)".
عن إمكانية الحكومة تنفيذ تعهدها، قال إن "الأمر ممكن بكل يسر وسهولة، من خلال قرار بإخراجها، يصدر من السلطة الحاكمة، مع توفر إرادة حقيقية لتطبيقه؛ ولكن القضية ليست بهذه السهولة واليسر، فالوقائع خلاف ذلك، فالإرادة لحل الميليشيات ونزع السلاح، غير موجودة، ولا يمكن تفعيلها حتى في حالة وجودها افتراضياً".
انتقد الضاري كذلك أن "إخراج الميليشيات من المدن العراقية لم يشمل كل المحافظات والمدن؛ لدوافع طائفية"، داعياً إلى أن يشمل ذلك المناطق السنية، وإلى أن يجري حل الميليشيات ونزع سلاحها، وليس إخراجها فقط.
ولفت في حديثه إلى دور هيئة العلماء المسلمين في العراق في رصد الانتهاكات التي تحدث في المحافظات السنية من الميليشيات المسلحة بشكل مستمر، لكنه لم يتفاءل من جدوى التواصل مع الجهات الرسمية بهذا الخصوص، مؤكداً أنه "لا طائل من ورائه، وهناك جهات تقوم بالتواصل المستمر بلا جدوى تُذكر".
أما حول دور هيئة العلماء المسلمين في العراق بهذا الملف، قال: "نحن نقوم برصد وتشخيص كل خلل، وتوثيق الجرائم والانتهاكات، ونوجه شعبنا الصابر لما فيه الخير والحل للخروج مما يعانيه منذ الاحتلال وحتى اليوم على أيدي الحكومات المتعاقبة، وأحزابها، وميليشياتها".
وقال: "نتواصل مع المنظمات الدولية والإقليمية والمحلية المعنية بحقوق الإنسان، ونعمل على إيصال ما لدينا من معلومات وتقارير إلى الرأي العام الداخلي والخارجي، ونبين بكل الطرق الممكنة حقيقة ما يجري في العراق، ونحث على اتخاذ المواقف المناسبة تجاه الحكومة في العراق وهذه الميليشيات؛ لأجل تغيير السياسات العدوانية والتنكيلية".
يشار إلى أن قوات الحشد الشعبي رغم أنها تعد تشكيلاً عسكرياً مستقلاً، فإنه جرى اعتبارها رسمياً، جزءاً من القوات المسلحة العراقية، وترتبط بالقائد العام للقوات المسلحة، وهو رئيس الوزراء العراقي.