توقفت معدلات نمو أجور العمال في الاقتصادات المتقدمة، أو تراجعت عن المستويات المرتفعة، في وقت يشهد العالم موجة من التضخم، وهو أمر الذي تفضله البنوك المركزية؛ لأنه يعني أن الدول لن تقع في دوامة ارتفاع الأجور التي تفضي إلى ارتفاع الأسعار، ومن ثم الاضطرار إلى رفع الأجور مرة أخرى، ومن ثم الاستمرار بهذه الوتيرة.
إضافة إلى ذلك، فمن المرجح أن يؤدي ذلك إلى انخفاض التضخم دون زيادة كبيرة في البطالة، وفقاً لما ذكرته صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية، الأحد 19 فبراير/شباط 2023.
لكن تأثير ذلك الأمر كان أقل إيجابية على العمال، فعلى الرغم من أن بيانات منظمة العمل الدولية تشير إلى أن الأجور زادت في عام 2022، بوتيرة أسرع من زيادتها في العامين السابقين له، فإن هذه الزيادة لم تكن بالقدر نفسه في جميع الاقتصادات المتقدمة الكبرى.
تقارير المنظمة كشفت أن القوة الشرائية للعمال، كانت أقل في عام 2022 مما كانت عليه في عام 2019 قبل وباء كورونا، ولذلك، فإنه على الرغم من الطلب القوي على العمال والانخفاض الشديد في معدلات البطالة، فقد تقلصت حصة العمال من الناتج الاقتصادي في كثير من الدول المتقدمة.
كذلك أشارت مقاييس متنوعة إلى أن نمو الأجور الاسمي -أي غير المُعدل حسب التضخم- في الولايات المتحدة قد شهد تباطؤاً حاداً منذ منتصف العام الماضي.
في هذا الصدد أشارت الصحيفة الأمريكية إلى أن متوسط الأجر بالساعة للعاملين في القطاع الخاص غير الزراعي، ارتفع بنسبة 4.4% في 12 شهراً حتى يناير/كانون الثاني 2023، ما يعني أنه انخفض من 5.6% في مارس/آذار الماضي، وتخلَّف عن معدل الزيادة في أسعار المستهلك الذي بلغ 6.4% خلال العام.
في أوروبا كذلك، انتهى تقرير صادر عن البنك المركزي الأيرلندي وشركة التوظيف "إنديد"، المعنية بتعقب الأجور المعلن عنها عبر الإنترنت، إلى أن متوسط نمو الأجور في 6 بلدان أوروبية قد انخفض من 5.2% في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، إلى 4.9% في ديسمبر/كانون الأول 2022، وقد بلغ معدل التضخم في منطقة اليورو 9.2% بنهاية العام.
أما في كندا، فإن تيف ماكليم، رئيس البنك المركزي، احتج بالانخفاض في نمو الأجور لتفسير قرار البنك بإيقاف الزيادة في أسعار الفائدة، بعد رفع سعر الفائدة الرئيسي إلى 4.5%، أي أعلى مستوى له منذ 15 عاماً.
ماكليم قال: "إن معدل نمو الأجور يتراوح حالياً بين 4% و5% ويبدو أنه استقر ضمن هذا النطاق.. ومن ثم فقد تضاءل خطر الوقوع في دوامة الأجور والأسعار".
من جانبهم، لاحظ اقتصاديون أن نمو الأجور يميل إلى التأخر عن مواكبة التضخم، ولا يسبقه، إذ يعدِّل العمال وأرباب العمل توقعات الأجور بالقياس إلى الارتفاع أو الانخفاض الذي آلت إليه الأسعار.
من ثم، فإن التراجع الأخير في نمو الأجور قد يكون دليلاً متأخراً على أن التضخم بلغ ذروته في الصيف وخريف العام الماضي في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو، ثم انخفض في أعقاب ذلك بعد تراجع أسعار الطاقة تراجعاً حاداً وتراخي الضغوط الواقعة على سلسلة التوريد العالمية.
بدوره قال أندريا غارنيرو، الخبير الاقتصادي في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إن العمال قد يخففوا من مطالبهم بسبب تباطؤ النمو الاقتصادي ومخاوف التسريح من العمل، فقد صارت النقابات العمالية في أوروبا أكثر قلقاً بشأن الأمن الوظيفي للعمال من مخاوفها بشأن الأجور.
من جهته، أوضح جابرييل مخلوف، محافظ البنك المركزي الأيرلندي، أن مطالب العمال برفع الرواتب كانت معقولة، وترجع بعض أسباب ذلك إلى أن الدخول كانت مدعومة بمساعدات حكومية خلال الوباء وأزمة الطاقة.
غالباً ما يكون العمال أول من تبتلعهم دوامة الأجور وارتفاع الأسعار، حيث يؤدي ارتفاع الأجور إلى ارتفاع التكاليف بالنسبة للشركات، والتي بدورها ترفع الأسعار لحماية الأرباح، وبشكل عام، تؤذي مستويات التضخم المرتفعة طبقة العمال.