قالت صحيفة The Washington Post الأمريكية في تقرير نشرته، الإثنين 30 يناير/كانون الثاني 2023، إن الآفاق المستقبلية للاقتصاد العالمي اتضحت بشكل إيجابي على نحو غير متوقع في الأسابيع الأخيرة؛ إذ فاق أداء الولايات المتحدة وأوروبا والصين التوقعات وتجنب -على الأقل في الوقت الحالي- بعض العثرات المتوقعة.
حيث يستمر أرباب العمل الأمريكيون في التوظيف بوتيرة ثابتة، بينما تشير أحدث مقاييس التصنيع الأوروبية إلى التوسع، وعاد المستهلكون الصينيون للإنفاق مرة أخرى. ومع ذلك، فإنَّ الكثير من التحسن في المحركات الاقتصادية الرئيسية الثلاثة في العالم هي نتيجة تفادي كوارث، وليس حدوث أية طفرة جديدة.
رواج في التوظيف يرسخ لتحسن في الاقتصاد
في الولايات المتحدة، لم تدفع أسرع زيادات في أسعار الفائدة للاحتياطي الفيدرالي منذ 40 عاماً الاقتصاد إلى الركود، إضافة إلى أنَّ أرباب العمل في شركات كبرى مثل بوينغ وشيبوتل يخططون لتوظيف آلاف العمال الجدد. ولم يتحقق نقص الطاقة الذي كان البعض يخشى أن يخنق المصانع الأوروبية بسبب طقس الشتاء المعتدل نسبياً. وحرر القادة الصينيون اقتصادهم فجأة من القيود الشديدة التي فُرِضَت نتيجة "كوفيد-19" في ديسمبر/كانون الأول 2022، أي قبل أشهر مما توقعه المستثمرون.
من جانبه، صرح بيير أوليفييه غورنشاس، كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي للصحفيين: "التوقعات أقل كآبة مما كانت عليه توقعاتنا لشهر أكتوبر/تشرين الأول 2022. نحن لا نشهد ركوداً عالمياً في الوقت الحالي".
توقعات بنمو عالمي للاقتصاد
في تحديث للتوقعات الاقتصادية، صدر يوم الإثنين 30 يناير/كانون الثاني 2023، يتوقع الصندوق الآن نمواً عالمياً بنسبة 2.9% هذا العام، وهو أبطأ من وتيرة العام الماضي، لكن بزيادة 0.2 نقطة مئوية عن تقييم أكتوبر/تشرين الأول 2022. ومن المتوقع أيضاً انخفاض معدل التضخم في جميع أنحاء العالم إلى 6.6% هذا العام من متوسط عالمي قدره 8.8% في عام 2022.
بحسب صندوق النقد الدولي، لا يزال معظم المتنبئين يتوقعون حدوث ركود في الولايات المتحدة في وقت قريب من هذا الربيع، وقد يكون صانعو السياسة الأمريكيون قادرين على توجيه الاقتصاد المحموم إلى "هبوط ناعم"؛ مما يجعل التضخم تحت السيطرة دون الانزلاق إلى الانكماش. وبحلول عام 2024، يتوقع الصندوق توسعاً طفيفاً في الاقتصاد الأمريكي، مع انخفاض الأسعار ووصول معدل البطالة إلى ذروته عند 5.2%، ارتفاعاً من 3.5% اليوم.
إضافة إلى ذلك، تخلى صندوق النقد الدولي عن توقعاته في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2022 بأنَّ ثلث الدول ستغرق في ركود بنهاية هذا العام، على الرغم من أنَّ بعض الاقتصادات البارزة ستقدم أداءً مخيباً للآمال.
مع استمرار المملكة المتحدة في استيعاب تكاليف خروجها من الاتحاد الأوروبي، سيكون اقتصادها أصغر في نهاية عام 2023 مما كان عليه قبل عام واحد، وفقاً لصندوق النقد الدولي. وتكافح المملكة المتحدة مع ارتفاع معدلات التضخم وسوق العمل الذي لم يستعِد بعد مستوى ما قبل الوباء.
توقعات برفع أسعار الفائدة
تأتي التوقعات العالمية الأفضل للصندوق تزامناً مع الخطوة المنتظرة من البنوك المركزية في الولايات المتحدة وأوروبا وإنجلترا برفع أسعار الفائدة لمواصلة مكافحة التضخم. ومن المرجح أن يرفع بنك الاحتياطي الفيدرالي سعر الإقراض القياسي بمقدار ربع نقطة، في حين يتوقع المستثمرون ارتفاعاً بمقدار نصف نقطة من البنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا.
من جانبه، يرى كريستيان كيلر، رئيس قسم الأبحاث الاقتصادية في بنك باركليز، أنَّ قدرة أوروبا على التعامل مع فقدان الغاز الروسي تمثل عاملاً أساسياً في تحسن ثروات الاقتصاد العالمي. بفضل جهود الحفظ والطقس المعتدل، صارت مرافق تخزين الغاز الأوروبية ممتلئة الآن بنسبة 74%. وقال كيلر: "كان هذا حقاً السيف المُسلَط على رقبة أوروبا".
في البلدان التي تستخدم اليورو، ساهم تخفيف ضغط تكلفة الطاقة في حدوث انخفاضات شهرية متتالية في التضخم، الذي ظل مرتفعاً عند 9.2%. ووسط مؤشرات على أنَّ زيادات الأسعار بلغت ذروتها في كل من الولايات المتحدة وأوروبا، فإنَّ المستثمرين أقل قلقاً من أنَّ البنوك المركزية الكبرى قد تحتاج إلى رفع تكاليف الاقتراض أعلى مما هو مخطط له حالياً، على حد قول كيلر.
مع ذلك، في تذكير بعدم اليقين الذي يكتنف أية توقعات إيجابية، ذكرت الحكومة الألمانية، الإثنين 30 يناير/كانون الثاني 2023، أنَّ اقتصادها انكمش في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام بنسبة 0.2% عن الربع السابق، وهو انخفاض غير متوقع.
كما أدى إعادة فتح الاقتصاد الصيني المفاجئ -بعد ما يقرب من ثلاث سنوات من القيود الصارمة لمكافحة فيروس كورونا المستجد- إلى زعزعة الثروات العالمية. وبينما سيستغرق إحياء النشاط الاستهلاكي والتجاري وقتاً، إلا أنَّ المؤشرات المبكرة إيجابية.
في سياق متصل، يشعر بعض المحللين بالقلق من أنَّ انتعاش الصين قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط العالمية؛ مما يُعقِّد معركة التضخم ويجبر البنوك المركزية على الاستمرار في رفع أسعار الفائدة. لكن حتى مع ابتلاع المصانع ومحطات الطاقة الصينية للنفط، فإنَّ الطلب سينخفض في أماكن أخرى مع تباطؤ النشاط العالمي عن العام الماضي، وفقاً لصندوق النقد الدولي، الذي يتوقع انخفاض أسعار النفط على مدار العام.
من جانبه، أكد بيير أوليفييه غورنشاس، كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي، أنَّ هناك الكثير من المخاطر؛ إذ يمكن أن تندلع فاشية أخرى لفيروس كورونا المستجد في الصين بطرق لا يمكن التنبؤ بها، وقد ينهار قطاع العقارات المُثقَل بالديون في البلاد، الذي يمثل ما يقرب من 25% من الاقتصاد، في أزمة طال انتظارها. إضافة إلى ذلك، قد يكون التضخم عنيداً، مما يجبر البنوك المركزية على رفع أسعار الفائدة وبالتالي زيادة فرص الركود. وقد يؤدي تصعيد الحرب في أوكرانيا مرة أخرى إلى ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء العالمية.
رواية أخرى لنمو الاقتصاد أكثر تشاؤماً
من ناحيتها، تبنت المؤسسة الشقيقة للصندوق، البنك الدولي، وجهة نظر أكثر كآبة. ففي وقت سابق من هذا الشهر، خفض البنك توقعاته للنمو العالمي إلى 1.7% فقط، في انخفاض من 3% في يونيو/حزيران 2022. وقال البنك إنَّ الزيادات الحادة والمستمرة في أسعار الفائدة من جانب البنوك المركزية الرئيسية، إلى جانب تدهور الأوضاع المالية والتداعيات غير المباشرة للحرب، هي التي أدت إلى خفض التصنيف.
في المقابل، يرى صندوق النقد الدولي نصف الكأس ممتلئاً. وقال غورنشاس: "العام المقبل سيظل مليئاً بالتحديات. لكنها يمكن أن تمثل نقطة التحول، مع تراجع النمو لأدنى مستواه ثم الارتفاع مرة أخرى، وتراجع التضخم".