أثارت عودة المعارض البارز ممدوح حمزة إلى الأراضي المصرية، في ساعة متأخرة من مساء الأحد، تساؤلات عديدة حول أسباب منحه الضوء الأخضر للعودة الآمنة في هذا التوقيت، بعد أيام من الإفراج عن رجل الأعمال صفوان ثابت، الذي اتهمته الحكومة بالانضمام لجماعة الإخوان، وكذلك مع عودة عدد من معارضي الخارج، أبرزهم الأكاديمي عمرو حمزاوي والمخرج خالد يوسف.
مصدر أمني على صلة بملابسات عودة حمزة قال لـ"عربي بوست"، إن أحزاب الحركة المدنية الديمقراطية طرحت اسمه ضمن مجموعة من الأسماء التي تقدمت بها للأجهزة الأمنية للسماح لها بالعودة ضمن مطالبها للموافقة على المشاركة في الحوار الوطني، وأن الفترة الماضية شهدت ترتيبات العودة على مستويات قضائية وأمنية وسياسية قبل وصوله إلى مطار القاهرة.
عودة حمزة ضمن اتفاق إقناع المعارضة بالعودة للحوار
يضيف المصدر أن عودته تأتي في سياق إقناع المعارضة بضرورة انطلاق الحوار والتخلي عن تمسكهم بإطلاق سراح أسماء بعينها، ترى الأجهزة الأمنية أنها تمثل خطراً على الأمن الداخلي في حال الإفراج عنهم، والتأكيد على أن الحكومة منفتحة على الجزء الأكبر من مطالبها عبر إطلاق سراح ما يقرب من 1500 معتقل على ذمة قضايا رأي، وكذلك السماح بعودة الأسماء السياسية البارزة التي مارست المعارضة من الخارج، شريطة ألا تكون انضمت بشكل مباشر إلى جماعة الإخوان.
لكن ما مصير معارضي الخارج؟
يستكمل المصدر: من المتوقع أن تشهد الأسابيع القادمة عودة مزيد من الشخصيات المعارضة بالخارج، إلى جانب الإفراج عن عدد جديد من المعارضين السياسيين ضمن مساعي الاستجابة لمطالب القوى المدنية، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن تسهيلات عودة حمزة ترتبط بأوضاعه الخاصة؛ كونه في سن متقدمة من العمر، ولديه مشاكل صحية عديدة ولا يستقر في مكان بعينه، وأن مسألة عودته لم تأخذ شداً وجذباً؛ بسبب رغبته التي حسمت عودته سريعاً إلى أرض الوطن.
وعبر الاستشاري الهندسي ممدوح حمزة، فور وصوله إلى مطار القاهرة بعد غياب دام نحو 3 سنوات، عن تفاؤله بإمكانية إحداث انفراجة سياسية بالبلاد خلال الفترة المقبلة، موضحاً أن "مسؤولاً أمنياً التقاه بالمطار، وأبلغه أن مصر ترحب بأولادها وتفتح لهم ذراعيها ليعودوا إلى بلادهم لتستفيد منهم".
وأفاد المحامي اليساري خالد علي، في بيان على فيسبوك بـ"وصول (موكله) ممدوح حمزة للقاهرة بعد أيام معدودة من صدور قرار المحكمة بإلغاء قرار منع السفر وترقب الوصول الخميس الماضي، إذ جرى من قبل إدراجه على قوائم الإرهاب إثر إدانته بـ"التحريض على العنف ونشر أخبار كاذبة".
وفي سبتمبر/أيلول 2021 أعلنت هيئة دفاع حمزة في بيان، أنه "تم قبول تظلم قضائي من نائب الحاكم العسكري، وتقرر إلغاء الحكم وإعادة المحاكمة من جديد"، والخميس، أصدرت جهات التحقيق القضائية قراراً برفع اسم حمزة من قوائم الممنوعين من السفر وترقب الوصول، وفق ما ذكره إعلام محلي آنذاك، وينتظر حمزة جلسة جديدة من جلسات إعادة محاكمته في 30 يونيو/حزيران المقبل.
ويقول مصدر سياسي مطلع بالأمانة العامة للحوار الوطني لـ"عربي بوست"، إن عودة حمزة تأتي في وقت ضاعفت فيه الحركة المدنية ضغوطها للإفراج عن باقي القوائم التي قدمتها للأجهزة الأمنية وطالبت بالإفراج عنهم قبل انطلاق الحوار، وذلك مع تباطؤ الجهات الأمنية في الإفراج عن الأسماء البارزة التي طالبت الحركة بالإفراج عنهم، وبينهم الناشط علاء عبدالفتاح.
مخاوف مصرية من التنسيق بين معارضة الداخل والخارج
وسعت جهات حكومية لتهدئة الأجواء مع انفتاح الحركة المدنية على مسألة مشاركة جماعة الإخوان في الحوار، ومطالب عدد من قياداتها بإطلاق سراحهم أسوة بباقي المحبوسين على ذمة قضايا الرأي، وتخوفت الحكومة وفقاً للمصدر ذاته، من أن تتنوع أشكال التنسيق بين معارضة الداخل والخارج، مع ارتفاع موجات الانتقادات الموجهة لها لفشلها في التعامل في ملفات اقتصادية واجتماعية عديدة.
ويشير مصدر الأمانة العامة للحوار الوطني إلى أن عودة ممدوح حمزة من الممكن أن تشكل انطلاقة مهمة لمزيد من الإفراجات، وأن الرسالة الأهم التي وجهها النظام إلى المعارضين تتمثل في أنه سيكون أكثر انفتاحاً على المعارضين المستقلين، والذين يمكن احتواؤهم في الداخل، وأن ما يحدث في هذا التوقيت سواء مع الوعود التي قدمها النظام للإفراج عن الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات المستشار هشام جنينة بعد انقضاء فترة عقوبته، وكذلك عودة ممدوح حمزة يبرهن على تطور ملحوظ في توجهات النظام المصري.
وربط المصدر ذاته بين تلك الخطوات وبين الاستجابة لمطالب سياسية قدمتها قوى معارضة تتعلق باتخاذ موقف قوي من الانتهاكات الإسرائيلية في القدس المحتلة، ووضح ذلك من خلال الخطاب القوي الذي وجهه الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته في قمة دعم القدس، الأحد، وسبق ذلك الموقف القوي الذي عبر عنه وزير الخارجية، سامح شكري، والذي وجّه "إنذاراً" دبلوماسياً ضد التعنت الإثيوبي في قضية سد النهضة.
استجابة لضغوط الخارج وتهدئة الأجواء لمواجهة الأزمة الاقتصادية
المتحدث ذاته أشار إلى أن هناك سياقاً عاماً يحاول خلاله النظام المصري تهدئة الأجواء لتحقيق أهداف عديدة، على رأسها التعامل مع الأزمة الاقتصادية، والتي قد يكون لديها مردود سلبي في حال خرجت الأوضاع عن السيطرة، وفي حال لم يكن لدى المواطنين قدرة على تحمل شدة وطأتها مع اقتراب شهر رمضان، إلى جانب الاستجابة للضغوطات الدولية التي وضعت الإصلاح السياسي والانفتاح على القوى السياسية المختلفة ضمن شروطها غير المعلنة لدعم النظام المصري وإمداده بالقروض والمساعدات اللازمة لتجاوز الأزمة الراهنة.
رغم أن المصدر ذاته شدد على أن القرارات الأخيرة قد تدفع بعجلة الحوار الوطني إلى الأمام، باعتبار أن الإجراءات الأخيرة تحظى برضاء الحركة المدنية الديمقراطية المعارضة، لكنه في الوقت ذاته رفض أن تكون عودة حمزة في هذا التوقيت لها علاقة مباشرة بتحريك الحوار، معتبراً أن ما يستهدفه النظام السياسي في تلك المرحلة هو إرسال إشارات طمأنة للخارج لجذب المستثمرين، والتأكيد على أن هناك انفراجة سياسية تسمح بتنفيذ خطط إنقاذ الاقتصاد.
وتستعد القاهرة في تلك الأثناء لتدشين مجموعة من الفعاليات التي سيكون هدفها تحسين صورة الدولة في الخارج لإعادة جذب الاستثمار مرة أخرى، بعد أن أدركت أن فشل خطوات الإصلاح الاقتصادي السابقة يُلقي بظلاله على أي مساعٍ لجذب العملة الصعبة والأموال الساخنة، إذ من المقرر أن تدشن أولى مراحل الانتقال الحكومي إلى العاصمة الإدارية في غضون الشهرين المقبلين، إلى جانب افتتاح المتحف المصري الكبير الذي تسوق إليه من الآن، وتسعى لتوظيفه للفت أنظار العالم إليها من جديد.
ويقول سياسي مطلع بالحركة المدنية، إن عودة حمزة ستسهم بشكل غير مباشر في تحريك مسار الحوار الوطني، وتساعد على تهيئة الأجواء المناسبة لإنجاحه، موضحاً أن العودة الأخيرة مؤشراً إيجابياً من النظام على نواياه الإيجابية تجاه الاستجابة لمطالب الحركة، والتي تستمر بدورها في طرح الكثير من الأسماء للإفراج عنها خلال الفترات المقبلة.
مصادر حكومية تتوقع انفراجة حقيقية
ويضيف أن الحركة من خلال التواصل مع مصادر حكومية لمست أن هناك "انفراجة" حقيقية قد تكون هذه المرة من أجل تخفيف حدة الاحتقان السائدة في البلاد، وأن الحركة تلقت وعوداً بإخلاء سبيل المحبوسين وعودة الغائبين من الخارج، ما دامت أيديهم لم تتلوث بالدماء، متوقعاً أن تشهد الفترة المقبلة إخلاء سبيل المئات من المواطنين ممن تم إلقاء القبض عليهم دون أن تكون لديهم انتماءات إلى أي تنظيمات سياسية.
ويرى أن اختبار جدية النظام هذه المرة تتمثل في أن يكون إطلاق سراح المحبوسين لا يوازيه إلقاء القبض على آخرين بدلاً منهم، وأن تكرار هذه المسألة خلال الفترة الماضية دفع لتوتر الأجواء بين قيادات الحركة وجهات حكومية مسؤولة عن الحوار الوطني، مضيفاً: "تلقينا وعوداً أيضاً بعدم إلقاء القبض على آخرين إلا في حال التورط في تحريض مباشر ضد الدولة المصرية".
ولا تنفصل تلك الوعود عن تشجيع أمريكي للحكومة المصرية نحو الاستمرار في إطلاق سراح المعتقلين، إذ أشارت على وزير خارجيتها أنتوني بلينكن، في مؤتمر صحفي مع نظيره المصري سامح شكري عُقد الشهر الماضي، بإعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسية، مضيفاً: "نستمر في الحديث مع الحكومة المصرية لاتخاذ إجراءات فيما يتعلق بحقوق الإنسان، بينها إطلاق جميع السجناء السياسيين".
كان هناك بوادر ضغط أمريكي
وأوضح محلل سياسي مصري، رفض ذكر اسمه، لـ"عربي بوست" إن الاجتماعات التي عقدها وزير الخارجية الأمريكي خلال زيارته الأخيرة للقاهرة بعثت بإشارات قلق بأن الحكومة المصرية أمام بوادر ضغط أمريكي لتنفيذ ما وعدت به من إصلاحات سياسية، ومن المتوقع أن تتجه نحو إتاحة مزيد من المنافذ والمتنفسات كلما شعرت بخطورة إمكانية توظيف المعارضة ودعمها من الخارج، خاصة أن الأجواء في الداخل نتيجة صعوبة الأوضاع الاقتصادية تشجع على ذلك.
وتأتي عودة ممدوح حمزة كردة فعل مصرية على تصعيد مقابل في الداخل، لأن الحديث عن انتخابات الرئاسة قبل أكثر من عام على انطلاقها وإطلاق أعيرة نارية معارضة في الهواء تشير لتجهيز الحركة المدنية وعدد من المستقلين لمرشح يخوض غمار الانتخابات أمام الرئيس المصري، بالإضافة لمطالب القيادة بالحركة المدنية يحيى حسين عبد الهادي بإطلاق سراج معتقلي تنظيم الإخوان كان بحاجة لردة فعل تؤكد من خلاله الحكومة ما زالت تمسك بالعديد من الأوراق وتنتظر الوقت المناسب لإشهارها، بحسب ما أكده المحلل السياسي ذاته.
النظام المصري يستعد مبكراً للانتخابات الرئاسية
وأضاف أن النظام المصري يستعد مبكراً للانتخابات الرئاسية ويحاول أن يُطفئ النيران المشتعلة حالياً، ويسعى بكل السبل لتخفيف حدة الأزمة الاقتصادية، وفي المقابل يؤكد على أنه جاد في مسألة الإصلاح السياسي، وأنه لا يمانع في مشاركة عدة مرشحين في مواجهة الرئيس عبد الفتاح السيسي، والتأكيد أمام المجتمع الدولي بأن نتيجتها جاءت وفقاً لانتخابات حرة نزيهة، لتكون هناك أرضية مناسبة لترشح الرئيس الحالي لفترة رئاسية ثالثة وأخيرة، بحسب الدستور المصري.
وعقب دخوله من مطار القاهرة، نشر ممدوح حمزة مقطع فيديو عبر حسابه على فيسبوك، أعلن فيه دخوله بسلام وبترحيب من المسؤولين: بعد دخولي المطار لواء استقبلني وقال لي "مصر ترحب بأولادها المخلصين، وفاتحة دراعاتها ليعودوا لبلدهم وتستفيد منهم"، وأضاف ممدوح حمزة: ما حدث اليوم يجعلني متفائلاً جداً، وما فهمته وأسعدني جداً أن هناك انفراجة، وبالتأكيد لن تقتصر عليّ.
ويشير أحد قادة الأحزاب المعارضة – شريطة عدم ذكر اسمه- إلى أن الحكومة المصرية رفضت من قبل التجاوب مع حالات عديدة رغبت في العودة إلى الداخل، وأن الاحتفاء بعودة شخص واحد، وإن كان ذا ثقل سياسي، فإنها لا تكفي للتأكيد على أن هناك انفراجة، وسيكون علينا انتظار ما تحمله الأيام المقبلة، ومدى مشاركة من عادوا إلى الداخل في العمل السياسي العام، وأن اختفاء عمرو حمزاوي من المشهد يثير الشكوك حول قدرة ممدوح حمزة على توجيه انتقادات لاذعة للنظام، مثلما كان يفعل في الخارج.
وأضاف أن الحكومة المصرية ما زالت تستخدم سياسة الدوران في المكان؛ لأنها أعلنت انطلاق الحوار الوطني منذ عام تقريباً، لكن لم تبدأ الجلسات المباشرة بعد، كما أن الرسائل المهمة التي وجهها أحد المسؤولين الأمنيين إلى ممدوح حمزة بمطار القاهرة ليست هناك بوادر تشير لإمكانية تنفيذها على الأرض، وفي النهاية يظل المصريون أمام مؤشرات للانفتاح، لكنها ليست كاملة، وسيكون من المهم أن تتحول تلك المؤشرات إلى أفعال واقعية تتمثل في انطلاق الحوار الوطني وإطلاق سراح المحبوسين، والانفتاح على مختلف القوى السياسية.
وما زالت هناك قيود على حركة الأحزاب المدنية المعارضة على الأرض في مصر، وفقاً للمتحدث ذاته الذي شدد على أن الأزمة الراهنة تتمثل في أنه قد تكون هناك مواقف إيجابية من الإصلاح السياسي تسعى جهة أمنية بعينها لتنفيذها، في مقابل جهات أخرى تعرقل هذه التوجهات، وتجد القوى السياسية نفسها أمام إشارات متعارضة، ومن المطلوب أن تضع الدولة خطاً واحداً لتسير عليه، حتى تتسم بالوضوح.