دُعي نحو 7,8 مليون ناخب تونسي للتصويت، الأحد 29 يناير/كانون الثاني 2023، في الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية، لاختيار أعضاء برلمان محدود الصلاحيات، في وقت تُقاطع فيه المعارضة الانتخابات، التي تُعد نسبة المشاركة فيها المقياس الأساسي لنجاح الاستحقاق، وذلك وسط أزمة سياسية واقتصادية تعصف بالبلاد.
يتنافس في هذه الانتخابات 262 مرشحاً على 131 مقعداً في البرلمان الجديد (من أصل 161)، وذلك ضمن انتخابات تمثل المرحلة الأخيرة من خريطة طريق فرضها الرئيس قيس سعيّد، وأبرز ملامحها إرساء نظام رئاسي معزّز على شاكلة ما قبل الثورة التونسية.
سيكون للمجلس النيابي الجديد عدد قليل جداً من الصلاحيات، إذ لا يمكنه على سبيل المثال عزل الرئيس ولا مُساءلته، فيما يتمتّع الرئيس بالأولوية في اقتراح مشاريع القوانين، وفقاً لما أوردته وكالة الأنباء الفرنسية، كذلك لا يشترط الدستور الجديد أن تنال الحكومة التي يُعيّنها الرئيس ثقة البرلمان.
تتجه الأنظار أساساً في هذه الانتخابات إلى نسبة المشاركة، بعد أن سجلت الدورة الأولى إخفاقاً تاماً مع نسبة إقبال ناهزت 11,2% فقط من الناخبين، وهي أضعف نسبة تصويت منذ بداية الانتقال الديمقراطي عام 2011، بعد انهيار نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.
من جانبهم، يقدّر الخبراء أن تكون نسبة الامتناع عن التصويت مرتفعة، ويُعبّرون عن مخاوف من أن تنحرف البلاد عن مسار الانتقال الديمقراطي بعد أن كانت مهداً لتجربة فريدة في المنطقة.
من جهتها، دعت الأحزاب السياسية المعارضة، وأبرزها حزب "النهضة"، الذي كانت له أكبر الكتل في البرلمان منذ ثورة 2011، إلى مقاطعة الانتخابات، معتبرة ما يقوم به سعيّد "انقلاباً".
وبدت الحملة الانتخابية باهتة، إذ وُضِع عدد محدود من اللافتات والمعلّقات الانتخابية في الشوارع وعلى الطرق، لتقديم مرشحين غالبيتهم غير معروفين لدى الرأي العام التونسي.
في محاولة للتعريف بهم في شكل أفضل، سعت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات إلى تنظيم مناظرات بينهم، بثها التلفزيون الحكومي خلال ساعات ارتفاع نسب المشاهدة ليلاً.
الباحث في "مركز كولومبيا"، يوسف الشريف، يرى أنه "بالنظر إلى عدم الاهتمام التام للتونسيين" بالحياة السياسة، فإن "هذا البرلمان لن يتمتع بشرعية كبيرة. وبفضل دستور 2022 سيتمكن الرئيس القوي من الهيمنة عليه كما يشاء".
يأتي هذا الوضع السياسي في تونس، بينما لا تزال المعارضة التي دعت الرئيس إلى الاستقالة، منقسمة إلى ثلاث كتل مختلفة التوجّهات، هي "جبهة الخلاص الوطني" التي يتزعمها حزب النهضة، والحزب الدستوري الحر بقيادة عبير موسي، التي تدافع عن خيارات نظام بن علي، والأحزاب اليسارية.
دأبت أحزاب المعارضة على تنظيم تظاهرات للتنديد بقرارات سعيّد منذ أن أقرها، ويلاحق القضاء العديد من نشطائها، ويترافق الغليان السياسي في تونس مع مأزق اقتصادي فاقمه تعثّر المفاوضات الحاسمة مع صندوق النقد الدولي، للحصول على قرض بنحو مليارَي دولار.
من جانبه، تحدث الخبير السياسي، حمادي الرديسي، في تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية، عن صورة قاتمة عن حال تونس، قائلاً إن "الوضع الاقتصادي مأساوي، والبلاد على وشك الانهيار".
فمن مظاهر الأزمة الاقتصادية تباطؤ النمو إلى أقل من 3%، وارتفاع البطالة إلى أكثر من 15%، فيما تزداد مستويات الفقر، الذي دفع 32 ألف تونسي إلى الهجرة بحراً نحو إيطاليا بشكل غير قانوني عام 2022.
لذا يرى مراقبون أن بصيص الأمل الوحيد لهذه الأزمة يتمثل في "مبادرة الإنقاذ"، التي أطلقها "الاتحاد العام التونسي للشغل"، و"الرابطة التونسية لحقوق الإنسان"، و"الهيئة الوطنية للمحامين"، و"المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية"، من أجل تقديم مقترحات سيعرضونها على سعيّد للخروج من الأزمة.
يُذكر أن سعيد انفرد بالسلطة، في 25 يوليو/تموز 2021، عبر تجميد أعمال البرلمان وحلّه لاحقاً، وإقرار دستور جديد، إثر استفتاء في الصيف الماضي أنهى النظام السياسي القائم منذ 2014، وبرّر الرئيس قراره آنذاك بتعطّل عجلة الدولة على خلفيّة صراعات حادة بين الكتل السياسية في البرلمان.