مع دخول حظر الديزل والمنتجات البترولية الروسية حيز التنفيذ في الخامس من فبراير/شباط المقبل، ستكون دول الشرق الأوسط البترولية على موعد مع تعزيز موقعها داخل سوق الطاقة الأوروبية، وقد تكون "المستفيدَ الأكبر" من القرار، وفق ما ذكره موقع Middle East Eye البريطاني.
الموقع البريطاني أوضح في تقرير نشره الأربعاء 18 يناير/كانون الثاني 2023، أن دول المنطقة ستعتمد في ذلك على مصافي التكرير الجديدة، وموقعها الجغرافي المميز، والشحنات الإضافية التي ستصلها من المنتجات الروسية.
إذ تحدث إيد مورس، المدير العالمي لأبحاث السلع في Citigroup، إلى موقع Middle East Eye البريطاني قائلاً: "من الواضح أن الشرق الأوسط سيكون الرابح الأكبر في سباق استبدال المواد الروسية المتجهة إلى أوروبا. وستستفيد دول الشرق الأوسط من الأمر أكثر باستيراد المواد الروسية إلى بلادها".
سيطرة دول الخليج على أسواق النفط
حلت دول الخليج محل روسيا في أسواق النفط الخام عن طريق إعادة توجيه مبيعاتها إلى أوروبا، بينما تصارعها موسكو للفوز بزبائن الخليج التقليديين في آسيا عن طريق الأسعار المخفضة.
بينما تأتي إعادة ترتيب أوراق تجارة الطاقة العالمية نتيجةً للعقوبات الغربية المفروضة على روسيا، بسبب هجوم الأخيرة على أوكرانيا.
فقد ارتفعت صادرات الخام والمنتجات المكررة من الخليج إلى أوروبا في مطلع 2023، بالتزامن مع مسح أوروبا للسوق بحثاً عن موردين جدد. وشملت القائمة منتجات مثل الديزل، وزيت الوقود، ووقود النفاثات أيضاً.
في أول 12 يوماً من 2023، صدّرت الإمارات 133 ألف برميل/يومياً من البترول ومشتقاته إلى أوروبا، لتسجل أعلى معدلاتها في شهر يناير/كانون الثاني منذ عام 2017، بحسب البيانات التي حصل عليها الموقع البريطاني من شركة Kpler.
بينما سجلت السعودية في الفترة نفسها صادرات تقدر بنحو 282 ألف برميل/يومياً، متفوقةً بذلك على المعدلات التي تسجلها على مدار الشهر نفسه عادةً منذ عام 2019.
الكويت والسعودية أكبر المستفيدين
حسب الموقع البريطاني، يمثل حظر الديزل فرصةً مواتية للدول الخليجية، حيث يأتي بالتزامن مع استعدادها لإطلاق العديد من المصافي الضخمة الجديدة. وتتمتع الكويت تحديداً بموقعٍ مثالي للاستفادة من الحظر، وفقاً لمورس من مجموعة Citigroup.
إذ تزيد الدولة الصغيرة حجم الإنتاج في مصفاة الزور النفطية الجديدة، التي تعد من أكبر المصافي النفطية في العالم. ومن المتوقع أن تحظى المصفاة بسعةٍ كافية لمعالجة 615 ألف برميل من الخام يومياً عندما تعمل بكامل طاقتها. وشحنت الكويت دفعتها الأولى من وقود النفاثات إلى المصفاة في نوفمبر/تشرين الثاني.
قال مورس: "إنهم مستعدون بسعة التكرير الجديدة من أجل بيع الديزل لأوروبا… والاستحواذ النشط على حصةٍ من السوق". وبالنظر إلى مبيعات الديزل الكويتي لأوروبا في أول 12 يوماً من الشهر الجاري، ستتضح لنا الكيفية التي انتهزت بها دول الخليج الفرصة الناتجة عن تعطيل سوق الطاقة العالمية، وذلك لزيادة صادراتها.
حيث استقر حجم صادرات الديزل الشهرية من الكويت إلى أوروبا عند 59 برميلاً/يومياً حتى يوم 12 يناير/كانون الثاني، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف المعدلات المسجلة طوال الشهر نفسه عام 2022. بينما كان حجم صادرات العام الجاري أكبر بنحو 900% من صادرات يناير/كانون الثاني عام 2021، بحسب Kpler.
من ناحيتها، تزيد السعودية إنتاج مصفاة جازان التي من المتوقع أن تنتج أكثر من 200 ألف برميل ديزل يومياً، وذلك عندما تصل إلى سعة التشغيل الكاملة في وقتٍ لاحق من العام الجاري.
أما مصفاة الدقم العمانية فمن المقرر افتتاحها أواخر عام 2023. ويقول المحللون إنها ستزيد قدرة السلطنة على تكرير النفط الخام وتحويله إلى الديزل وأشكال الوقود الأخرى، وذلك بمقدار نحو 200 ألف برميل/يومياً.
دول الشرق الأوسط تستغل الوضع
يقول المحللون إن دول الشرق الأوسط يمكنها شراء المنتجات الروسية المنبوذة بسعرٍ زهيد، ثم إعادة تصديرها مرةً أخرى، مما يمنح المنطقة موقعاً متميزاً للاستفادة من طرفي الحظر الوشيك.
إذ انقضت السعودية على زيت الوقود الروسي الرخيص في الصيف الماضي، وعمدت إلى تصدير نفطها الخام -الذي تستخدمه في احتياجاتها المحلية عادةً- مقابل أسعار أعلى.
انضمت مصر إلى اللعبة أيضاً، رغم كونها من منتجي النفط المتواضعين مقارنةً بالسعودية. حيث استوردت القاهرة كميات قياسية من الوقود وزيت الأفران الروسي خلال العام الماضي، ثم أعادت تصدير كميات كبيرة منه إلى السعودية.
فضلاً عن أن مصر استهلكت جزءاً من ذلك الوقود المستورد محلياً، حتى تفتح المجال أمام تصدير مزيد من غازها الطبيعي.
تجربة تونس الناجحة
موقع "ميدل إيست آي" قال: "تقدم لنا تونس مثالاً حياً على هذه الصناعة الصغيرة التي ازدهرت عن طريق (غسيل) المواد الخام الروسية. حيث يجري استيراد المنتجات البترولية، وتغيير الملصقات الموجودة عليها لتحمل اسم بلد منشأ مختلف وتصبح مقبولةً أكثر".
إذ بدأت الدولة الإفريقية غير الغنية بمصادر الطاقة في استيراد كميات ضخمة من النفثا الروسية في شهر أغسطس/آب. وبلغت واردات الهيدروكربونات السائلة ذروتها عند 61 ألف برميل في أكتوبر/تشرين الأول، بعد أن كانت تونس لا تستورد أي نفثا في السنوات السابقة، وفقاً لـKpler. وجرت إعادة تصدير النفثا بعدها إلى كوريا الجنوبية بصفةٍ أساسية.
قال فيكتور كاتونا، محلل Kpler، للموقع البريطاني، إن تونس تُعَدُّ بمثابة "التجسيد الواقعي لقصة الشحن العابر (إعادة الشحن)".
كما تنبأ كاتونا بأن النموذج التونسي سيجري تقليده في مختلف دول شمال إفريقيا بمجرد دخول حظر الديزل حيز التنفيذ، فضلاً عن فرض مجموعة السبع لسقفٍ على أسعار المنتجات البترولية. وقد بدأت روسيا في زيادة شحنات الديزل إلى المغرب.
أردف كاتونا: "تقع تلك الدول على البحر المتوسط، وتستغرق رحلات الشحن منها إلى أوروبا وقتاً قصيراً. وألاحظ إقامة الكثير من العلاقات التكافلية بين روسيا من ناحية ودول شمال إفريقيا من ناحيةٍ أخرى".
الاستفادة من منشآت التخزين
أوضح المحللون والتجار أن دول الشرق الأوسط التي تمتلك منشآت تخزين كبرى تتمتع بأفضل موقع للاستفادة من عمليات الشحن العابر.
حيث تمتلك مصر منصات في موانئ العين السخنة وسيدي كرير، أما الإمارات فلديها ميناء الفجيرة. بينما نقلت Lukoil، شركة الطاقة الروسية الحكومية العملاقة، عملياتها التجارية إلى دبي في العام الماضي.
في إشارةٍ إلى رش الطباخ التركي الشهير للملح، قال كاتونا: "يمكنك عملياً أن تأخذ شحنةً من الديزل الروسي إلى الجزائر أو مصر، ثم ترشها بقطرات صغيرة من ديزل دولة أخرى على طريقة شيف الملح. ولن تعود تلك الشحنة روسيةً بعدها".
"حتى يضمنوا قدرتنا على دخول السوق"
يُمكن أن تنجذب تركيا إلى إمكانية جني عائدات مربحة من إعادة تعبئة المنتجات الروسية أيضاً، بعد أن برزت بالفعل كواحدةٍ من أكبر المشترين للنفط الروسي المنبوذ.
إذ صدّرت روسيا 175 ألف برميل من الديزل إلى تركيا يومياً خلال شهر ديسمبر/كانون الأول، وهو رقم قياسي لم يحدث منذ عام 2018، بحسب Kpler. لكن مدخول الديزل الروسي لا يتوافق مع الارتفاع المسجل في صادرات الديزل التركية، رغم أن الوضع قد يتغير مع تدفق مزيد من الديزل الروسي على تركيا خلال الشهر الجاري.
بينما قال غريغوري غوس، خبير سياسات الشرق الأوسط بجامعة تكساس إيه آند إم: "لا أرى تركيا قادرةً على لعب دور الوساطة في شراء النفط والمنتجات الروسية الرخيصة".
أوضح غوس أن أكبر المستفيدين من الحظر الوشيك هي دول الخليج النفطية التقليدية، لأن الحظر "سيعزز" مكانتها كمحور أساسي لسوق النفط العالمية. وربما يؤدي ذلك التطور إلى تداعيات جيوسياسية واقتصادية، بالتزامن مع تحركات الاتحاد الأوروبي لتعميق علاقاته مع الأنظمة الملكية العربية.
يمكن اعتبار الاستثمارات الخليجية في أوروبا بمثابة مقياسٍ لمدى استمرارية العصر الجديد، الذي سيشهد إعادة توجيه تدفقات الوقود.
وعمدت دول الخليج إلى الابتعاد عن أوروبا عادةً. حيث كانت تراها كسوق طاقة متدهورة، مع سكان متقدمين في العمر، وأهداف طموحة للطاقة النظيفة، وذلك على النقيض من آسيا. بينما فرضت أوروبا مزيداً من القيود على استثمارات الوقود الأحفوري من جانبها. لكن الهجوم الروسي أجبر الطرفين على عكس مسارهما.
في أكتوبر/تشرين الأول، قال وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، إن المملكة تستهدف زيادة مبيعاتها إلى أوروبا.
حيث أوضح الوزير: "نحن نتعامل مع العديد من الحكومات ومنها على سبيل المثال حكومات ألمانيا، وبولندا، وجمهورية التشيك، وكرواتيا، ورومانيا، وغيرها. وتمر تلك الدول حالياً بمرحلة إزالة الاختناقات في سلاسل وأنظمة توريدها؛ حتى يضمنوا قدرتنا على دخول السوق".