لم تكن الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، إلى العاصمة السورية دمشق، ولقاؤه الرئيس السوري بشار الأسد، مجرد زيارة دبلوماسية لتوطيد العلاقات أو ما شابه، لكنها كانت مليئة برسائل العتاب والمخاوف الإيرانية، على خلفية الخلافات المتزايدة بين دمشق وطهران في الفترة الأخيرة.
عتاب إيراني بسبب التقارب السوري التركي
بحسب مصادر إيرانية مطلعة تحدثت لـ"عربي بوست"، فإن أول ما نقله وزير الخارجية الإيراني، للرئيس السوري بشار الأسد، كان عتاباً خاصاً من المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، بسبب ما أطلق عليه "تجاهل إيران للتقارب السوري التركي المنتظر".
وقال مسؤول إيراني رفيع المستوى، مطلع على مجريات هذا الأمر، لـ "عربي بوست"، مفضلاً عدم الكشف عن هويته لحساسية منصبه، إن القيادة العليا في إيران شعرت برغبة سورية في تجاهل وجودها في مسألة التقارب السوري التركي، ورأى المرشد الأعلى أن الأمر لا بد من إيصاله إلى الأسد، "في شكل عتاب ودي".
وبحسب المصدر ذاته، فإن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، أخبر الرئيس السوري بشار الأسد، أن خامنئي كان يُفضل تواجد طهران ضمن عمليات التقريب بين دمشق وأنقرة، كحليف وثيق للحكومة السورية.
من ناحية أخرى، أكد دبلوماسي إيراني، كان مرافقاً لوزير الخارجية أثناء زيارته الأخيرة إلى دمشق، أن الرئيس السوري بشار الأسد حرص على تأكيد عدم وجود أي تجاهل لطهران في هذه المسألة، قائلاً "أخبر الأسد، السيد عبد اللهيان بضرورة إرسال رسالة إلى خامنئي، يؤكد فيها عدم وجود نية لدى دمشق في تجاهل مواقف إيران، لكن الأمور مازالت في البداية".
وعلى ما يبدو فإن ما وصفه المسؤول الإيراني البارز، بإنه "عتاب ودي"، لم يتوقف في دمشق فقط، بل أرسله وزير الخارجية الإيراني، أيضاً إلى أنقرة في زيارته لتركيا، بعد الانتهاء من زيارة دمشق.
جدير بالذكر، أنه بعد سنوات من الجمود السياسي، بين سوريا وتركيا، بدأت سلسلة من اللقاءات رفيعة المستوى جمعت مسؤولين من الجانبين برعاية روسية.
لكن ترى طهران أن استبعادها من هذه اللقاءات، إشارة غير جيدة، في هذا الصدد. يقول محلل السياسات الخارجية بالمركز الاستراتيجي للسياسات التابع للبرلمان الإيراني، علي رضا منتظري، لـ"عربي بوست"، "تخشى طهران من أن يتم تهميشها خلال التقارب الروسي التركي برعاية روسية، كما أنها قلقة من أن نجاح هذا التقارب، يعني خسارتها لدورها في سوريا المستمر منذ سنوات".
وأضاف منتظري قائلاً "مثلما رفضت طهران عام 2016 الاتفاق الروسي التركي بخروج المسلحين من مدينة حلب، واستخدمت القوة لرفضه، من المحتمل أن تعيد نفس الأمر، إذا خرج التقارب السوري التركي بنتائج لا توافق المصالح الإيرانية في دمشق".
كما أكد محلل السياسة الخارجية الإيراني، علي رضا منتظري، على أهمية مسألة ضرورة مشاركة طهران في التقارب السوري التركي، قائلاً لـ"عربي بوست"، "أعتقد أن أنقرة ستعمل على حل المخاوف الإيرانية، وإشراكها في الحوار السوري التركي، لإثبات حسن النية، وضمان نجاح الحوار".
الخوف من تطبيع سوري إسرائيلي بوساطة الإمارات
لكن موضوع تركيا ليس هو الهاجس الوحيد لطهران مما يحدث في تركيا، إذ إنه في الآونة الأخيرة قامت دولة الإمارات العربية المتحدة باتخاذ خطوات واسعة للتقارب مع دمشق.
في بداية شهر يناير/كانون الثاني 2023، قام وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، بزيارة العاصمة السورية دمشق، ولقاء الرئيس السوري بشار الأسد، في ثاني زيارة له.
في السابق، كانت طهران رحبت بالتطبيع العربي مع حكومة بشار الأسد، معتبرة الأمر دليلاً على نجاح سوريا في الفوز بالحرب الدائرة على أراضيها، لكن في الوقت نفسه، كان لدى طهران مشاعر قلق وترقب من أن يكون التقارب الإماراتي السوري بداية لمحاولة إخراج الجمهورية الإسلامية من سوريا، بعد سنوات طويلة من القتال بجانب قوات بشار الأسد.
وعلى ما يبدو فإن هذه المشاعر السلبية في طهران زادت في الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الإماراتي لدمشق. في هذا الصدد يقول مسؤول إيراني آخر، لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم الكشف عن هويته "لا نحمل أي ضغينة في التقارب العربي السوري، بالعكس نحن شجّعنا في البداية على مثل هذه الخطوات، لكن ما تم تداوله في اللقاء الأخير في دمشق بين الإماراتيين والسوريين جعل طهران قلقة للغاية".
يُفسر المصدر ذاته سبب القلق الإيراني من الزيارة الإماراتية الأخيرة لدمشق، قائلاً لـ"عربي بوست": "وصلت إلينا أنباء عن رغبة إماراتية في دفع دمشق للتطبيع مع إسرائيل، بحجة فك عزلتها الاقتصادية والسياسية". كما أشار المتحدث إلى عدم إفصاح الجانب السوري لطهران عن مضمون زيارة وزير الخارجية الإماراتي الأخيرة إلى دمشق بالكامل.
وأضاف المصدر ذاته لـ"عربي بوست"، "السرية المحيطة بالمباحثات السورية الإماراتية في الفترة الأخيرة أثارت قلق طهران بشدة، احتمالية التطبيع السوري الإسرائيلي مسألة خطيرة، ولن تقبل بها الجمهورية الإسلامية".
في السابق، كانت مسألة التطبيع السوري مع إسرائيل محل نقاش، خاصةً بعد الزيارات الإماراتية إلى دمشق، بعد سنوات من القطيعة، لكن المحلل السياسي الإيراني، علي منتظري، يرى تفسيراً آخر القصة، فيقول لـ"عربي بوست": "لا أتفق مع المسؤولين الإيرانيين في مخاوفهم من تطبيع سوري مع إسرائيل بوساطة إماراتية، الإماراتيون فقط يريدون الظهور بمظهر اللاعب الإقليمي المهم في المنطقة، وأنهم كانوا أول من بادروا بالتطبيع مع الحكومة السورية".
وأضاف منتظري قائلاً "تكلفة تطبيع سوريا مع إسرائيل باهظة للغاية، ولا أعتقد أن الحكومة السورية قادرة على دفع مثل هذا الثمن، على الأقل في الوقت الحالي".
رغبة إيرانية في توسيع نفوذها الاقتصادي في دمشق
كان من ضمن الملفات الأخرى التى حملها وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان لبشار الأسد، في زيارته لدمشق، التأكيد على أهمية مشاركة إيران في إعادة الإعمار في سوريا، خاصةً مع انشغال روسيا في الحرب مع أوكرانيا.
يقول الدبلوماسي الإيراني، المطلع على هذه الزيارة، لـ"عربي بوست"، "إلى الآن لم تجنِ طهران ثمار دعمها لحكومة بشار الأسد طوال سنوات الحرب، وفي الوقت نفسه، تخشى من أن يكون التقارب العربي السوري، بجانب المحادثات التركية السورية، سيهمش من التواجد الاقتصادي لإيران في سوريا".
وأضاف المصدر ذاته قائلاً "هناك اتفاقيات اقتصادية مهمة بين الجانبين السوري والإيراني، لكنها لم تنفذ"، موضحاً "هناك العشرات من الشركات الإيرانية التي وقعت اتفاقيات مع الحكومة السورية لمشاريع إعادة الإعمار، وتنتظر البدء في العمل، لذلك جاءت زيارة وزير الخارجية الإيراني للتأكيد على ضرورة تنفيذ هذه الاتفاقيات، في أقرب وقت".
وزير الدفاع السوري في طهران
قام وزير الدفاع السوري، الفريق علي محمود عباس، بزيارة سريعة إلى العاصمة الإيرانية طهران، يوم الأربعاء 25 يناير/كانون الثاني 2023، والتقى بالرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، وعدد من المسؤولين العسكريين الإيرانيين رفيعي المستوى.
وبحسب المصادر المطلعة على هذا اللقاء، والتي تحدثت لـ"عربي بوست"، فإن السبب وراء هذه الزيارة هو التأكيد على حسن نية دمشق تجاه طهران، ومحو مخاوف الأخيرة التي تم إرسالها مع وزير الخارجية الإيراني في زيارته لدمشق في الأيام القليلة الماضية.
يقول مصدر مقرب من مكتب الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، ومطّلع على زيارة وزير الدفاع السوري لطهران، لـ"عربي بوست"، "جاء وزير الدفاع السوري للتأكيد على رغبة بشار الأسد في تعميق العلاقات مع إيران، كما طلب من الرئيس الإيراني عدم تجميد شحنات النفط المتجهة إلى سوريا".
وقد أشار المصدر إلى أنه قد تم تجميد عدد من الشحنات النفطية الذاهبة من إيران إلى سوريا، بسبب الخلافات البسيطة التي ظهرت قبل زيارة وزير الخارجية الإيراني، إلى دمشق.
كما أضاف المصدر ذاته قائلاً لـ"عربي بوست": "تناول إجتماع وزير الدفاع السوري مع قائد الحرس الثوري، حسين سلامي، أيضاً الحديث عن التواجد الإيراني في جنوب سوريا، وإعادة انتشار القوات الإيرانية في مناطق الفراغ الروسي، مع التأكيد على أهمية التواجد العسكري الإيراني في مناطق سورية معينة".
تحدث المصدر أيضاً عن تلميح وزير الدفاع السوري، لطلب خروج القوات العسكرية الإيرانية من مناطق في جنوب روسيا، خشية تجدد الحرب مرة أخرى، وقال لـ"عربي بوست": "الأمر متروك لقادة الحرس الثوري، هم من يقررون هذا الأمر، ولكنه مستبعد في الوقت الحالي".