لليوم الثالث على التوالي، تتواصل معاناة المنكوبين من اللاجئين الفلسطينيين في الشمال السوري جراء الزلزال الذي ضرب المنطقة الحدودية بين تركيا وسوريا، فجر الإثنين 6 فبراير/شباط 2023، والذي راح ضحيته آلاف القتلى وعشرات آلاف المصابين، بالإضافة لعدد كبير من المفقودين لا يزالون تحت الأنقاض.
تمكن "عربي بوست" من الوصول لمناطق مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في شمال سوريا، حيث يعاني مئات الفلسطينيين هناك من أوضاع مأساوية، مثلهم مثل جزء كبير من السوريين. نرصد هنا الوضع الإنساني في تلك المخيمات وحجم الدمار الكبير الذي حل بالمنطقة.
مشاهد مؤلمة
أحد المشاهد المؤلمة التي رصدناها كانت تلك التي وقعت في منطقة جنديرس، والتي شاهدت الدمار الأسوأ من بين مناطق المخيمات الفلسطينية في الشمال السوري.
هناك، انهار المبنى الذي كان يضم عائلة غازي، والتي تعود أصولهم إلى مدينة الناصرة شمالي فلسطين المحتلة، المكون من 3 طوابق في اللحظات الأولى لوقوع الزلزال.
يقول عاصم غازي ابن عم العائلة المنكوبة إنهم أحصوا 6 قتلى من العائلة حتى اللحظة، وهم الأب يوسف وزوجته رفيقة كلساني وابنته آمنة، فيما لا تزال عمليات الإنقاذ جارية للبحث عن 3 مفقودين لا يزالون في عداد المفقودين، وتجري عمليات البحث عنهم بشكل مكثف.
وأضاف: "نحن نخوض سباقاً مع الزمن لمحاولة الوصول إليهم قبل انقضاء اليوم الثالث، لأن تجاوز هذا الوقت يعني تضاؤل فرص الوصول إليهم أحياء، في ظل البرد القارس الذي تشهده المنطقة".
التواجد الفلسطيني في الشمال السوري
وفقاً لمحمود زغموت عضو مجموعة "العمل من أجل فلسطينيي سوريا"، يبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين في الشمال السوري نحو 1700 عائلة، بإجمالي قرابة 9 آلاف نسمة. الجزء الأكبر من هؤلاء اللاجئين كانوا قد نزحوا من مخيم اليرموك وريفي دمشق وحلب بعد تصاعد الأحداث المسلحة خلال الثورة السورية.
وأضاف زغموت في حديثه لـ"عربي بوست" أن الكارثة الأكبر التي حلت بالفلسطينيين جراء الزلزال وقعت في منطقة جنديرس، حيث سقطت عائلات بأكملها تحت الأنقاض.
"ما يزيد من سوء الأوضاع هناك أن مناطق شاسعة لم تستطع طواقم الإنقاذ الوصول إليها حتى هذه اللحظة، بالنظر لانقطاع الاتصالات والإنترنت وعدم قدرة المركبات على السير في هذه المناطق بسبب الضرر الكبير الذي أصاب الطرقات"، بحسب زغموت.
وفي آخر تحديث لوزارة الخارجية الفلسطينية صباح الأربعاء 8 من فبراير/شباط 2023، فقد أكدت ارتفاع عدد القتلى الفلسطينيين جراء الزلزال إلى نحو 62 قتيلاً، منهم 44 في سوريا و18 آخرين في تركيا.
فيما أكدت عائلات لنازحين فلسطينيين من الشمال السوري تحدثوا لـ"عربي بوست" أن نحو 34 فلسطينياً انقطع الاتصال بهم منذ وقوع الزلزال وحتى اليوم الثالث للكارثة، ولا يعرف مصيرهم إذا ما كانوا أحياء أم أنهم لا يزالون تحت الأنقاض.
مدن غير آمنة سُوّيت بالأرض
محمود أبو راس، الصحفي الفلسطيني السوري المتواجد في إدلب، أوضح لـ"عربي بوست" أن مناطق تواجد الفلسطينيين في الشمال السوري كانت على مدار الأشهر والسنوات الأخيرة تحت مرمى المدفعية الأرضية والقصف الجوي من النظام السوري، وبالتالي فإن المباني لم تكن آمنة وهي آيلة للسقوط، كما أنها غير مؤمنة بالقدر الذي يمكن أن تتحمل زلزالاً مدمراً بهذا الشكل".
وتابع: "المناطق التي سويت بالأرض هي مدن سرمدا والدانا وحارم وبسنيا وزردنة، وجزء كبير من هذه المناطق لم تصلها طواقم الإنقاذ بعد".
وأضاف أن عمليات البحث عن المفقودين تتم من خلال المنظمات التطوعية المعروفة بالخوذ البيضاء وجهاز الدفاع المدني السوري، مؤكداً أنه لا يوجد أي دور أممي أو دولي حتى اللحظة لمساعدة المنكوبين.
أما عن إمكانات الدفاع المدني فهي محدودة جداً، وتعتمد على أدوات بدائية، ولا يتجاوز عدد آليات رفع الأنقاض 30 آلية فقط تغطي مساحة دمار تزيد عن ألف كيلومتر مربع.
أبرز التحديات التي تواجه عمليات الإنقاذ
وعن أبرز ما تواجهه فرق الإنقاذ، أكد المتحدث أنه فور وقوع الكارثة تضررت بشكل كبير شبكات الاتصالات والكهرباء والإنترنت، التي كانت تمدها الدولة التركية كخدمات لهذه المناطق، بالإضافة لأزمة الوقود التي تؤثر على عمل مولدات الكهرباء للإضاءة والتدفئة.
وفي السياق ذاته، أكد محمود زغموت لـ"عربي بوست" أن السفارات الفلسطينية في دمشق وأنقرة لم تتحرك بشكل حقيقي لمساعدة الفلسطينيين المنكوبين، كما أنها لم تبادر بالتنسيق مع المنظمات الأهلية لحصر الأضرار التي لحقت بالمناطق المنكوبة، ونفس الأمر ينطبق على الأونروا التي لا تزال ترفض الاستجابة للمناشدات التي طالبنا بها في مجموعة العمل للتحرك العاجل لإنقاذ المنكوبين.
وأضاف في ظل افتقار أماكن آمنة للناجين من الزلزال فقد لجأ آلاف النازحين للمتنزهات العامة والمساجد واختبأوا بالسيارات، وبالتالي هناك حاجة ماسة لفتح ممر آمن لتوفير منازل متنقلة أو بناء معسكرات إيواء تكون دافئة وبها كامل الخدمات اللوجستية لإيوائهم.