تُواصل الدول العربية وفي مقدمتها دول الخليج، دعمها الإغاثي على كافة المستويات لتركيا عقب الزلزال الذي ضرب جنوبي البلاد وشمالي سوريا في 6 فبراير/شباط 2023، وأودى بحياة أكثر من 41 ألف شخص، وأصاب عشرات الآلاف، بينما شرد الملايين من منازلهم وسط طقس قارس البرودة.
وبينما أرسلت معظم الدول العربية فرق بحث وإنقاذ للمشاركة في إنقاذ العالقين تحت الأنقاض عقب الزلزال المدمر، أطلقت 16 دولة عربية جسوراً جوية مع تركيا لتنطلق الرحلات تلو الرحلات ناقلةً المساعدات الطبية والغذائية وغيرها، إلى جانب المشافي المدنية، والمنازل المؤقتة التي بدأت الدوحة بإرسالها مؤخراً إلى تركيا.
تبرعات الخليج تحقق رقماً قياسياً
على صعيد التبرعات، حققت الحملات التي أطلقتها دول الخليج الست رقماً قياسياً بلغ أكثر من 390 مليون دولار في غضون 9 أيام، لمساندة تركيا وسوريا على تجاوز آثار الزلزال المدمر، بينما لا تزال حملة "ساهم" السعودية تستقبل التبرعات المالية حتى الآن، وجمعت نحو 98 مليون دولار، من أكثر من مليون ونصف المليون متبرع.
تضامن قطري
وفي قطر، أطلقت هيئة تنظيم الأعمال الخيرية والمؤسسة القطرية للإعلام بالتعاون مع المؤسسات الخيرية في البلاد (قطر الخيرية والهلال الأحمر) حملة "سند وعون" لمصلحة متضرري الزلزال في تركيا وسوريا. وفي يومها الأول (10 فبراير/شباط)، بلغ حجم التبرعات لحملة "سند وعنون" نحو 168 مليون ريال قطري (46 مليون دولار)، بينها 50 مليوناً (14 مليون دولار) من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.
كما شهدت العاصمة القطرية الدوحة، حملة جمع التبرعات لصالح متضرري الزلزال في تركيا وسوريا بمشاركة الأطفال وفرق الكشافة، تحت اسم "كن أملاً لهم" والتي أطلقتها مؤسسة متاحف قطر "حكومية" بالتعاون مع الهلال الأحمر القطري وتستمر يومين، وتم استقبال التبرعات في مقر متحف الفن الإسلامي ومتحف قطر الوطني.
وقام المتبرعون بتقديم الملابس والبطاطين والحليب والأطعمة المعلبة والمعدات الطبية وألعاب الأطفال، إضافة إلى التبرع النقدي.
من جانبه، أشاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بعزم قطر إرسال 10 آلاف حاوية كمنازل متنقلة لصالح المتضررين من الزلزال في تركيا، مشيراً إلى أنها "حديثة وتم إنشاؤها خلال كأس العالم في قطر 2022″، فيما توجه أردوغان بالشكر لأمير قطر على تلك الحملة.
إلى جانب ذلك، كانت قطر أطلقت حملة أخرى بعنوان "نعين ونعاون" التي تنظمها مؤسسة الحي الثقافي "كتارا" مع جمعية قطر الخيرية، حيث يواصل القطريون التبرع العيني والنقدي لصالح ضحايا الزلزال في تركيا وسوريا.
ورصدت وكالة الأناضول إقبالاً كبيراً من قبل المواطنين والمقيمين، كباراً وصغاراً، نساء ورجالاً، على تقديم التبرّعات في موقع جمعية قطر الخيرية الكائن في الواجهة الجنوبية من الحيّ الثقافي "كتارا" بالعاصمة الدوحة.
وتكثر السيارات الخاصة المحمّلة بأكياس وصناديق الملابس والبطانيات (الأغطية) ومواد غذائية وغيرها، والتي تتوجّه إلى الموقع، في حين تُقدَّم التبرّعات النقدية في الموقع نفسه ويستلم صاحبها إيصالاً بالمبلغ المتبرّع به.
كما نظمت الدوحة، الثلاثاء 14 فبراير/شباط، مسيرة رياضية لجمع التبرعات، من أجل إغاثة المتضررين من الزلزال في تركيا وسوريا، بمشاركة والدة أمير قطر الشيخة موزا بنت ناصر.
مستشفى الإمارات الميداني
منذ اليوم الرابع لوقوع الزلزال المدمر (الخميس 9 فبراير/شباط)، أقامت الإمارات مستشفى ميدانياً في منطقة إصلاحية بولاية غازي عنتاب جنوبي تركيا، في خطوة لتضميد جراح منكوبي الزلزال، ليبدأ المستشفى الذي يتألف كادره الطبي من قرابة 50 شخصاً، بينهم 15 طبيباً، باستقبال المرضى منذ ذلك اليوم.
وتبلغ الطاقة الاستيعابية للمستشفى الميداني 50 سريراً، ويتكون من أقسام للطوارئ وأخرى للعمليات الجراحية والعناية المشددة والدعم النفسي. وفي حديثه لـ"الأناضول"، قال الطبيب سرحان النيادي، مسؤول المستشفى الميداني، إنهم يعملون بالتنسيق مع الأطباء الأتراك.
يأتي ذلك، بينما سيّرت الإمارات 32 طائرة تحمل الأجهزة والمواد الطبية، إضافة إلى 927 خيمة إيواء يستفيد منها قرابة 5000 شخص بجانب فريق بحث وإنقاذ مكون من 92 شخصاً، وفق الوكالة.
ومع وقوع الزلزال، أمر رئيس الإمارات بتقديم مبلغ 50 مليون دولار للمتضررين من الزلازل في تركيا، ومثلهم للمنكوبين سوريا.
تضامن كويتي خاص
إلى جانب الدعم الكبير الذي خصصته الكويت لضحايا الزلزال في تركيا، أعلنت السفارة الكويتية في تركيا، الأربعاء 15 فبراير/شباط 2023، إلغاء حفل الاستقبال الذي كانت تنوي إقامته بمناسبة ذكرى العيد الوطني الـ62؛ تضامناً مع ضحايا الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا.
بدورها، قالت السفارة الكويتية في بيان: "تضامناً مع الجمهورية التركية حكومة وشعباً، إثر الزلزال الكارثي الذي ضربي جنوب تركيا وشمالي سوريا، قامت سفارة دولة الكويت في أنقرة والقنصلية العامة لدولة الكويت في إسطنبول بإلغاء إقامة حفل استقبال ذكرى العيد الوطني الـ62 وذكرى عيد التحرير الـ32 لدولة الكويت".
في المقابل، أشادت السفيرة التركية لدى الكويت طوبى نور سونمز، الثلاثاء 14 فبراير، بكرم الشعب الكويتي ومحبته للشعب التركي، مشيرة إلى أن ذلك تجلى مرة أخرى من خلال وقوفهم بجانب تركيا خلال كارثة الزلزال.
وخلال تفقدها المناطق المنكوبة جنوبي تركيا، برفقة وزيرة الشؤون الاجتماعية الكويتية مي البغلي، قالت السفيرة التركية إن الشعب والحكومة الكويتيين أعربا عن وقوفهما بجانب تركيا منذ لحظة الزلزال، حيث قدما الدعم مادياً ومعنوياً من خلال الأدعية والتصريحات والرسائل، بحسب الأناضول.
أضافت: "شعرنا بذلك عن كثب بالسفارة التركية في الكويت، وكمثال على ذلك تم إطلاق حملة بعنوان (الكويت بجانبكم)، حيث تم جمع 70 مليون دولار خلال 12 ساعة فقط"، مشيرة إلى أن السفارة تولت مهمة تنسيق إيصال المساعدات العينية.
السفيرة التركية أفادت بأن الكويت أنشأت جسراً جوياً إلى تركيا منذ ثاني أيام الزلزال، حيث أرسل الإطفاء الكويتي فريق بحث وإنقاذ مكوناً من 46 خبيراً برفقة 6 عربات، وطائرتين عسكريتين، معربة عن بالغ امتنانها "لأصدقائنا الذين وقفوا بجانبنا في الأوقات العصيبة واللحظات الأليمة، الشعب الكويتي ودولة الكويت على حد سواء".
في السياق، كان مجلس الوزراء الكويتي أعلن في 9 فبراير/شباط، التبرع بمبلغ 30 مليون دولار لدعم تركيا وسوريا (مناصفة)؛ لتخفيف المعاناة الإنسانية عن المتضررين من الزلزال.
دعم من البحرين وسلطنة عمان
وفي البحرين، أعلنت المنامة في 9 فبراير/شباط، "تدشين التبرع في الحملة الوطنية لدعم ضحايا الزلزال في تركيا وسوريا". وقبلها بيوم، وجّه الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة، ممثل الملك للأعمال الإنسانية وشؤون الشباب، دعوة إلى التبرع ضمن الحملة.
والثلاثاء 14 فبراير/شباط، وصلت طائرة شحن محملة بالمساعدات الإنسانية البحرينية، إلى الأراضي التركية لإغاثة المتضررين من الزلزال في تركيا وسوريا، بحسب وكالة الأنباء البحرينية (BNA).
ومن جانب آخر نشرت سفيرة تركيا في المنامة أسين تشاكيل، على صفحتها بـ"فيسبوك"، رسالة فيديو، أكدت خلالها وقوف مملكة البحرين مع تركيا منذ اليوم الأول للزلزال. وأشارت إلى أنّ طاقم الإنقاذ البحريني المؤلف من 35 شخصاً، يعملون في ولاية هاتاي.
ومنذ اليوم الأول للزلزال وبحسب السفيرة التركية، جمعت البحرين بمبادرة من الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة، 60 طناً من المساعدات العينية. وإلى الآن تم إرسال 36 طناً من المساعدات التي جُمعت بالسفارة التركية في المنامة، وسيتم إرسال المتبقي عبر الخطوط الجوية التركية.
أما في سلطنة عُمان، فأعلنت الجمعية العمانية للأعمال الخيرية في 7 فبراير/شباط، فتح أبواب التبرع لإغاثة المتضررين من زلزال تركيا وسوريا، ونشرت الهيئة عبر حسابها بـ"تويتر"، التفاعل الواسع الرسمي بتسيير جسر مساعدات جوي لتركيا وسوريا، فضلاً عن تبرعات مالية لشركات، مؤكدةً "نجاح حملة التبرع"، دون ذكر أرقام محددة أو موعد انتهائها.
والسبت 11 فبراير/شباط، سيَّرت سلطنة عمان رحلات إغاثة جوية إلى تركيا بواسطة طائرات نقل عسكرية لسلاح الجو السلطاني العماني، وتحمل على متنها مواد إغاثية متنوعة، وفق وكالة الأنباء الرسمية للبلاد.
كما انطلقت في سلطنة عمان، حملة "ألم وأمل" الشعبية، واستطاعت جمع نحو 650 ألف دولار خلال 48 ساعة، كما أطلق نشطاء حملةَ تبرعات عبر تطبيق "دار العطاء"، وقال الناشط محمد المخيني إنه تم جمع مليون دولار لدعم المتضررين في البلدين حتى يوم 8 فبراير/شباط.
دعم عربي غير محدود
وبقدر ما كشف الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا عن مآسٍ ومشاهد يصعب نسيانها توثق حجم الكارثة التي خطفت أرواح الآلاف، فإنه كشف في الوقت ذاته عن "تعبئة" إنسانية جسَّدها العالم العربي حكومات وشعوباً، فوقف إلى جانب تركيا ومد لها يد العون، وأنشأ جسوراً جوية لنقل الإغاثة، وأرسل فرق بحث وإنقاذ، ومساعدات نقدية وعينية.
بدءاً من الخليج إلى مصر والمغرب العربي حتى فلسطين الجريحة لم تتردد وقدّمت ما تستطيع من دعم ومساعدة، وفي الوقت ذاته أطلقت الجاليات العربية في تركيا حملات جماعية؛ فمنهم من تطوع مع فرق الإنقاذ، ومنهم الذي بذل ما أمكنه من دعم مادي، ومنهم من ركب سيارته وراح ينقل المتضررين من الزلزال إلى الولايات والمناطق الآمنة.
ومنذ وقوع الزلزال بادرت الدول العربية للتعبير عن تعازيها لذوي ضحايا الزلزال في تركيا وسوريا، معلنةً استعدادها لتقديم الدعم العاجل على كافة الأصعدة.
وفتحت 16 دولة عربية جسوراً جوية مع تركيا، لتنطلق الرحلات تلو الرحلات ناقلةً المساعدات الطبية والغذائية وغيرها، ولليوم السادس على وقوع الزلزال المدمر في تركيا، وصلت عشرات الطائرات من دول مثل السعودية وقطر والإمارات ومصر والجزائر وغيرها الكثير من الدول العربية.
كما ميَّز روح التضامن العربية الحملات الشعبية التي سجلت أرقاماً قياسية في جمع التبرعات من المواطنين، رغم أزمة التضخم التي أثقلت كاهل العالم، ولا تكاد دولة عربية تخلو من حملات من هذا النوع، أبطالها مواطنون قرروا دعم أشقائهم في تركيا وسوريا والوقوف إلى جانبهم في هذه المحنة، بعد كارثة تعتبر من أكبر كوارث العالم في القرن الحادي والعشرين.