وسط القصص المأساوية وعدد الضحايا الذي يرتفع كل ساعة، تتوالى المعجزات في تركيا وسوريا، ويظهر بصيص أمل بخروج ناجين قضوا أياماً تحت الأنقاض بعد الزلزال المدمر الذي ضرب البلدين، ليثير تساؤلات حول كيفية نجاتهم وعودتهم للحياة من تحت الركام.
ويشير العلماء إلى أنه في الظروف الطبيعية يمكن أن يعيش الإنسان من دون طعام لمدة 4 أسابيع في المتوسط، ويمكنه البقاء من دون ماء لنحو 5 أيام تقريباً، وذلك إذا كانت بنيته الجسدية جيدة.
ولكن بالمجمل يعتقد أن الساعات 48-72 الأولى بعد الزلزال هي الأكثر أهمية، حيث بعد 72 ساعة من وقوعه غالباً تتعامل فرق الإنقاذ مع الجثث بدلاً من البحث عن ناجين، فكيف صمد الناجون من زلزال تركيا وسوريا لأكثر من 5 أيام تحت الركام؟!
شاب تركي يكشف سر صموده 198 ساعة!
في مدينة كهرمان مرعش مركز الزلزال تمكن الشاب باقي ينينار من الخروج من تحت الأنقاض بعد مضي 198 ساعة، فيما كشف الشاب عن سر بقائه على قيد الحياة قائلاً إنه شرب "مسحوق البروتين" الذي وجده أمامه وهو تحت الأنقاض، وهو ما أنقذ حياته.
وثقت عدسات فرق الإنقاذ لحظات انتشال "باقي" من تحت الأنقاض في ولاية كهرمان مرعش، مع شقيقه محمد أنس، وتبادل باقي أطراف الحديث مع فرق الإنقاذ، مشيراً إلى أنه يعمل صائغاً، وأنه تمسك بالحياة تحت أنقاض الزلزال بشرب مسحوق البروتين (مكمل غذائي).
مخفوقات البروتين عبارة عن مشروبات تُصنع عن طريق خلط مسحوق البروتين بالماء، ويمكن كذلك أن يخلط البروتين بالحليب، ويوفر هذا الخليط للإنسان احتياجاته اليومية من البروتين.
"البول" كان طريقه الوحيد للنجاة!
وفي قصة أخرى قد تبدو "مقززة" لكنها أنقذت حياة شاب تركي من موت محقق، بعد أن عَلِقَ شاب تركي تحت الأنقاض، حيث اضطر عدنان محمد كوركوت لشرب بوله خلال الساعات الـ94 التي قضاها تحت الأنقاض، بمدينة غازي عنتاب، القريبة من بؤرة الزلزال، بحسب صحيفة The Independent البريطانية، الجمعة 10 فبراير/شباط 2023.
وارتسمت على وجه الشاب، البالغ من العمر 17 عاماً، ابتسامة مشوبة بالذعر والارتياح معاً، بينما أحاط به حشدٌ من أصدقائه وأقاربه الذين ذرفوا دموع الفرح أثناء حمله ووضعه على النقالة، وقال عدنان: "الحمد لله أنكم وصلتم"، وعانق والدته وغيرها من الأشخاص الذين مالوا عليه لتقبيله قبل إدخاله إلى عربة الإسعاف. ثم أردف: "أشكركم جميعاً".
"أغاثها الله من السماء"!
وفي تجربة أخرى روت فتاة فلسطينية من سوريا قصتها المعجزة التي أبقتها حية لمدة ثلاثة أيام تحت أنقاض منزل عائلتها الذي انهار بالكامل وقضى على كل أفراد الأسرة.
وقالت الفتاة "جنا رنو": "نحن كنا قاعدين بالصالون عند أختي، أنا وماما وأختي وطفلاها، بابا وأخي كانوا في بيتنا الثاني.. فجأة صارت الدنيا تهتز، وانقسم سقف الغرفة إلى نصفين وسقط علينا، فضرب السقف ظهري وسقطت على الأرض وفقدت الوعي"، وأضافت: "كنت أعتقد أن سقف الغرفة هو ما سقط، لكن عرفت أن البناية كلها انهارت علينا، ولحسن حظي سقطت بين كنبة وسرير، وهما ما منع السقف من سحقي؛ حيث بقيت لأيام في هذا المكان".
وأشارت جنا إلى أنها كانت تتحدث من تحت الأنقاض وتطلب المساعدة، ولكن لم يسمعها أحد.
وفي يومها الثاني بدأت صحتها في التراجع، حيث قالت جنا إنها شعرت بالبرد الشديد ولم تتمكن من تحريك يدها أو قدمها، كما شعرت بالعطش الشديد، قائلة: "يا رب أنا ما مت بالزلزال فهل أموت من العطش!"، وهنا أغاثها الله من السماء بالمطر، حيث استطاعت أن تروي عطشها، حينها ضحكت جنا وتأكدت أنها ستنجو، حسب ما روته.
وتابعت جنا أنه في اليوم الثالث وصلت إليها فرق الإنقاذ، حيث قاموا بهدم منطقة حيث يقع منزل عائلتها، مضيفة: "السقف كان يقترب كثيراً من وجهي، وهنا وضعت يدي على عيوني وصرت أتلو الشهادة لأنني شعرت بقرب الموت، وفي هذا اليوم فقدت الأمل بالنجاة، وصرت أدعو: يا رب معجزة من عندك فقط تنقذني؛ حيث تَواصل هدم المنزل".
إلا أن قطعة سقطت من سقف المنزل، ورأت جنا فسحة الأمل عبر فتحة يمر عبرها الضوء، هنا مررت يدها عبر الفتحة، وشاهدها عمال الإنقاذ وأخرجوها من تحت الأنقاض، ليكتب لها عمر جديد.
المكان الآمن سر النجاة!
كخطوة أولى، يرى خبراء أن "نظرية مثلث الحياة" يمكن أن تكون كلمة السر للبقاء على قيد الحياة في الزلازل المدمرة، حيث تفترض النظرية أنه خلال انهيار مبنى بسبب الزلزال، فإنّ الوزن الثقيل للأسقف والأساس الإسمنتي يسقط فوق الأثاث الموجود في المنزل، ولكنه يترك مساحة أو فراغاً بجوارها، وهذه المساحة التي تفترضها النظرية يطلق عليها اسم "مثلث الحياة".
ووفقاً لما قاله دوغ كوب رئيس الإنقاذ ومدير الكوارث في فريق الإنقاذ الأمريكي الدولي وخبير الأمم المتحدة في الحد من الكوارث، فإنه كلما كانت قطعة الأثاث أقوى، قل ضغط السقف المنهار على الشخص، وكلما كانت مساحة الفراغ الموجودة بجانب هذه القطعة كبيرة، زاد احتمال نجاة الشخص.
وأضاف كوب، وفقاً لما ذكرته مجلة Emergency Live: "غالباً ما تجلس القطط والكلاب أثناء الزلازل على شكل وضعية الجنين، لذلك يجب عليك أيضاً القيام بالحركة ذاتها عبر الالتفاف على قطع الأثاث التي تنضغط تحت وطأة الانهيار، إذ يمكنك البقاء على قيد الحياة في فراغ أصغر، اجلس بجانب شيء ما، بجانب سفرة، بجانب جسم كبير ضخم، بجانب أي شيء بإمكانه أن يترك فراغاً بجانبه".
إذا كنت في السرير أثناء الليل وحدث زلزال، فقم ببساطة بسحب السرير والالتفاف قربه، إذ سيكون هناك فراغ آمن بجانب الجزء السفلي من السرير.
إذا حدث زلزال أثناء مشاهدة التلفزيون ولا يمكنك الهروب بسهولة عن طريق الخروج من الباب أو النافذة، فاستلقِ واجلس في وضع الجنين بجوار الأريكة.
زلزال مدمر في تركيا وسوريا
وفي 6 فبراير/شباط الجاري ضرب زلزال مزدوج جنوبي تركيا وشمالي سوريا بلغت قوة الأول 7.7 درجة، والثاني 7.6 درجة، ومئات الهزات الارتدادية العنيفة، ما خلف خسائر كبيرة بالأرواح والممتلكات في البلدين.
فيما تجاوزت حصيلة قتلى الزلزال 41 ألفاً، إثر انتشال المزيد من الجثث من تحت أنقاض المباني المدمرة في البلدين، مع تضاؤل الآمال في العثور على ناجين بعد مرور 9 أيام على الكارثة.
وقبل أيام، أعلنت تركيا حصيلة صادمة للمباني المنهارة والخراب الذي لحق بالبنية السكنية جنوبي البلاد، وقال وزير البيئة والتطور العمراني التركي، مراد قوروم، إن 41 ألفاً و791 بناءً انهارت أو تضررت في الولايات التركية الـ10 المتأثرة بالزلزال، فيما أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن الزلازل المدمرة كانت "بقوة القنابل الذرية"، وأضاف: "بإجماع كافة خبراء العالم زلزال كهرمان مرعش كارثة طبيعية استثنائية من حيث قوته وحجم الدمار".