يقضي طالبو لجوء روس ساعاتهم في مطار إنتشون الدولي بكوريا الجنوبية في تبادل المزاح مع الموظفين الذين يرونهم في الساعة 6 مساءً يومياً، بمطعم برغر كينغ في صالة المغادرة رقم 1، فيما يقضون أيامهم في التجول وتدخين السجائر أو تعلم اللغة الكورية.
بالنسبة لهؤلاء الرجال الذين فروا من روسيا لتجنب التجنيد في الحرب ضد أوكرانيا، يمثل مطار إنتشون الدولي موطنهم المؤقت منذ 3 شهر، بحسب ما نشرت صحيفة The Washington Post الأمريكية الخميس 26 يناير/ كانون الثاني 2023.
ووصل هؤلاء الروس إلى المطار، الذي يقع على بعد حوالي 32 ميلاً غربي العاصمة سول، في أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني 2022، طالبين اللجوء، لكن كوريا الجنوبية، التي لديها معدل منخفض لقبول اللاجئين، اعتبرتهم غير مؤهلين حتى للتقدم ورفضت طلباتهم. وقدم الرجال استئنافاً على القرار، وسيكتشف ثلاثة منهم في 31 يناير/كانون الثاني 2023، لو سيُقبَل استئنافهم أم لا.
وقال أحد الرجال، البالغ من العمر 31 عاماً، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته خوفاً على سلامته في حال أعيد إلى وطنه: "فرصتنا الأخيرة هنا، في كوريا الجنوبية".
وينضم هؤلاء لأكثر من 180 ألف مواطن روسي فروا من بلادهم بعدما أعلن الرئيس فلاديمير بوتين في 21 سبتمبر/أيلول 2023، عن تعبئة عسكرية "جزئية" لجنود الاحتياط لحربه في أوكرانيا، تاركاً البلدان في جميع أنحاء أوروبا تتصارع مع ما إذا كانت ستفتح أبوابها أمام موجة النزوح.
وفر بعض المتضررين من أمر التعبئة، بينما غادر آخرون خوفاً من إعلان الحكومة تجنيد جميع الرجال المتمتعين بصحة جيدة بدافع الرغبة اليائسة في المزيد من المقاتلين.
وتلقى فلاديمير ماراكتاييف، طالب جامعي يبلغ من العمر 23 عاماً من جمهورية بورياتيا في سيبيريا، إخطاره بالتجنيد في 24 سبتمبر/أيلول 2022، وغادر بلده في ذلك اليوم دون خطيبته.
وقال ماراكتاييف: "أنا لا أريد أن أؤذي الناس، ولا أريد أن أموت أيضاً. لكنني أشعر أنَّ هذا الصراع سياسي للغاية. أرى أنَّ هذه حرب إمبريالية، وقهر لأمة شقيقة مجاورة. … أُكِن كل الاحترام للأوكرانيين لدفاعهم عن وطنهم".
بدوره، قال شاب يبلغ من العمر 30 عاماً، تحدث بالمثل شريطة عدم الكشف عن هويته خوفاً على سلامته، إنه غادر روسيا بعد تلقي إشعار تجنيده في 28 سبتمبر/أيلول، لأنه شارك في مسيرات احتجاجية مناهضة للحكومة وخضع للتحقيق بشأن موقفه. وأشار إلى أنه من غير الآمن بالفعل أن يعود إلى منزله في سيبيريا، وصار الوضع أقل أماناً بعد أمر التجنيد.
وخوفاً من إرساله إلى الخطوط الأمامية، ترك الشاب الثلاثيني زوجته وطفله في الوطن وهرب. وقال إنه عبر إلى كازاخستان واتخذ قراراً بشأن كوريا الجنوبية لأنها ديمقراطية.
وفي 31 يناير/كانون الثاني، سيكتشف هو، واثنان آخران وصلا إلى مطار إنتشون في أكتوبر/تشرين الأول، ما إذا كانوا مؤهلين للتقدم بطلب للحصول على وضع اللاجئ.
اللجوء في كوريا الجنوبية
من جانبه، قال محاميهم لي جونغ تشان، وهو من المدافعين عن قانون المصلحة العامة، إنهم إذا نجحوا، فسيكونون قادرين على مغادرة المطار ودخول كوريا الجنوبية لحين الحصول على قرار بشأن وضعهم، الذي قد يستغرق صدوره ما يصل إلى عام.
وبموجب القانون الكوري الجنوبي، يمكن للأشخاص التقدم بطلب للحصول على وضع اللاجئ عند محطة الدخول؛ مثل المطار، وإجراء مقابلات معهم من أجل التقييم المسبق. وإذا كانوا مؤهلين لتقديم طلب اللجوء، فإنَّ مكتب الهجرة يحيلهم إلى فحص اللاجئين. وامتنعت وزارة العدل عن تحديد سبب رفضها لطلب الرجال الروس.
بيَّد أنَّ كوريا الجنوبية، التي تشترط أيضاً على جميع الرجال القادرين جسمانياً التجنيد في الجيش بحلول سن 28 عاماً، تأخذ التهرب من التجنيد على محمل الجد. لكن المحامي لي جونغ تشان يستأنف على القرار، ويحتج بأنَّ الروس الفارين من التجنيد والمعارضين للحرب يجب أن يُنظَر إليهم بشكل مختلف.
وأضاف لي: "يمكن أن نفهم صعوبة حصول شخص مُلزَم بالخدمة في كوريا، لكنه يغادر البلاد ببساطة لتجنب الخدمة العسكرية ويتقدم بطلب للحصول على وضع اللاجئ، على سبيل المثال في الولايات المتحدة. لكن إذا فر الأشخاص المعرضون لخطر التجنيد الإجباري في بلد مزقته الحرب مثل روسيا لأنهم يعارضون الحرب؛ فإننا نرى ذلك عموماً سبباً لأخذ طلبات لجوئهم في الاعتبار".
ووصفت كوريا الجنوبية الغزو الروسي لأوكرانيا بأنه "غير قانوني وغير شرعي" وانضمت إلى الغرب في فرض عقوبات اقتصادية. لكنها، في الوقت نفسه، التزمت الحذر في علاقتها الثنائية مع موسكو ورفضت الطلبات المتكررة من كييف للحصول على أسلحة فتاكة، على الرغم من أنها تقدم المزيد والمزيد من الدعم العسكري غير المباشر لها.
وأعرب المحامي لي عن تفاؤله بأنَّ الرجال سيحصلون على جلسة استماع لطلباتهم؛ لأنَّ قضاياهم تشبه قضايا مئات اليمنيين وأكثر من 1200 سوري وصلوا إلى كوريا الجنوبية للفرار من الحرب في بلادهم. وحُرم معظم هؤلاء المتقدمين في نهاية المطاف من وضع اللاجئ، لكنهم مُنحوا تأشيرات إنسانية لمدة عام واحد. ومن غير الواضح كيف ستبِت الحكومة في قضية الروس.
وأوضح لي أنَّ القضية الأكثر إلحاحاً في الوقت الحالي هي إخراج الرجال من المطار.
وحتى ذلك الحين، ينام هؤلاء الرجال الروس في غرفة انتظار صغيرة في صالة المغادرة بالمطار، التي تأوي 8 رجال آخرين. وتوجد غرفة للاستحمام، التي لا تكون مياهها ساخنة طوال الوقت. ويحصلون على ثلاث وجبات في اليوم.