قضت المحكمة الدستورية العليا في مصر، السبت 14 يناير/كانون الثاني 2023، برفض الطعن المقدم من المحامي المصري خالد علي بشأن عدم دستورية قانون تنظيم الطعن على عقود الدولة رقم 32 لسنة 2014، الصادر من الرئيس المؤقت السابق عدلي منصور؛ لتؤكد المحكمة بذلك دستورية القانون، وإقرارها بعدم قبول الدعاوى التي ترفع أمام المحاكم المصرية، بخصوص بطلان قرارات وعقود بيع وخصخصة الشركات والأصول المملوكة للدولة.
وأحيل الطعن إلى المحكمة الدستورية بتصريح من محكمة القضاء الإداري، خلال نظرها دعوى بطلان قرارات خصخصة شركة النوبارية لإنتاج البذور (نوباسيد)، المرفوعة من مجموعة من العاملين في الشركة، وطالبوا فيها بعودتها وكافة أصولها إلى الدولة، ممثلة في وزارة الزراعة؛ وإلغاء عقد بيعها للمستثمر السعودي الراحل عبد الإله صالح كعكي.
من يحق لهم الطعن على العقود؟
ويقضي الحكم الصادر، السبت، بأن من لهم صفة قانونية فقط هم من يستطيعون الطعن على العقود التي تبرمها الدولة؛ ما يعني تحصيناً لتلك العقود من الطعن عليها بالبطلان أمام محكمة القضاء الإداري.
وادعت المحكمة الدستورية أن "حالة الضرورة توافرت لإصدار قانون تنظيم الطعن على عقود الدولة، حين كان الاقتصاد القومي يمر بمرحلة دقيقة، احتاج فيها إلى العمل على جذب الاستثمارات الأجنبية، وحجب كل ما يزعزع الثقة في سلامة البناء الاقتصادي، وضمان احترام الدولة لتعاقداتها؛ ما حقق حالة الضرورة المبررة لإصدار القرار بقانون المطعون فيه، الذي لم ينطوِ على أثر رجعي ينال من حجية الأحكام الباتة التي صدرت في شأن تلك التعاقدات"، وفق وكالة أنباء الشرق الأوسط.
حيثيات الحكم
المحكمة أضافت، في حيثياتها، أن "القانون لم يصادر حق التقاضي، أو يقيده، بل جاء تنظيماً لهذا الحق؛ من خلال تحديد الفئات أصحاب الحق في الطعن على عقود الدولة؛ حاصراً إياهم في من لهم حقوق شخصية أو عينية على الأموال محل التعاقد، وأطراف تلك العقود، من دون غيرهم".
وتابعت: "القانون أجاز للكافة الطعن بالبطلان، في حال صدور حكم بات بإدانة أحد أطراف العقد في جريمة من جرائم العدوان على المال العام، إذا ما أبرم العقد استناداً إليها؛ تحقيقاً لالتزام الدولة بمكافحة الفساد، على النحو الذي أوجبته المادة 218 من الدستور".
المحكمة زعمت أن "هذا التنظيم قد كفل الحقوق لأصحابها، دافعاً عن مجال التقاضي من ليس لهم مصلحة شخصية في الطعن على العقود التي تبرمها الدولة مع الغير؛ صارفاً عن الخصومة القضائية من توهم ضرراً أراد دفعه، أو من توسل بها لفرض سياسات اقتصادية لا تتفق مع توجهات الدستور الحالي".
وبحسب الحيثيات، فإن "المشرع المصري سعى من خلال هذا التنظيم إلى تشجيع الاستثمارين العام والخاص، وتوفير المناخ الجاذب لهما، على نحو يدعم الاقتصاد القومي؛ وذلك نفاذاً للالتزام المقرر في المادتين 27 و28 من الدستور".
"وثيقة سياسة ملكية الدولة"
وترافق قرار المحكمة الدستورية مع إصدار الحكومة ما يُعرف بـ"وثيقة سياسة ملكية الدولة"، التي صدق عليها الرئيس عبد الفتاح السيسي مؤخراً؛ بغرض تسهيل إجراءات طرح مجموعة واسعة من الشركات والأصول المملوكات للدولة للبيع أمام مستثمري الخليج، ضمن خطة حكومية للانسحاب من قطاعات اقتصادية محددة، من أجل جذب استثمارات بقيمة 40 مليار دولار على مدى 4 سنوات للحد من عجز الموازنة، وسداد أعباء الديون الخارجية المستحقة على البلاد.
وبذلك، قطعت المحكمة الدستورية الطريق أمام رفع الدعاوى أمام محكمة القضاء الإداري لبطلان خصخصة أو بيع حصص من شركات القطاع العام، وقطاع الأعمال العام، وغيرها من الشركات المملوكة للدولة كلياً أو جزئياً؛ معتبرة أن طعون المواطنين في العقود التي تبرمها الدولة مع الغير من "دعاوى الحسبة"، بغض النظر عما قد يشوبها من عوار أو فساد.
وفي 8 فبراير/شباط 2022، أصدر السيسي قراراً بتعيين المستشار بولس فهمي إسكندر، رئيساً للمحكمة الدستورية العليا، بدرجة وزير؛ خلفاً للمستشار سعيد مرعي، الذي أحيل للتقاعد لعدم لياقته الصحية بناءً على طلبه.
والمحكمة الدستورية هي المحكمة العليا في مصر، ومهمتها مراقبة تطابق القوانين مع مواد الدستور؛ وإلغاء التشريعات التي تخالف نصوص ومواد الدستور المصري. وهي هيئة قضائية مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، وتؤلَّف من رئيس ونائب أو أكثر للرئيس، وعدد كاف من المستشارين؛ وأحكامها نهائية لا يمكن الطعن فيها بأي طريقة من طرق الطعن.