مع تدهور العملة الإيرانية، ينقلب كبار رجال الدين ضد الحكومة بقيادة الرئيس المحافظ إبراهيم رئيسي، معربين عن انتقادات "نادرة" للسلطات، بسبب تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد عكس موقفهم السابق، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كان مستقبل الرئيس الإيراني في منصبه على المحك، بحسب ما كشفه موقع Middle East Eye البريطاني.
بحسب التقرير، فإن مصدراً قوياً لانتقاد السلطة مثل رجال الدين يمثل "خطراً متزايداً" على رئيسي، على الرغم من أن التهديد الفوري للمؤسسة الإيرانية من الاحتجاجات الجماهيرية الكاسحة ربما يكون قد مرَّ وانتهى.
ويواجه رئيسي حركة احتجاجية شعبية تطالب بإسقاط النظام الإسلامي، منذ أن اندلعت الاحتجاجات المناهضة للحكومة في أعقاب وفاة مهسا أميني، البالغة من العمر 22 عاماً، في حجز الشرطة في 16 سبتمبر/أيلول من العام الماضي، بعد أن أُلقِيَ القبض عليها بزعم ارتدائها الحجاب "بشكل غير لائق".
وأعقبت الاحتجاجات حملة قمع واسعة النطاق أسفرت عن مقتل المئات واعتقال الآلاف وإعدام العديد من المتظاهرين في ديسمبر/كانون الأول 2022 ويناير/كانون الثاني 2023، بعد ما وصفته منظمة العفو الدولية بـ"المحاكمات الصورية"، فيما يواجه العشرات عقوبة الإعدام.
أزمة اقتصادية
في الوقت نفسه، تضرر الاقتصاد الإيراني بشدة في الأشهر الأخيرة، حيث شددت واشنطن عقوباتها على طهران رداً على الحملة والفشل المحتمل للمحادثات الإيرانية الأمريكية لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015.
وفقد الريال الإيراني 58% من قيمته في الأشهر الستة الماضية. وبينما جرى تداول الريال بنحو 29 ألف تومان (تومان واحد يعادل 10 ريالات) مقابل الدولار الأمريكي في سبتمبر/أيلول، فقد تجاوز الآن 46 ألف تومان. وقد أدى هذا إلى مضاعفة أسعار المواد الغذائية ثلاث مرات وأثار غضباً شعبياً واسع النطاق.
صلة بين "المرجع" والجمهور
رجال الدين، المعروفون أيضاً باسم "المرجع"، على اتصال مع الجمهور كجزء من عملهم اليومي، وبالتالي يرددون مشاعر الشارع الإيراني، بحسب موقع "ميدل إيست آي".
يُستخدم لقب "المرجع" للإشارة إلى رجال الدين القادرين فقهياً على الوصول إلى فتوى دينية. وفي الوقت الحالي، يوجد في إيران رسمياً أقل من ثمانية مراجع، لكن العدد أكبر بشكل غير رسمي.
ويجب على كل مسلم شيعي أن يختار ويتبع "المرجع" في الأمور الدينية، وعلاوة على ذلك، يمكن للمرجع أن يتخذ قرارات لأتباعه في الأمور الدينية والاجتماعية وحتى السياسية.
يتمركز معظم رجال الدين هؤلاء في مدينة قم المقدسة، ويستضيفون ندوات دينية، ومعظمهم قريبون من مؤسسة الجمهورية الإسلامية.
رجال الدين متذمرون من الوضع الاقتصادي
في السياق ذاته، شكا رجل الدين آية الله حسين نوري الهمداني، أحد أنصار المتشددين، من أن الأسعار لم تنخفض، وأعرب عن عدم موافقته على فقدان العملة الإيرانية قيمة أكبر.
وحمَّل رجل دين آخر، آية الله حسين وحيد خراساني، الحكومة مسؤولية الفشل في الحد من الفقر، حيث قال في يناير/كانون الثاني الماضي: "لقد تلقينا شكاوى حول سبل عيش الناس".
وبالمثل، حذّر آية الله عبد الله جوادي أمولي من أن السلطات قد تواجه عقاباً إلهياً، وقال في تصريحات نشرتها وكالة مهر شبه الرسمية للأنباء: "إذا لم نتصرف بشكل صحيح فسيأخذنا الله ويحفظ دينه من خلال جماعة أخرى".
في غضون ذلك، قال محمد موسوي في وقت سابق من هذا الشهر: "لقد فقدنا ثقة الناس"، وهذا نابع من "عدم كفاءتنا".
"استمِعوا لشكاوى الناس"
بعد أيام، انتقد محمد تقي فاضل ميبودي، عضو مجلس المعلمين والباحثين بمدرسة قم، الرئيس رئيسي بسبب أزمة العملة، قائلاً: "سيدي الرئيس، أسعار الصرف والتضخم لا تتحسن بطلبك. لماذا لا تفكر بشكل جدي؟ جعلت الأسعار المرتفعة الناس بائسين قبل العام [الفارسي] الجديد".
كان آية الله ناصر مكارم الشيرازي (95 عاماً)، في طليعة من وجهوا انتقادات صريحة للحكومة، حيث انتقد في ديسمبر/كانون الأول الماضي، ارتفاع التضخم بشكل حاد مقارنة بالعام السابق. بينما عزا الأزمة الاقتصادية إلى اعتماد البلاد على الدولار الأمريكي، متهماً الدولة بعدم فعل الكثير لتغيير الوضع.
وفي بيان صدر مؤخراً في 4 فبراير/شباط الجاري، اتهم الشيرازي المسؤولين الحكوميين بالعيش في رفاهية بينما تعاني الأغلبية من الشعب، لكن رجل الدين نفسه هاجم الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي اندلعت في أعقاب وفاة مهسا أميني.
عندما بدأت قوات أمن الجمهورية الإسلامية في قتل المتظاهرين وإعدامهم، التزم رجال الدين الصمت إلى حد كبير، بينما هاجم الرئيس الإيراني أولئك الذين وصفهم بـ"المقربين" الذين لم يدعموا الجمهورية الإسلامية خلال الاحتجاجات.
وفي غضون ذلك، دعا رجال الدين هؤلاء، ومن ضمنهم الشيرازي والهمداني، الحكومة إلى "الاستماع إلى شكاوى الناس".